توقعت دراسة تحليلية عودة أسعار النفط خلال الفترة المقبلة إلى التراجع بقوة نحو مستوى 50 دولاراً تحت تأثير قواعد عمل السوق والعرض والطلب، مشيرة إلى “سوابق تاريخية” قفزت خلالها أسعار بعض الخامات إلى درجات قياسية قبل أن تعود للتراجع. ولفتت الدارسة التي أعدها مدير تحرير مجلة “فورتشن” الأمريكية، شون تيلي، إلى أن استمرار ارتفاع أسعار النفط سيقود تدريجياً إلى العثور على موارد جديدة للطاقة من جهة، وسيدفع إلى تبديل أساليب الاستهلاك من جهة أخرى، الأمر الذي يعيد التوازن إلى الأسواق والأسعار.
وذكّر تيلي بما شهدته الأسواق العالمية في السابق عندما ظهرت “فقاعة” الإنترنت، ومن ثم البيوت والعقارات في الولايات المتحدة والغرب، والتي انتهت بانهيار أعاد أسعار أسهم شركات التكنولوجيا والمنازل إلى مستويات متدنية.
واعتبر بالتالي أن قواعد عمل السوق تشير إلى أن السؤال الذي يجب طرحه هو “متى ستتراجع الأسعار” وليس “هل ستتراجع الأسعار.”
واستعرض تيلي أوضاع أسعار النفط الحالية، والتي ارتفعت بتأثير الطلب المتزايد بالصين والهند والشرق الأوسط ووجود بعض المخزون النفطي العالمي بين أيدي الحكومات، مثل روسيا وفنزويلا، الأمر الذي يرتب مصاعب إنتاجية.
غير أنه لفت إلى أن هذه المعطيات لم تنجح في تأسيس منصة جديدة للأسعار، بل انعكست اضطراباً واسعاً في الأسواق، خاصة وأن قانون “توازن العرض” يجبر الدول التي تنتج النفط بتكلفة لا تتجاوز أربعة دولارات (كدول الخليج) على طرحه بأسعار لا يمكن أن تقل عمّا تطرحه دول تنتج البرميل بأربعين أو خمسين دولاراً (مثل أمريكا.)”
وأعاد تيلي إلى الذاكرة بعض الظواهر الاقتصادية المماثلة التي عرفها التاريخ الغربي القريب، كارتفاع أسعار المنازل في الولايات المتحدة خلال 2002 و2003 بسبب اشتداد الطلب، وعدم قدرة العرض على مجاراته.
وقال إن ذلك دفع الأسعار إلى مستويات جنونية لا تتوافق والتكلفة الفعلية، قبل أن تندفع المزيد من الشركات إلى قطاع البناء لاستغلال هذا الارتفاع، الأمر الذي زاد المعروض من المنازل بشدة، في وقت كان خلاله العديد من الأشخاص قد تخلوا عن فكرة شراء منزل بسبب التكلفة الباهظة، وقاد ذلك إلى خفض سريع للأسعار، كان أشبه بـ”انفجار فقاعة.”
وعرض تيلي أوضاع النفط في الصين والهند والشرق والأوسط، مشيراً إلى أن تلك المناطق ما تزال تدعم أسعار الوقود على أراضيها، الأمر الذي يزيد الطلب فيها ويضاعف من الأسعار دولياً.
وأشار إلى أن هذا الارتفاع الكبير سيزيد رغبة الدول المنتجة للنفط في زيادة الإنتاج بهدف الحصول على المزيد من المكاسب جراء المستويات القياسية الحالية للأسعار.
وقد بدأ هذا الأمر بالفعل يدفع شركات عالمية إلى الاستثمار في الوقود الحيوي وإنتاج النفط من الصخور أو الرمال النفطية الموجودة بكثرة في الغرب، وتطوير تكنولوجيا استخراجه أيضاً من الفحم، وذلك بتكلفة 70 دولاراً للبرميل، أي بهامش ربح كبير وفقا الأسعار الحالية.
وشبّه تيلي ما يحدث على مستوى النفط في هذا الإطار بما حدث عام 1980، عندما قفزت أسعار الفضة من 10 إلى 50 دولاراً بحجة وجود “نقص في العرض،” فاندفع الغربيون إلى بيع آنية المنازل الفضية، الأمر الذي كدس كميات كبيرة من المعدن النفيس، أعادته إلى مستويات السابقة.
كما قارن بين ما حدث أواسط العقد الثامن من القرن الماضي، عندما قفزت أسعار النفط إلى 40 دولاراً، فدفع ذلك العالم إلى الإحجام عن استخدام المادة بسبب تكلفتها، فتراجعت إلى مستوى 15 دولاراً للبرميل طوال عقدين متتاليين.
ورفض تيلي تحديد موعد التراجع المرتقب في أسعار النفط الحالية، غير أنه لفت إلى أن تواصل الارتفاع يقرّب الموعد لأنه يزيد شهية المنتجين، متوقعاً انهياراً سعرياً يعيد النفط إلى ما دون مستوى 50 دولاراً.