يبدو أن الحرب الوسيلة التي تصر عليها إسرائيل بفعل عوامل القوة التي تحكم سياستها في وجهة أي قوة متنامية خارج إطار منظومة القوة التي حددتها الولايات المتحدة نظرا لأن الطبيعة الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية للمنطقة تفرض منطق الحرب والقوة في تسوية الخلافات والمشاكل القائمة في المنطقة .
وفي اعتقادي أن قانون حتمية الحرب في المنطقة تكمن ورائه عددا من الافتراضات أهمها أن إسرائيل كدولة تنتمي إلي منطقة جغرافية غير منطقتها وتقع خارج حسابات المصلحة الوطنية بمعني عدم إطلاق التلاقي والتوافق وأما أن تلفض الجغرافية السياسة وإما أن تخضع السياسة والقوة وبالتالي لا يجوز من هذا المنظور السماح لأي دولة أو حركة أن تتجاوز حدود القوة المرسومة لها ومن ثم لا بد من وسيلة لاحتوائها أو إجهاضها والأمثلة كثيرة العراق نموذجا والحديث الآن عن إيران وسوريا والافتراض الثاني أن هذه المنطقة وبحكم خصائص القوة التي تمتلكها يفترض أن تصب وتعمل لصالح ميزان القوة التي تتحكم فيه الولايات المتحدة وبالتي أمام دول المنطقة خيارات محدودة إما الخروج عن الضغوطات الأمريكية والعمل وفقا للمصلحة الوطنية وإما أن تتجاوب مع الولايات المتحدة للخريطة السياسية للمنطقة برمتها وفي هذا السياق يأتي الحديث عن الشرق الأوسط الجديد الذي يعيد صياغة المنطقة سياسيا بما يسمح لإسرائيل أن تكون الدولة الرائدة والمتحكمة في مساراتها السياسية أما الافتراض الثالث فهو أن الاعتبارات الجغرافية والاقتصادية والإستراتيجية للمنطقة تفرض قانون حتمية الحرب .
والسؤال هنا ما الذي حدث وسيحدث في المنطقة
بعيدا عن الاعتبارات المذهبية والدينية والتاريخية فالمشهد السياسي الذي بدأ يتبلور بات يشكل تهديدا لميزان القوة الذي وضعته الولايات المتحدة إيران من ناحية دولة إقليمية وطموحات نووية تتجاوز مصالحها حدودها والعراق بوزن القوة الشيعية فيه ولبنان بتنامي حزب الله كحركة سياسية عسكرية إلي جانب سوريا بنظامها السياسي المتحالف مع إيران هذا المشهد الذي يحدث في منطقة ذات معطيات مهمة جدا في موازين القوة وهي منطقة الخليج بوزنها ألإقتصادي والسياسي هذا المشهد إذا ما إتيحت له فرصة النماء سوف تشكل تحولا في موازين القوة من منظور أمريكي
ولعل الذي أضاف بعدا هاما في هذا المشهد أن يحدث في بيئة تحكم دولها مصالح قد لا تلتقي مع مصالح دول أخرى هذا المشهد بشكل أو بأخر وهو ما سينعكس سلبا علي دول المنطقة والخريطة السياسية للمنطقة كلها.
ولعل ما يفسر لنا قانون حتمية الحرب التي شاهدنا بعض فصولها ما يعرف بمشكلة الأمن باعتبارها محددا للسلوك السياسي للدول وفي ظل نظام عالمي تحكمة اعتبارات القوة لسعي الدول لحماية أمنها وزيادة قوتها هذا المحدد السياسي ما زال يحكم العلاقات بين الدول فلا يمكن لدولة في هذا النظام أن تعتمد علي نوايا الدول الأخرى بتعهد بعدم التسلح فالمسألة ببساطة ماذا لو تعهدت كل دولة بوقف تسلحها لسقطت مشكلة الأمن وماذا لو وافقت الولايات المتحدة وإسرائيل علي السلام العادل الذي يعيد توازن الحقوق في المنطقة وماذا لو وافقت إسرائيل علي استعادة الأراضي التي تحتلها وإطلاق سراح الأسري الإجابة ببساطة تجنب الحرب هذا مجرد تصور خيالي في منطقة تحكمها إرادات متصارعة ومصالح متناقضة وصراع دائم علي مصادر القوة ببساطة من منظور أمريكي إسرائيلي أن يبقي ميزان القوة الذي يحكم دول المنطقة يعمل لصالح الطرف الأول وبالتالي أن يسمح لدول المنطقة أن تنعم بثرواتها دون أن تتحول هذه المصادر إلي قوة حقيقية في يديها لذلك لا بد من ضرب أي محاولة لبناء القوة من قبل دول المنطقة وأخيرا المشكلة تكمن في الثقة والاستمرار في التعاون والإلتزام المتبادل ومعالجة قضايا المنطقة من منظور الحقوق التي تتمتع بها المنطقة في استثمار قدراتها بعيدا عن منهج القوة الذي تمارسة الولايات المتحدة في التعامل مع دول المنطقة فمن حق دول المنطقة أن تمتلك مصادر القوة وأن تعيد بناء نفسها علي أسس من الحداثة والتطور . وفى هذا السياق فإن المنطقة تتجه نحو حري إقليمية حاسمه ، إما أن تعيد التوازن للمنطقة وإما أن تدخل المنطقة إلى سياسة جديده من المحاور والأحلاف وإلى مزيد من الإستقطاب السياسى ، وما تشهده لبنان اليوم هو نموذج لما قد يحدث فى المنطقة من تحولات ، فى مجرد منطقة إختبار للقوة ، وعليه قد تكون بداية لما يدعم الخيار العسكرى ، وإما التوجه نحو سياسة الصفقات الشامله وإعادة توزيع ألأدوار ، وإن سيظل الخيار العسكرى هو ألأكثر إحتمالا. وفى هذه المعادله الخاسر ألكبر هو ألأمن القومى العربى والقضية الفلسطينية فى جوهرها .
إنها مشكلة التعامل مع القوة وليس من منظور الحقوق المتبادلة ولذلك المشكلة تكمن في مدى قدرة الولايات المتحدة التعامل مع هذه المعادلة معادلة القوة والحقوق بعيدا عن لعب دور الحكم والحصم فى المنطقة.
الدكتور/ ناجي شراب أستاذ العلوم السياسية غزة