محمد بن سعيد الفطيسي
لا زالت الولايات المتحدة الاميركية وبعد كل الجهود الملموسة التي بذلتها سلطنة عمان ولا زالت
محمد بن سعيد الفطيسي
لا زالت الولايات المتحدة الاميركية وبعد كل الجهود الملموسة التي بذلتها سلطنة عمان ولا زالت , بخصوص الحد مما يسمى في المصطلح القانوني الحديث ” بالتجارة بالبشر “, على إبقاءها على تلك اللائحة التي لن تزيد عن كونها مجرد قائمة شخصية تخمينية , تعبر عن وجهة نظر شخصية تجاه قضية إنسانية وأخلاقية دولية لا أكثر, وليس كونها شهادة لحسن او سوء سلوك معترف به تجاه تلك الدول او الأنظمة او الشعوب , – ونحن هنا – لسنا بصدد الدفاع او المرافعة عن سلوكيات او أخطاء معينة قد تنشأ في ظل ظروف او أوضاع سياسية او اقتصادية او اجتماعية , منها ما هو فردي او من خلال الثغرات في القانون الوضعي الإنساني , الذي لن يشهد له بالكمال في مطلق الأحوال والأمكنة , بالرغم من الجهود التي تبذل او قد تبذل في المستقبل القريب او البعيد , فالكمال لله وحده 0
أما الأمر الآخر والذي نريد توضيحه هنا , وذلك قبل الدخول الى تفاصيل بعض النقاط التي تؤكد بقدر النيات السليمة وما هو ملموس على ارض الواقع , أن سلطنة عمان كانت ولا زالت وستظل – إن شاء الله – من الدول التي تبذل قصارى جهدها للحيلولة دون نشوء مثل هذه الجرائم في حق الإنسانية على ارض السلطنة , والتي يحرمها الدين الإسلامي أولا , ومختلف القوانين المعمول بها في هذا الشأن , كما أننا – ولله الحمد – لم نصل بعد الى مرحلة الانحطاط الأخلاقي الجاهلي , الذي يجعل من أبناء هذا البلد العربي المسلم , يستسيغون استعباد الناس او استغلالهم عن قصد مهما كانت أجناسهم او ألوانهم او أشكالهم , وان كنا لا نستطيع أن نجزم عدم إمكانية حصول بعض التجاوزات والانتهاكات من بعض الأفراد او المؤسسات بين الحين والآخر , فذلك لا يعني أن يعمم الوضع ليصل الى مرحلة وضع بلد إسلامي عربي أصيل بأكمله على لائحة أميركية شخصية للمتاجرة بالبشر , فهي حالات فردية ، يقع أمثالها وأضعاف ذلك في كل دول العالم ، بما فيها الولايات المتحدة الاميركية نفسها , والتي تنتهك فيها حقوق الإنسان وحرياته بشكل كبير , وخصوصا الجاليات المسلمة والعربية وعلى وجه التحديد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر , تحت أعذار واهية ترضاها لنفسها وترفضها على الآخرين , كحفظ الأمن والنظام والاستقرار الوطني , وتحت شعارات كمكافحة الإرهاب وغيرها من المصطلحات والشعارات ذات المعايير المزدوجة 0
وان كانت تلك اللائحة لن تعني لنا الكثير , كون كل منا مدرك تمام الإدراك لوضع العمالة الوافدة , ومن في شاكلتها في هذا الوطن الغالي من الناحية الإنسانية او القانونية , وهو ما لن يؤثر – إن شاء الله- في سعينا وجهودنا لإتمام ما بذلناه من أفعال للحيلولة دون انجرار السلطنة او أبناءها الى ممارسة هذه الجرائم اللانسانية في حق كل من يدخل هذا البلد الآمن المستقر , وعليه فان النقاط التالية ستكون الرد الحقيقي على كل من قد تسول له نفسه توجيه أصابع الاتهام المباشر لهذا البلد الغالي بارتكاب مثل هذه الجرائم الأخلاقية المقيته , والتي نرفضها جميعا دون استثناء , كونها جرائم تنافي تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف , وعروبتنا وعاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا , والتوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه - المتكررة برفض كل ما من شانه التقليل من قيمة الإنسان وكرامته , او قد تسئ بشكل من الأشكال الى دينه او جنسه او لونه 0
وقبل الدخول الى تفاصيل تلك النقاط كان من الضرورة الإحاطة أولا بالتعريف القانوني الدولي الخاص بالمتاجرة بالبشر, والصادر عن الأمم المتحدة بشان منع وحظر ومعاقبة الأشخاص الذين يتاجرون بالبشر , والذي يُعرف تلك الجريمة بأنها :- الفعل القائم على تجنيد ونقل وإيواء أو استقبال الأشخاص من خلال وسائل التهديد أواستخدام القوة ، أو غيرها من أساليب الإكراه والاختطاف والتزوير والخداع وسوءاستخدام السلطة أو استغلال موقف ضعف أو إعطاء أو تسلم دفعات مالية أو خدمات للحصول على موافقة الشخص، على أن يسيطر عليه شخص آخر من اجل استغلاله , ويتضمن الاستغلال في حدهالأدنى استغلال الأشخاص للعمل في البغاء ، أو أي أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي ، أو الإكراه على العمل أو الخدمات العبودية ، أو ممارسات مشابهة للعبودية , كالأشغالالشاقة الإجبارية أو إزالة الأعضاء0
وانطلاقا من ذلك التعريف , فإننا نلاحظ فضاعت تلك التصرفات المشينة بحق الإنسانية , والتي قد تنشا في ظل ظروف معينة بهدف استغلال البشر واسترقاقهم , وهي بالطبع تصرفات مشينة ومستهجنة لا يمكن استساغتها او السكوت عليها , وبشكل خاص فان القوانين المعمول بها في سلطنة عمان بهذا الشأن , تكفل ضمان تنفيذ وسائل حماية حقوق الإنسان في العمل , بل أن الجهود التي تبذل في هذا الجانب لم تكن تقف على الإطلاق عند حد إصدار القرارات والأنظمة , بل كان يستتبع ذلك إصرار كبير على تنفيذ تلك الجهود بشكل متواصل حتى تتحقق فاعلية تلك القرارات والتوصيات 0
والدليل على ذلك وجود عدد كبير من القوانين والأنظمة المنظمة لتلك الحقوق كقانون العمل العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 35 / 2003 وقانون تعويض إصابات العمل والأمراض المهنية , وقوانين النقابات العمالية , وحتى قانون الجزاء العماني الذي يمنع استعباد البشر واسترققهم بحسب ما جاء في المواد رقم ( 260 و 261 ) والخاصة بالجرائم المرتكبة ضد الحريات الشخصية , كذلك فان النظام الأساسي للدولة والصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101 / 96 يعطي لكل أجنبي موجود على ارض السلطنة بصفة قانونية الحماية الشخصية على نفسه وأملاكه طبقا للقانون ( المادة 35 ) , وبالطبع فنحن بانتظار القانون العماني الخاص بجرائم المتاجرة بالبشر , وغيرها الكثير من القوانين الخاصة والعامة , والتي كفلت للمقيم على ارض هذا البلد المسلم حقوقه الإنسانية والمدنية بقدر قدرة الإنسان على الإحاطة بتصرفات البشر وأفكارهم ونواياهم , والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا , ويوجه لمن وضع تلك القائمة , هو أين يكمن نشؤ هذا الوضع في ظل تلك القوانين المعمول بها في سلطنة عمان ؟ 0
هذا من جهة , أما من جهة أخرى , وبشكل عام , فان هذا البلد المسلم العربي – ولله الحمد – , قد استطاع بفضل لله وبجهود المخلصين والشرفاء من أبناءه , وعلى رأسهم الإنسان والأب والقائد , حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – من أن يصل بهذا الوطن الغالي من الناحيتين الإنسانية والمدنية الى أرقى مدارج التقدم والبناء والمدنية , وهنا لن نلجأ للاستدلال على ذلك بما هو واقع وملموس من جهود في هذا الشأن وغيره على ارض الواقع , بل سنترك للتقارير الدولية والشهادات العالمية التي حصلت عليها السلطنة بخصوص تلك الجهود سالفة الذكر , حيث أظهرت دراسة قامت بها مؤسسة غلوبال بيس انديكس ” مؤشر السلام العالمي ” والتي أشرفت عليها الايكونوميست انتليجنس يونت التابعة لمجلة الـ” ايكونوميست البريطانية , بان سلطنة عمان تعتبر من أفضل الدول العربية وأكثرها أمنا , والـ 22 على المستوى الدولي , بينما حلت الولايات المتحدة الاميركية في المرتبة الـ 96 , كذلك صنفت السلطنة ضمن أفضل 20 دولة تتمتع بالحرية الاقتصادية على مستوى العالم وذلك ضمن التقرير السنوي للحرية الاقتصادية في العالم الصادر عن معهد فريزر للبحوث في كندا بالتعاون مع مؤسسات مستقلة للبحوث في 71 دولة حول العالم ومن ضمنها مؤسسة البحوث الدولية في السلطنة , وغيرها الكثير من التقارير والشهادات العالمية التي تشهد للسلطنة وأبناءها بما هم أهل له 0
والغريب في أمر التقرير الاميركي الأخير عن الاتجار بالبشر , والذي تصر الولايات المتحدة الاميركية على إبقاء السلطنة من ضمن قائمته , انه يأتي في وقت يناقض فيه عدد كبير من التصريحات وردود الأفعال والأقوال الايجابية الاميركية نفسها بحق السلطنة وقوانينها , والسؤال المطروح هنا , هو لماذا صوت مجلس الشيوخ الاميركي بأغلبية 62 عضو بتاريخ 19 / سبتمبر / 2006 م , على اتفاقية التجارة الحرة بينها وسلطنة عمان إذا ما كانت تنظر إليها على أنها تقع ضمن منظومة الدول المتاجرة بالبشر , رغم أن هذه المسالة كانت على رأس المناقشات الدائرة في مجلس الشيوخ الاميركي في ذلك الوقت , وقد رفضت شكلا وتفصيلا من قبل الأعضاء , حيث دحض زعماء جمهوريون في مجلس الشيوخ حجج الديمقراطيين بخصوص مسائل حقوق العمال وقالوا إن مرسوما ملكيا أصدرته حكومة مسقط في تموز/يوليو قد دعا الى إصلاح قانون العمالة العماني، وإدخال تغييرات على المفاوضات الجماعية، وحظر فصل العمال بسبب ممارسة نشاطات نقابية ، كما أنها تكفل حق الإضراب عن العمل ، ورفع الغرامات على مخالفة قانون عمالة الأطفال , وفي هذا السياق صرحت الممثلة التجارية للولايات المتحدة سوزان شواب في هذه المناسبة بقولها: “سرّني أن مجلس الشيوخ أفسح المجال أمام الرئيس كي يوقع على اتفاقية التجارة الحرّة الهامة هذه. فالاتفاقية تدفع إلى الأمام رؤية الرئيس الخاصة بالتكامل الاقتصادي والتنمية في الشرق الأوسط ، إلى جانب المشاركة في مجتمع الدول التجارية المسالمة , وهي اتفاقية واعدة جدا لشعبي عُمان والولايات المتحدة.” ,( انظر – نشرة واشنطن الصادرة عن مكتب الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية الاميركية , بتاريخ 20 / سبتمبر / 2006 م ) 0
هذا بالإضافة الى العديد من التقارير الدولية والأميركية نفسها التي يمكن الاستناد عليها كأدلة وبراهين تناقض التقرير السابق وتدحضه بكل قوة , كتقرير مكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة , وتقرير وزارة الخارجية الاميركية نفسه في كثير من بنوده والخاص بحقوق الإنسان في سلطنة عمان للعام2007م , وتقرير حرية ممارسة الشعائر الدينية في سلطنة عمان , وهو جزء من تقرير الحرية الدينية للعام 2007 م , والصادر عن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بالولايات المتحدة الاميركية , حيث تشير تلك التقارير وغيرها الكثير , الى العديد من البنود والإشارات الايجابية في هذا الجانب , والتي تكشف التناقض الواضح ما بين ذلك التقرير التخميني للاتجار بالبشر بحق السلطنة , وما بين ما هي حقائق وأدلة وبراهين على ارض الواقع في هذا الخصوص 0
وختاما نتساءل هنا , أين الولايات المتحدة الاميركية وتقاريرها السنوية الخاصة بحقوق الإنسان وكرامته من إجرام المستعمرة الإسرائيلية الكبرى في فلسطين ولبنان والعراق , وفي قضايا لا تقل أهمية وشان من قضية الاتجار بالبشر , كالإرهاب والقرصنة واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا , وغيرها الكثير من أشكال الإرهاب والإجرام الدولي , رغم أنها على علم بان إسرائيل تقع على رأس الأنظمة العالمية الإرهابية المتاجرة بالبشر وخصوصا الرقيق الأبيض في نفس تقريرها السابق ؟ كما يظهر نفس التقرير للعام 2006م بان في إسرائيل ما يقارب 16-20 ألف عامل أجنبي في ظروف عمل لا يمكن وصفها إلابالعبودية! , كما يشير التقرير إلى عدم وجود نظام في إسرائيل يفصل بين مهاجرين غير قانونيين،وبين ضحايا ” تجارةالعبيد”. وأن إسرائيل لم تنفذ ما فرض عليها في السنة الماضية، حيث لم تقوم بإعدادملاجئ لضحايا التجارة “العبيد” فيها، ولم تقن بسن قوانين واضحة تؤكد على أن الاتجار بالبشر هو غير قانوني , فأين الولايات المتحدة الاميركية من كل ذلك ؟0
الأستاذ / محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
سلطنة عمان