قامت صحيفة الأوبزرفر قبل خمسة أسابيع بنشر مقابلة مع والدة فتاة بصراوية قتلها والدها بحجة إقامتها علاقة مع جندي بريطاني، ثم جاء دورها هي لتنهي ثلاث رصاصات حياتها إلى الأبد. عاشت الأم ليلى حسين الأسابيع الأخيرة من حياتها وهي تتنقل من بيت إلى آخر و لم تمكث في المنزل ذاته أكثر من أربعة أيام خوفا من التهديدات التي بدأت تتلقاها منذ أن هجرت البيت إثر قتل الاب ابنتهما في آذار/مارس الماضي.
ورغم خوفها الشديد من ردود الفعل التي قد تطالها جراء الحديث علنا عن مقتل إبنتها، فقد ظنت أنها قد تكون في مأمن عندما بدأت إحدى المنظمات باتخاذ الترتيبات لنقلها إلى الأردن، وقد كانت في طريقها للقاء الشخص الذي سيقوم بهذه المهمة عندما توقفت سيارة بالقرب منها وأطلق ركابها الرصاص عليها ولم تفلح كل محاولات الأطباء في إنقاذ حياتها.
بدأت مأساة الأم ليلى حسين التي قتلت يوم السابع عشر من أيار/مايو عندما عقدت إبنتها رند عبدالقادر البالغة من العمر سبعة عشر ربيعا علاقة صداقة بريئة مع جندي بريطاني في الثانية والعشرين من عمره.
وكانت رند طالبة في قسم اللغة الانجليزية بجامعة البصرة عندما تعرفت على الجندي البريطاني إثر تطوعها للعمل في مساعدة العائلات النازحة إلى المحافظة، ولم تتعد علاقتهما مرحلة تجاذب أطراف الحديث خلال أربعة أشهر.
ولكن والدها “عبدالقادر علي” قام بقتلها رغم أن تشريح جثتها أثبت أنها كانت عذراء، لأنه سمع شائعات تتحدث عن علاقة إبنته بالجندي البريطاني، ورغم إعترافه بالقتل فلم تقم السلطات المحلية بمعاقبته بل بالعكس أصبح يتحدث علنا وأمام الجميع عن شعوره بالفخر لغسله “عار العائلة”.
بعد مرور أسبوعين على مقتل رند إستجمعت والدتها البالغة من العمر واحدا وأربعين عاما، شجاعتها وقررت مغادرة منزل الزوجية بعد أن قام زوجها بضربها وكسر ذراعها، وصرحت للأوبزرفر وقتها أنه لا يوجد رجل في العراق يرضى بأن تتركه زوجته، ولكنها تفضل أن تُقتل على أن تنام في سرير واحد مع رجل قام بقتل فلذة كبده.
وكانت الأم صادقة في حدسها وهكذا قامت باللجوء لطلب المساعدة من منظمة صغيرة مهتمة بحماية النساء مما اصطلح عليه بجرائم الشرف، ولكنها بدأت فورا بتلقي تهديدات بالقتل عبر مكالمات هاتفية تصفها بالعاهرة وتنذرها بأنها تستحق المصير ذاته الذي واجهته إبنتها.
وتنكر لها حتى ولداها حسن البالغ 23 عاما وحيدرالبالغ 21 عاما، اللذين كانت ليلى قد اتهمتهما بمساعدة والدهما على قتل رند.
ونقلت الأوبزرفر تصريحات الوالد وهو موظف حكومي سابق حول إفلاته من العقاب، وأكد أنه تلقى تهنئة قوات الشرطة على قيامه بقتل إبنته، ويقول العريف في شرطة البصرة علي جبار إنه تم إحتجاز الأب لمدة ساعتين ثم اطلق سراحه بدون توجيه أية تهمة إليه.
وأضاف جبار قائلا إنهم لا يستطيعون فعل الكثير عندما يتعلق الأمر بجرائم الشرف لأنهم يعيشون في مجتمع مسلم وما على النساء سوى العيش حسب تعاليم الشريعة الإسلامية، على حد قوله.
ولا يُعرف حتى الآن من قتل ليلى، ولكن المعلومات المتوفرة تشير إلى إنها كانت تقيم مع ناشطة نسوية عراقية، وافقت الصحيفة على عدم الكشف عن هويتها واكتفت بتسميتها بمريم.
وصبيحة مقتلها كانت ليلى تقوم برفقة إثنين من الناشطات بالسير للقاء شخص ليساعدها على السفر إلى عمّان حيث أتخذت الترتيبات لاقامتها مع إحدى العائلات العراقية هناك.
تقول “مريم” إن ليلى كانت في غاية القلق ولكن سعيدة بالفرصة التي أتيحت لها بمغادرة البلاد، لأنها ومنذ مقتل إبنتها أصبحت معرضة لمخاطر جدية، والسفر كان فرصة حقيقية لها لتنجو بحياتها وتواصل مسيرتها للدفاع عن حقوق المرأة.
وتضيف مريم أن ليلى لم تستطع النوم ليلة إستعدادها للسفر وظلت تتحدث معها طوال الوقت حول خططها بعد وصولها إلى عمّان وأنها زودتها ببعض الملابس لتضعها في الحقيبة الوحيدة التي تمتلكها.
وتؤكد مريم أن ليلى استفاقت مبكرة ونظفت المنزل وجهزت الفطور وخبزت كعكة تمر لتعبر عن شكرها للاستضافة، وبعد وصول من كنتها الصحيفة ب “فيصل” لحماية هويتها قام ثلاثتهم بمغادرة المنزل الساعة العاشرة والنصف صباحا والتوجه للبحث عن سيارة أجرة.
وبعد مشيهم مسافة تقل عن خمسين مترا مرت بقربهم سيارة مسرعة وقام أحد ركابها الثلاثة بإطلاق النار وانتهى كل شيء خلال أقل من دقيقة، حيث تلقت ليلى ثلاث رصاصات قاتلة فيما أصيبت مريم في ذراعها وأصيبت “فيصل” في ساقها.
وتشير مريم إلى أنها لم تحس بالرصاصة التي اخترقت ذراعها الأيسر لأول وهلة، لأن منظر ليلى وهي مرمية على الرصيف والدم يتدفق من رأسها، أنساها حتى الإحساس بالألم.
وهرع رجلان خرجا من منزليهما لتقديم العون وقاما بنقل ليلى إلى المستشفى وأوقفا سيارة أجرة لنقل “مريم وفيصل”، ولكن ليلى توفيت الساعة الثالثة ظهرا بالرغم من العمليات التي أجريت لإنقاذ حياتها.
تؤكد مريم أنها سمعت الناس يتحدثون في الردهة حول الحادث قائلين إن ما حدث لليلى هو عقاب إلهي وأنها أخطأت عندما قامت بالدفاع عن إبنتها رند، عندها تقول مريم إن كرهها لهؤلاء الذين قتلوها زاد رسوخا داخل قلبها.
يقول علاء حسن الذي تصفه الصحيفة البريطانية بأنه ضابط كبير في قسم شرطة المنطقة التي وقع فيها الحادث، إن الحادث له أبعاد طائفية ولا يوجد شيء يؤكد تورط أفراد عائلتها بمقتلها وأن طليقها لم يكن موجودا في البصرة ساعتها بل كان يزور أقربائه في الناصرية برفقة ولديه.
ويضيف حسن قائلا إنه يعتقد أن المقصود بعملية الإغتيال كانا الناشطان اللذان رافقاها وأن ليلى كانت لسوء الحظ برفقتهما في تلك اللحظة.
وتؤكد الصحيفة أن رواية الضابط ظاهريا قد تبدو معقولة، لأن الكثير من العراقيين لا يتقبلون ما يقوم به الناشطات في مجال المنظمات النسوية وخاصة في محافظة البصرة حيث تسيطر الميليشيات على بعض مناطقها وتفرض قوانينها الخاصة على سكانها، ومنها مواصفات الملابس التي يتعين على النساء إرتدائها ونوعية الشعائر الدينية التي على الناس أن يتقيدوا بها.
وقد تم إغتيال إثنين من الناشطين المنتمين للمنظمة ذاتها التي ساعدت ليلى في البصرة، الضحية الأولى كانت إمرأة قام القتلة باغتصابها مرات متعددة قبل قتلها في شباط/فبراير عام ألفين وستة، فيما إغتالوا الرجل الوحيد الذي كان يعمل في هذه المنظمة غير الحكومية كمحاسب وهو أب لخمسة أطفال، في كانون ثاني/يناير من العام الجاري.
ومع إقرار مريم بوجود كراهية شديدة من قبل المجتمع لنشاط مثل هذه المنظمات، إلا أنها متيقنة من أن مقتل الأم لم يكن مصادفة عندما أطلقت ثلاث رصاصات على رأسها مباشرة، وأن التركيز في لحظة إطلاق النار كان منصبا عليها وليس عليهما.
وتؤكد مريم أن منظمتهم أوقفت جميع نشاطاتها في البصرة منذ مقتل ليلى حسين، وأنهم لا يتجرأون الرد على المكالمات الهاتفية لأنهم تلقوا الكثير من التهديدات منذ قيامهم بتقديم العون إلى ليلى وأن معظم العاملين يستعدون لمغادرة المدينة بل ومغادرة العراق إذا تمكنوا من جمع المال اللازم للسفر.
و”فيصل” التي تصفها الصحيفة بأنها أم تعيل ولديها لوحدها بعد مقتل زوجها لرفضه الإنضمام إلى إحدى الميليشيات تخطط أيضا للمغادرة وقد رفضت الحديث إلى مراسل الصحيفة حيث ما زالت تتعالج من آثار الرصاصة التي أصابت ساقها ولكن والدتها قالت أن إبنتها ما زالت تحت تأثير الصدمة.
وقد تم ترتيب إجراءات جنازة ليلى بعد مرور ساعات على وفاتها عن طريق والد مريم وزوج إحدى قريباتها، وزار مراسل الصحيفة والد رند وأخويها في منزلهم بمدينة البصرة، ولكنهم رفضوا التحدث بأي شيء سوى ما أدعاه حسن حول براءة والده وحين سأله المراسل فيما إذا كان سيزور قبر والدته رد باستخفاف “ربما في المستقبل”.
وليلى يتيمة رباها عمها الذي قتل بدوره أثناء إنتفاضة واحد وتسعين، وتقول “حميدة علاء” القريبة من العم، إن ليلى هي ضحية تم دفنها مع حكايتها وأضيفت إلى لائحة العراقيات اللواتي يتجاهل المجتمع مآسيهن.
وتشير الصحيفة إلى أن ليلى عانت في أسابيعها الأخيرة من قلق نفسي عميق بسبب قرارها بطلب الطلاق من زوجها ولم تكن تنام إلا بواسطة المسكنات وتنهض فزعة إثر الكوابيس التي كانت ترى نفسها فيها وهي تقتل خنقا مثلما حدث لإبنتها.
وتشدد الأوبزرفر على أن إظهار ليلى لسخطها حول مقتل إبنتها هو الذي قادها إلى حتفها، وتنهي تقريرها بالقول إن مريم غادرت منزلها ولكن بعد ساعات من حديثها مع الصحيفة قام قريب لها بالمجيء إلى عنوانها الجديد ووضع رسالة على عتبة بابها تقول” الموت للذين يخونون الإسلام والذين لا يستحقون أي مغفرة من الله سبحانه، تحدثي أقل لتعيشي أكثر”.
وتقول مريم إنها متأكدة أن الذي يقف خلف هذه الرسالة هم قتلة ليلى مضيفة “أنهم يريدون أن تدفن هذه القصة مع ليلى ولكني لا أستطيع أن أغمض عيني عما يجري”.