تتكثف معارضة مؤسسات المجتمع المدني الأردني لتوجهات الحكومة فيما يتعلق بالحريات العامة وتنظيم عمل الأحزاب والجمعيات، فيما انضم رمضان الرواشده مدير عام وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إلى المطالبة بتحقيق استقلالية وكالته فعليا عن الحكومات، على نحو متزامن مع إعادة مناقشة فكرة إعادة وزارة الإعلام، في وقت تناضل فيه الحكومة ذاتها من أجل استعادة صلاحياتها من جهات موازية.
لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة الأردنية اعترضت على مشروع قانون معدل لقانون الإجتماعاتالعامة، الذي شرعت الدورة الإستثنائية لمجلس النواب في بحثه.
واشارت في مذكرة بعثت بها إلى لجنة الحريات في مجلس النواب إلى أن التعديلات الواردة في مشروع القانون”جاءت هامشية جداً ومتواضعة وعلى نحو لا تلامس فيه جوهر الموضوع، فجاء مخيباً لآمالوتطلعات أبناء شعبنا”.
وطالبت “تنسيقية المعارضة” اللجنة بإلغاء طلب موافقةالحاكم الاداري المسبقة التي يشترطها القانون الساري واستبدالها بإلاشعار فقط،والغاء تعريف الإجتماع الوارد في القانون المؤقت الساري والعودة لتعريف قانون 1953وهو كل اجتماع دعا إليه اشخاص للبحث في أمور سياسية.
كما اقترحت عدم منحمجلس الوزراء أو وزير الداخلية أي صلاحية في إصدار أنظمة وتعليمات تنفيذية لأحكامالقانون، وفي حال ضرورة ذلك تحديدها ضمن نصوص القانون ليتم اقرارها من قبل السلطةالتشريعية حتى لا يخرج القانون عن اهدافه من خلال التعليمات والأنظمةاللاحقة.
وطالبت بتحديد صلاحيات الحاكم الإداري وكف يده ونزع الصلاحيةالمطلقة التي منحها إياه القانون المؤقت الذي يقضي بفض الاجتماع دون مشاورة الداعينله في حال حدوث أي إخلال بالأمن والنظام، معتبرة ان جوهر القانون تجريمي عقابيويجعل من حرية الاجتماع وحق الاجتماع والمسيرة أفعالاًاجرامية.
من جهة أخرى، ناقش ممثلون لمنظمات اهلية في اجتماع طارئ عقدوه بدعوة من اتحاد المرأة، وفي مقره، مشروع قانون الجمعيات الجديد قبل مناقشته التي تتم في مجلس النواب من قبل لجنة التنمية والعمل, حيث أكدت رئيسة اتحاد المرأة آمنة الزعبي في بداية الاجتماع أن الموضوع في غاية الخطورة على مستقبل المنظمات الاهلية, ولا بد من العمل لتعديل هذا القانون اذا لم تتوفر الفرصة لسحبه أو رده, وحرصت الزعبي على تأكيد أن الجمعيات هي في احوج الاوقات لتوحيد موقفها بغض النظر عن خلافاتها في بعض المواقف, معتبرة ان هذا القانون يشكل خطراً ولابد من تحالف قوي لدفعه وتعميق الديمقراطية التي تعد جوهر عمل المنظمات الاهلية. كما اشارت الى اعتبار البعض أن ما تم هو بداية قطيعة بين مجلس النواب والمنظمات الاهلية.
وأكدت الزعبي أن الرقابة أمر واجب وصحي عندما تكون الرقابة على كيفية صرف الأموال بما يضمن النزاهة والشفافية, ولكن الرقابة على الأموال قبل تزويد المنظمات بها تؤدي إلى ارباك عملها ويؤثر على ادائها بشكل سلبي, وبالأخص المنظمات ذات الرؤية النقدية, كما قد يؤثر مستقبلاً على تمكين المرأة سياسياً والتأثير على كثير من برامج المنظمات النسائية التي ستحكمها مسألة التمويل يجعلها تابعةً للوزارة بشكل يعيق اداءها.
ورحبت الزعبي بتلقي دعم من الدولة بدلاً من التمويل الأجنبي, لكنها قالت إن ذلك غير متاح.
واعتبرت املي نفاع عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، الناشطة القيادية في جمعية النساء العربيات، والعضو في الملتقى الإنساني، “هذا القانون عرفي بامتياز”، وقالت “علينا التحرك من أجل عدم اقرار هذا القانون, فبعض بنود قانون عام 1966م متقدمة عليه”..مؤكدة أنه “يتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية التي أعطت هامشاً واسعاً من الحرية لمنظمات المجتمع المدني, وبالذات الجمعيات التطوعية المنتشرة على نطاق واسع في المملكة, وبما أن هناك فجوة بين احتياجات المواطنين وبين ما تقدمه الحكومة, فإن هذه المنظمات تقوم بسد هذه الفجوة, ليمسي دعم هذه المنظمات أمرا ملّحا ولابد من منحها مساحة أكبر من الحرية بدلاً من اقرار قانون يبيح للحكومة التدخل في شؤونها”, وكان من جملة ما تحفظت نفاع على وروده في مشروع القانون “عدم اقرار نتائج أي اجتماع هيئة عامة أو هيئة ادارية مالم يوافق عليه الوزير”, لتتساءل أخيراً عن الصلاحيات المتبقية للهيئة العامة والادارية لتطوير عملها.
وأكد عاصم ربابعة مدير “مركز عدالة” على ضرورة كسب تأييد النواب ليتبنوا رؤية الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني, وقال إن هذا يتطلب أن يسلط الخطاب الضوء على النقاط الأساسية, بالإضافة الى الإشارة الى أن هذا القانون يضرب بعرض الحائط التزام الاردن بالاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان والخطاب المعلن من الحكومة الذي يؤكد ضرورة الاصلاح السياسي, ومن مقومات الاصلاح السياسي وجود قانون عصري ينظم عمل المنظمات ويعزز دورها.
واعتبر أمين سر جمعية عيبال الخيرية “قصي شاهين” أن مايستقى من القانون هو أن الحكومة مازالت تفكر بعقلية الوصي على الجمعيات, لو كان هذا غير صحيح فلماذا اقتصر دور الجمعيات في هذا القانون على مناقشته دون التشارك في وضعه منذ البداية..?”.
لكن مديرة مركز شركاء “رجاء الحياري” أشارت إلى أن القانون تم اقتباسه من قانون مقترح قدمته مؤسسات المجتمع المدني, إلا أن هذا القانون يمثل صورة مبتورة للأخير كما أضيفت له تفاصيل من شأنها تقييد الجمعيات.
وأشار ممثل جمعية المحامين المدافعين عن حقوق الانسان “حسين العتيبي” الى ضرورة الضغط لاحالة مناقشة القانون الى دورة عادية وعدم مناقشته في دورة استثنائية. اضافة إلى التأكيد على أن نصوص هذا القانون مخالفة للمعايير والمبادىء الدولية التي تعنى بحق تأسيس الجمعيات.
ويذكر أن القانون قد اشتمل على مواد العقوبات والغرامات استفزت ممثلي المنظمات الأهلية، الذين اعتبروا وجود قانون عقوبات يؤمن ضمانات كافية للدولة, واعتبارهم أن هذا القانون من شأنه تخويف الناس من الإلتزام بالعمل التطوعي.
في سياق الإلحاح على رفع سقف الحريات وتحقيق الإستقلالية لوسائل الإعلام، قال رمضان الرواشده مدير عام وكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا” خلال لقاء ضم عددا من رؤساء تحرير الصحف ومراسلي وكالات الأنباء، “إن الأنظمة والتشريعات التي تحكم عمل الوكالة تحول دون حصولها علىاستقلال مالي واداري ومهني ما يشكل بدوره أهم التهديدات التي تواجهها”، متسائلا عن”كيفية الارتقاء بالعمل الصحفي كما ونوعا في ظل هجرة كفاءاتها بسبب تدني الرواتب”في الوقت الذي يحول فيه النظام المالي في الوكالة دون القدرة على استقطاب منحومساعدات”.
وعلى خط نقيض، تواصل جهات رسمية، أو شبه رسمية، إثارة المطالبة بإعادة وزارة الإعلام، التي الغيت منذ قرابة العشر سنوات. يكشف عن ذلك، متبنا فكرة اعادة الوزارة، الدكتور فهد الفانط، رئيس مجلس ادارة صحيفة “الرأي” شبه الرسمية في مقال له يقول فيه “في لقاء حـواري ضم مجموعة من وزراء الإعلام السابقين والصحفيين، اتضح أن الرأي حولعودة وزارة الإعلام منقسم بالتساوي تقريباً بين مؤيدي ومعارضي الفكرة، وإن اتفقالجميع في الحيثيات، فالمعارضون لا يريدون عودة وزارة الإعلام باعتبارها أداة قمع وتدخل كما كان الحال في بعض الأوقات، والمؤيدون يطالبون بوزارة إعلام عصرية مسؤولة، تسوق وجهة نظر الحكومة، وتدافع عن سياسات الدولة من خلال الإعلام الرسمي، ولا تتدخل في إعلام القطاع الخاص الذي لا سلطان عليه إلا للقانون والقضاء”.
ثم يقرر الفانك “من حقالحكومة أن يكون لها اعلامها، فنحن نريد أن نفهم الرأي قبل أن يتشكل لدينا الرأيالآخر. ومن حقها أن تشرح وتبرر سياساتها وقراراتها، بقدر ما للإعلاميين حق مناقشةونقد تلك السياسات والقرارات، بل إن من مصلحة الإعلام الرسمي إفساح المجال للرأيالآخر، فالدولة تشمل الحكومة والمعارضة”.
ويتابع الفانك “إذا كانتوزارة الإعلام السابقة قد ألغيت لحساب الديمقراطية وحرية التعبير، فإن هذا الهدفلم يتحقق وربما تحقق عكسه. وبدلاً من وزارة إعلام واحدة مسؤولة، أصبح لدينا وزاراتإعلام موازية متعددة وغير مسؤولة، كل منها تعطي نفسها حق التدخل المباشر”. ويبدي أن “الحكومة تجد نفسها الآن أمام خيارات متناقضة، فهي على ما يبدوترغب في عودة وزارة الإعلام، ولكنها تخشى أن يحسب ذلك اعترافاً بأن قرار إلغاءالوزارة كان قراراً خاطئاً ومتسرعاً، وعودتها نكسة في حسابات الديمقراطية من وجهةنظر المراقب الخارجي”، ويرى أن “المطلوب حل توفيقي يعيد الوزارة بالفعل دون الإسم،ومن هنا جاء وزير الدولة لشؤون الإعلام، واتضح التضايق من مجالس إدارة شكليةلوكالة الأنباء والإذاعة والتلفزيون والمجلس الأعلى لا تقوم بأي عمل إعلاميحقيقي”.
والغريب أنه في وقت تطالب فيه مؤسسات المجتمع المدني برفع يد الحكومة عنها، ورفع سقف الحريات، تعمل الحكومة نفسها جاهدة لاستعادة صلاحياتها من جهات موازية..!
وقد اشتد نضال الحكومة في هذا الإتجاه في وقت اشتد فيه التجاذب بين أطراف عملية صنع القرار، وابداء سياسيين ورؤساء حكومات سابقون وأعيان ونواب أن المدخل الاساسي لتصويب الاختلالات العميقة في الوضع الداخلي هو العودة للدستور والتزام السلطات والمؤسسات بواجباتها من دون توغل او استئثار.
وتشير المصادر إلى أن المهندس نادر الذهبي رئيس الوزراء بات غير قادر على مواصلة اشراك غيره في اتخاذ القرار، في إشارة إلى الدكتور باسم عوض الله رئيس الديوان الملكي، أو تحمل النتائج المترتبة على قرارات “حكومة الظل” وتصرفاتها.
وينقل مقربون للذهبي عنه أنه بات بصدد استعادة الولاية على وزارة الخارجية، التي ظلت تغرد خارج السرب الحكومي.
وكشف مسؤول حكومي رفيع المستوى عن توجه لتوحيد مرجعيات الاعلام الرسمي وربطها بقناة حكومية واحدة في اطار خطة حكومية لإعادة ترتيب بيت الإعلام المشتت بين مرجعيات عدة.
ويرى الكاتب فهد خيطان أن “رحلة الذهبي لاستعادة الصلاحيات ما زالت طويلة، فقد نشأت في السنوات الأخيرة مؤسسات وهيئات موازية خارج سلطة الحكومة لا بد من اعادتها إلى بيت الطاعة، ووضعها تحت اشراف الوزارات المعنية، ووقف الإنفاق خارج الموازنة بكل اشكاله وكف يد موظفين عن التدخل في شؤون الوزارات وفرض القرارات على الوزراء، وهو أمر بات محل شكوى مسؤولين في الحكومة”.
ويضيف خيطان “بوجود حكومة مستعدة لتولي مهامها لم يعد من مبرر لمؤسسات في الظل تفعل ما تشاء بلا حسيب أو رقيب. نريد حكومة واحدة يحاسبها ويراقبها البرلمان والشعب، وليس حكومات هنا وهناك تضيع بينها المسؤوليات”.