لا يُعرف ما إذا كان الأمر محض صدفة، أم خطأ مقصودا أو غير مقصود، أو رسالة للبنان أو للسعودية؟ ولكن ما حدث في ملعب فهد الدولي بالرياض، في ظرف يشهد توترا بين شقيقة لبنان “الأقدم” سوريا، وشقيقته “الأحدث” السعودية، يجعل من استبدال نشيد السلام الوطني اللبناني بالسوري، قبل مباراة دولية، حمّال أوجه.
فقبل مباراة الجولة الرابعة من تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2010، السبت، وعلى ملعب فهد بالرياض، اصطف لاعبو منتخبي السعودية ولبنان استعداد للاستماع للسلام الوطني لكلا البلدين، مثلما هو معمول به في الأحداث الرياضية.
وكما تقتضي المراسم، تمّ البدء بعزف النشيد الوطني اللبناني، لكن الحضور فوجئوا بعزف نشيد السلام الوطني السوري، مما أثار موجة استنكار وغضب وتصفير من العدد القليل من اللبنانيين الذين تقدمهم سفير بيروت لدى الرياض، ليتمّ قطع النشيد على الفور.
كما أثار الحادث حنق المسؤولين السعوديين الذين تسبب لهم الأمر في حرج بالغ، وهو ما ترجمه الأحد، قرار رئيس هيئة الشباب والرياضة (وزير الشباب والرياضة) السعودي بفتح تحقيق لتحديد المسؤوليات والأسباب، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السعودية.
وبطبيعة الحال، أثار الحادث الكثير من التعليقات على مواقع الانترنت والمنتديات، فمنها من اعتبر الحادث مقصودا “لتوتير” اللاعبين اللبنانيين، رغم أنّ ذلك من المستبعد جدا بالنظر لانعدام حافز الفوز لديهم.
غير أنّ هناك من اعتبر الحادث مقصودا، “لتوتير” العلاقات بين الرياض وبيروت، واتهم متدخلون على المنتديات الإلكترونية “عاملا سوريا، ربما يكون مدسوسا”، أراد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
ويذكر أنّ العلاقات بين لبنان وسوريا تمرّ بفترة سيئة للغاية منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
كما أنّ العلاقات بين دمشق والرياض تعيش بدورها فترة سيئة بسبب الملف اللبناني.
وزاد من حدة الأزمة تصريحات متبادلة بين المسؤولين السعوديين والسوريين، فضلا عمّا تعتبره دمشق “استهدافا” للجالية السورية في المملكة العربية السعودية.
لكن غالبية العاملين في ملعب فهد الدولي سعوديون ولا يقتصر عمل الأجانب فيه سوى على أعمال النظافة التي يقوم بها عمّال هنود وباكستانيون، وهو ما يجعل من أمر “دسّ سوري” في الملعب، أمرا مستبعدا.
مدير الملعب سلمان النمشان، أعاد ما حدث إلى خطأ فني غير مقصود.
وقال في تصريحات نقلتها قناة “العربية” التي تبثّ من دبي، وهي مملوكة في غالبيتها للسعودية، ويساهم في تمويلها زعيم تيار المستقبل في لبنان سعد الحريري، إنّ “ما حدث ليس سوى خطأ من موظف الصوتيات، كما سيتم التحقيق في الأمر لمعرفة خلفيات الخطأ.
وأضاف:” “هو خطأ غير مقصود، واللجنة تم تشكيلها من الرئيس العام لرعاية الشباب ، وأنا بانتظار معرفة ما سيحدث.”
ويذكر أنّ المباراة السابقة التي أقيمت على نفس الملعب جمعت أيضا منتخبي السعودية ولبنان، ولم تشهد أي حادث مشابه.
وفي السنوات الأخيرة، بات عزف النشيد الوطني قبل مباريات كرة القدم، مدعاة لحوادث تثير إشكالات دبلوماسية بين الدول.
حادثة مماثلة بين الجزائر والمغرب
وآخر تلك الأحداث جرى في مباراة بين منتخبي الجزائر والمغرب ضمن تصفيات كأس أمم أفريقيا للاعبين المحليين، حيث أدى ما وصفته السلطات الجزائرية إنه “حادث” كهربائي، إلى قطع النشيد الوطني المغربي، مما اعتبرته الرباط بمثابة “الاعتداء على رمز سيادي.”
واحتجت وزارة الخارجية المغربية على السلطات الجزائرية بسبب عدم إتمام نشيدها الوطني خلال المباراة، التي دارت على ملعب القليعة بضواحي العاصمة الجزائرية.
وطالبت الوزارة في بيان لها، السلطات الجزائرية بـ “تقديم تفسيرات واضحة لما وقع، وتوضيح دواعي قطع النشيد الوطني المغربي، وعدم إتمامه، الشيء الذي خلف استياء لدى الجمهور المغربي الذي كان يتابع المباراة.”
وأضاف البيان أن قطع النشيد يعتبر تصرفا “يمس بمشاعر المغاربة.”
وعبّر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حينها عن “امتعاضه” للحادث، وأمر بفتح تحقيق لتحديد المسؤوليات.
وأخرى في دبي بمناسبة فوز العراق
وكاد خطأ “غير مقصود” يُفسد الحفل الذي قرر الشيخ محمد بن راشد المكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، إقامته لتكريم المنتخب العراقي لكرة القدم، بعد فوزه ببطولة كأس الأمم الآسيوية، العام الماضي.
وشهد الحفل إقبالاً كبيرأً من أبناء الجالية العراقية المقيمة في الإمارات، الذين حرصوا على المشاركة بتكريم منتخب بلادهم، إلا أن بعضهم هم بالخروج من قاعة الاحتفال، احتجاجاً على عزف النشيد الوطني القديم، الذي كان يتغنى به العراقيون، في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.
ولكن المسؤولين الإماراتيين، الذين شهدوا الاحتفال، هموا بتدارك هذا “الخطأ غير المقصود”، مؤكدين أنه خطأ المشرف على الإذاعة الداخلية بالنادي الأهلي، الذي استضاف الاحتفال بتكريم “أسود الرافدين.”
وقال مسؤول عراقي وقتها: “لقد تألمنا كثيراً لأننا كنا فرحين، ونحن نمثل العرب، والتكريم تكريم لمبدعين عرب قبل أن يكونوا عراقيين، لكننا تألمنا بشدة وبمرارة بسبب هذا الخطأ، خصوصاً ونحن في بلد معروف بتنظيمه العالي وإجراءاته المنظمة.”
بلاتر مع إلغاء عزف الأناشيد الوطنية
وكان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، سيب بلاتر، قد أعرب عدة مرات عن رغبته في إلغاء عزف النشيد الوطني قبل إجراء المباريات الدولية، لتفادي شغب الجمهور.
وتزايدت رغبة بلاتر بعد حضوره عام 2004 نهائيات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم في تونس، حيث كان الجمهور التونسي يصفّر عند عزف الأناشيد الوطنية للمنتخبات المنافسة.
وعام 2005، وفي مباراة دولية بين سويسرا وتركيا، صفّر الجمهور التركي طويلا ضدّ النشيد السويسري، مما أثار استياء عميقا لدى المسؤولين السويسريين.
ووصف بلاتر، وهو سويسري، الصفير الذي رافق نشيد سويسرا الوطني قبل المباراة مع تركيا بأنه “تصرف غير لائق ويهين الكرامة الوطنية.”
وكان النشيد الوطني التركي قد تعرض أيضا لصفير الاستنكار خلال مباراة الذهاب التي جرت في برن بسويسرا، وقال الاتراك إن بلاتر التزم وقتها الصمت.