في الوقت الذي يزيد فيه الانفتاح في العالم ، ويزيد ذلك من التحضر وانتقال المعرفة وتقريب وجهات النظر، وتقريب الناس من بعضها البعض من خلال الشبكة العنكبوتية التي أصبحت البنية التحتية لتطور أي دولة أو مجتمع يبتغي التطور والنمو في كافة المجالات ويشارك باقي الأمم انجازاتها الحضارية .. تقوم حكومة حماس في غزة بالسيطرة على الشبكة ، أو ما اصطلح على تسميته عملية الفلترة لهذه الشبكة المجنونة أو الزنديقة .! بحجة السيطرة على المواقع الإباحية كما يدعون ..؟ ويبدو أن الأمر جاء في صالح شركة الاتصالات التي تبيع المواطنين والمؤسسات هذه الخدمة ؛ لأن ذلك سيزيد من الاستهلاك الزمني للمواطنين لهذه الخدمة وبالتالي سيزيد من مردود الشركة المالي ، لأن ” الفلترة ” بدأت منذ شهر تقريبا ، وبدأت معها معاناة المستخدمين لهذه الخدمة .. لأن عملية التصفح وفتح المواقع باتت شبه مستحيلة في غالب الأحيان ؛ إلا أنها قد تفتح في بعض الأوقات إن كنت صاحب حظ ..! يا سلام ! يا حكومة حماس .. ألا يكفي الناس معاناتها وعذاباتها في شتى المجالات لتكملي على المتنفس الوحيد الذي يساهم في التخفيف من الأزمات النفسية والاضطرابات التي يعاني منها أهل غزة ؟ ألا يكفي الناس زنانات العدو ( الزنانات مصطلح أطلقه الغزاويون على طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي لا تفارق أجواء قطاع غزة ، وبالتالي تعمل على تشويش كامل لمحطات التلفزيون والراديو ) فأصبح المواطن الذي يعيش في غزة معزولا عن باقي سكان الكوكب الأرضي .. فألجأ أنا مثلا إلى مشاهدة بعض الفضائيات من خلال شبكة النت وهذا يرجع لبعض الفضائيات التي تبث من خلال الشبكة العنكبوتية .. كيف يمكننا التواصل مع أبنائنا وأهلنا في الخارج بعد أن أصبحت الشبكة الوسيلة الأسهل والأقل تكلفة والأفضل جودة إذ يمكنك التحدث والمشاهدة الحية لمن تتحدث معه ، وكذلك يمكنك المخاطبة كتابيا ، ويمكنك إرسال ما تشاء من وثائق أو معلومات بسرعة قياسية .. هناك العديد من الطلبة والأكاديميين يتواصلون مع جامعاتهم وأساتذتهم عبر الشبكة العنكبوتية ، كذلك هناك الكثير من الكتاب والأدباء ومراسلي الصحف يتواصلون عبر الشبكة ، وحتى أبنائنا التلاميذ في المراحل المختلفة صارت مواضيع البحث عبر الشبكة متطلب أساسي في كثير من المواد الدراسية .. وأعتقد أن الكثير من البيانات والمعاملات التجارية والبنكية وغيرها تتم عبر الشبكة أيضا .. فما الضير من استخدامها يا أمراء حماس وعلمائها ..؟! إن إقدام حماس على هذه الخطوة بحجة حجب المواقع الإباحية ليس إلا قميص عثمان لتحقيق أهداف أخرى من بينها مراقبة المواطنين في استخدامهم لكافة المواقع وخاصة الإخبارية والمنتديات .. وذلك للحد من حملة الانتقادات الكبيرة المنشورة عبر الشبكة ضد حكومة حماس وتصرفات عناصرها في غزة .. التي باتت حديث الجميع خاصة ما تعرض له المواطنون من معاناة وقسوة مؤلمة وظلم فادح في توزيع كميات الوقود ، وبالتحديد غاز الطبخ الذي مس كافة شرائح المجتمع ، وما ظهر من فساد ومحسوبيات لعناصر حركة حماس ومؤيديها … إن ما تريده حماس من مراقبة الشبكة هو عدم تأثيرها في الرأي العام وما قد ينجم عن ذلك من حراك مثلما حدث في مصر مؤخرا من اضطرابات وإضرابات وما سمي بثورة الخبز ، وما تأكد أن الشبكة العنكبوتية كان لها الدور الرئيسي في ذلك .. يؤكد ذلك أن مستخدم الشبكة يتعرض لحجب كلي لكافة المواقع أو يبطئ في كافة المواقع ؛ إذن هذه هي الفلترة ؟ أم أن المقصود هو التخفيف أو الحد من استخدام الشبكة .. ولو لفترة زمنية قد تقصر أو تطول لأن هذا يعني توقف لمئات من ألوف الناس وربما ملايين إذا ما احتسبنا من له مصلحة لمعرفة ما يدور في غزة .. ؟ إذن المسألة ليست المواقع الإباحية كما يدعون ، لأن هذه المواقع موجودة في كل بيت عبر الفضائيات الأكثر انتشارا والأسهل استخداما من مستخدمي الإنترنت ، فكيف إذن يستطيعون فلتره الفضائيات ؟؟ الجميع يعرف أن هذه القضية تعتبر تربوية بالدرجة الأولى ؛ فاستخدام التربية الصحيحة أكثر جدوى من أساليب القمع التي قد تزيد من تفاقم المشكلة إن كان هناك مشكلة تربوية …! السؤال المهم والذي يطرح نفسه هو : ما مدى قانونية ما تقوم به حماس ؟ أو ما تقوم به شركة الاتصالات بحق المواطنين ؟ ولا نعرف إن كان القانون قد عالج هذه القضية التي لم تكن ظاهرة في السابق .. ولا نعرف ما هي الاتفاقية التي تمت بين الشركة والحكومة سواء الحكومة السابقة ، أم الحكومة الانقلابية في غزة ؟ لماذا لا تحتج الشركة على هذه التصرفات ؟ ولماذا لم تطلع المواطنين على ما يجري ويدور ؟ لماذا دائما يدفع المواطن ثمن التواطؤ المبني على المصالح الضيقة سواء من الشركة ، أم من السلطة الحاكمة ؟ نعتقد أننا بحاجة ماسة إلى نقابة ، أو منظمة تستطيع تحقيق التوازن بين المنتفعين من الشبكة ومزوديها ، وكذلك المراقبين لها أو الحكومة التي لا تثمن حتى الآن جدوى تقديم هذه الخدمة لكل الناس بأقل تكلفة ممكنة وأفضل جودة متوفرة … وهل يمكن لهذه التجربة أن تنقل المنتفعين من الشبكة أن لا يقوموا بتسديد المستحقات المترتبة عليهم لأنهم لم يتلقوا الخدمة التي كانت في السابق أو أجود منها …؟ الأحد 8 حزيران 2008
عــبد الكـــريم عليــان [email protected]