كتب/ رداد السلامي
لست بصدد مناقشة ما يمكن اعتباره تاريخا قديما ،ذلك أن الإحالة
كتب/ رداد السلامي
لست بصدد مناقشة ما يمكن اعتباره تاريخا قديما ،ذلك أن الإحالة إلى التاريخ نوع من المغامرة التي تحتاج إلى بحث عميق ،فالتاريخ لا يستعاد عبر مضامين حديثه فقط لكنه يتشكل أيضا حسب أوعية العقل الذي يكون وعيا حقيقيا به ويضرب عميقا في الجذور كي يتمكن من تجاوز ما يعرقل وبجزيء ويحيل إلى لغة الحسم بالقوة والاستعلاء، هذا الوعي لايمكن أن يوجد هكذا مصادفة أو مجرد تخمين، ولكنه يوجد بعد تأمل ودراسة عميقين لأخذ العبرة من التاريخ ، ويمنح استنتاجا جديدا وقراءة خصبة تنتج من خلالها رؤى مستقبلية خلاقة موحدة هدفها الإصلاح الشامل القائم على معيار وطني عادل وتعمل على تجاوز أسباب التفكك والانتكاسة وخيار الحروب مرة أخرى.
لقد كان الكاتب المخضرم أحمد الصوفي في تحليله التاريخي لمستجدات الحاضر موفقا في سلسة تحليلاته المنشورة في صحيفة الشارع المقال الثاني “كيف يمكن تجاوز أسباب انفراط عقد التوحد السياسي ” من أربعة مقالات عنوانها الرئيسي “صدام الآفات الـ6 مصدر الدوار التاريخي والشيخوخة المبكرة 2/4”
وهو يبحث في الماضي “آفات الحس السبئي،آفات غياب ثقافة التوحد” كشف الصوفي أصول التفكير الاستحواذي القديم للنظام الراهن وجذوره وسلوكه في التعامل مع الوطن ومختلف جهاته ومكوناته ،العقلية القديمة التي تمارس ماضيها من خلال أطر ومفاهيم حديثه تغطي من خلالها تفكيرها ونفسيتها المتخلفة النابذ ة التي تصنع أمجادها على نبذ الآخرين وقمعهم وإبقاؤهم دون مستوى المساواة الإنسانية والوطنية المطلوبة، هذه العقلية او الذاتية حين تجد أن ثمة ما يمكن أن يعيق وجودها المهيمن وشهوتها الاستعلائية الاحتقارية ،تعمل على إفراغه من مضامين القوة والسيادة ،كأساس عادل للمواطنة المتساوية ،والشراكة الوطنية، وبالتالي تمارس هيمنتها ومنطقها الغبي من خلاله ،فالديمقراطية كخيار وطني لتبادل السلطة وتحقيق الشراكة والمساواة المنشودة أفرغته من مضامينه وأحالته إلى ديكور تلميعي يخفي بشاعتها وسوء ممارساتها واستبدادها ونفسيتها المستعلية، ويمنحها صيغا شرعية ودستورية لتبقى دائما منتجة لذاتها المحقونة بأنانيتها وكبريائها الفج، وهي تعمد دوما في كل مسارات التحول إلى التموضع في قلب التحولات الرائعة التي يمكن أن تنجز وضعا أفضل للشعب برمته، من خلال استغلال ثروات البلاد وإمكاناتها باسم الدولة -كعنصر مسيطر عليها –ببذخ كبير وإغراء أي وجود لقوة تنافسها بحيث تحتويها وتجعلها دوما في حالة تبعية لها وخادم يؤدي وظيفة استقوائية لها -كمشايخ إب ووجهات المناطق الوسطى مثلا- وتضعفها ، أو من خلال تدمير هذه القوة تماما كما حدث للحزب الاشتراكي اليمني ومؤسساته كدوله عام 1994م .
وهي بذلك تحتكر إمكانيات القوة المادية من جيش وأمن وآلياتها وتعمل على تموضع أفرادها في مواقع الفعل المؤثر والحساس كي تضمن إنجاز ما يجعلها في قلب أي جديد ،أو ضرب أي منافس يشكل خطرا على وجودها ،أو تعمل من خلالها أيضا على إضعاف الخصوم كي يكون دوما منهكا لا يستطيع المقاومة ،إضافة إلى امتلاكها لوبي خطير ذو قدرة “إشاعية” خارقة تتوسل بكل أساليب تحقير الآخر وتشويهه وحشد الجماهير المخدوعة ضده ، مدعمة بترسانة من رموز دينية كأوراق ضرب عقائدي طاعن في أخلاق الخصم أو المنافس لها وأخلاق المناضلين ومريدو تحرير المجتمع والشعب من هيمنتها السرطانية.
هذه العقلية هي المسيطرة اليوم وحزب التجمع اليمني للإصلاح مصاب ببعض فيروساتها التي عملت على إضعاف دوره الوطني ودور المخلصين الشرفاء فيه ،وكذلك شوهت مواقفه النضالية الوطنية والتفت على مضامين جوهر مبادئه الحقيقية التي يناضل عابثا لتجسيدها في الواقع، كما استغلت هذه القوى المسيطرة الرموز الدينية التي تنتمي الى الإصلاح عبر جعلها تنزلق في تهم “الإرهاب ” كي تبقيها في حالة تبعية لها كونها هي من يحميها كما توهمها من اميركا وتجعلها بعبعا مخيفا في نظر الولايات المتحدة الامريكية ، وبالتالي تستقطب من خلالها ولاء الجماهير عبر فثاوي دينية تكرس وجودها كـ”ولي أمر يجب ان يطاع شرعاً”!! وإشغال هذه الرموز أيضا بتوافه الأمور وإدخالها في دوامة احتراب مع المجتمع بوصفها شرطي الحفاظ على أخلاقه وحارسا للفضيلة .!! وتغتال باسمها من تريد مستقبلا عبر بث فتاوي متزعة منها أو وهمية تصدرها باسمها وتكبت كل رمز وطني طليعي قادر على تغذية المجتمع بمفاهيم الحرية والنهوض ومده بأفكار مضادة وكاشفة لها وما اغتيال جار الله عمر إلا خير دليل على ذلك هدفت من خلاله الى ضرب مشروع تكتل اللقاء المشترك الوطني وكذلك عرقله لمشروع تفكيك سيطرتها الذي كان يهدف من خلاله جار الله عمر رحمه الله جعل الشعب هو من يصنع مصيره ويحدد ملامح مستقبله ونمط حياته ويشكل نظامه السياسي .
*كاتب وصحفي يمني