ربيع دمج
نشهد اليوم اهتماماً متصاعداً على صعيد المنطقة العربية وفي دول العالم بالتبصير وتوقع الأحداث المستقبلية وتأثير حركة الكواكب والأبراج على مسار الإنسان النفسي والاجتماعي والمصيري, في الوقت الذي نشهد انطلاقات علمية متقدمة جداً في مجالات الذرة والفضاء وعلم الأحياء والطب والتكنولوجيا وغيرها من العلوم. لا, بل أصبح هناك قنوات فضائية عربية متخصصة في التنجيم والشعوذة والاحتيال على الناس لسرقة أموالهم عبر طرق عدة بعدما كانت هذه الظاهرة تأخذ حيزاً مهماً في الكثير من البرامج التلفزيونية والإذاعية, فضلاً عن الإعلانات المنتشرة دون حسيب أو رقيب في الكثير من الجرائد تعلن للقراء عن وصول الشيخ فلان من الخارج والعالم الروحي يستقبل زبائنه في مكتبه الجديد والعالمة الفلكية تفك المربوط وتجلب الغائب, حتى ان معظم الفلكيين أنشأوا مواقع خاصة لهم على الانترنت مقابل مبالغ مالية…
ظاهرة التبصير وقراءة الكف والتنبؤات الفلكية قديمة تعود لآلاف السنين حينما كان قادة العالم الكبار والملوك يعتمدون في تحركاتهم اليومية, وفي تحديد مصائر الشعوب, واتخاذ القرارات المهمة في إعلان وشن الحروب على أعدائهم على عرافهم الخاص والذي كان يعتبر بمنزلة الوزير والقائد الروحي لهم.
وكذا اعتمد نابليون بونابرت والملك لويس الخامس عشر وهتلر وأبراهام لنكولن وآخرون غيرهم من مشاهير العالم وما زالوا يعتمدون.
ظاهرة تستحق الوقوف عليها والتأمل بها لازدهارها بشكل كثيف في العالم عامة والمدى العربي خاصة وبنسب عالية وربما كان الفقر والبطالة والشعور بالهزيمة في الدول النامية خاصة وراء هذا الازدهار. الكثير منا يسأل عن برجه مطلع كل عام والتوقعات الفلكية التي تخص برجه والكثير يتحدث عن صفات الأبراج وتطابقها مع بعضها وأي منها يعتبر الأفضل للارتباط فيزداد الاهتمام بالتنجيم وطقوسه عبر الأبراج أولاً من ثم تستمر الحكاية بشكل عفوي في جلسات الصباح أو العصر عند الجارة حول فنجان القهوة حيث يقمن النسوة بقلب فنجانهم وتوكيل أمر التبصير لواحدة منهن ومن هنا تبدأ الحكاية لتنتهي عند المشعوذين وتحضير الأرواح وفتح المندل لتفتح معها أبواب الشر والأضاليل.
وهناك في العالم مدارس متخصصة لتعليم أنواع السحر والتنجيم وكل نوع له لونه وخصوصيته:
أنواع وأسماء
اختلفت أنواع السحر والتنجيم, تعددت أسماؤه وأنواعه فلكل لعبة طريقة يتم التحضير فيها لمعرفة الغيب , وكل واحد من هؤلاء يعتبر نفسه الرائد والأصدق, حتى التنجيم له مدارس ومعاهد تدرس هذه الظواهر وكل بلد أو مجموعة دول تتميز بثقافة التنجيم الخاصة بها مثلاً التبصير في الفنجان يأتي في المرتبة الأولى في الدول العربية أما “التارو” أو التبصير بالورق من خصائص التنجيم الأوروبي وهناك لعبة “الويجا” التي تنتشر بكثافة وبشكل خاص في أوساط الشباب في القارة الأميركية والمعروفة بلعبة الموت.
الويغا بوابة الشيطان والاتصال بالأرواح
ربما يبدو الاسم غريباً والقلائل هم الذين يعرفون عنها, ولكنها اللعبة الأكثر انتشارا بين أوساط المراهقين في القارة الأميركية وهي المفضلة لديهم لاستحضار الأرواح إنها “الويغا” أو لعبة الموت المشهورة في أميركا والتي تباع في محال الألعاب وتوجد مرصوفة على رفوف الألوف من المنازل هناك.
الويغا عبارة عن لوحة مستطيلة طُبعت عليها حروف الأبجدية والأرقام, وكلمتا “نعم” و”لا”. ويسأل اللاعبون أسئلة تتم الإجابة عنها عندما يتحرك المؤشر المثلث الشكل باتجاه الحروف أو الأرقام الموجودة على اللوحة أو بواسطة فنجان صغير يتحرك بعدما يتم استقدام الروح المطلوبة للعون والإجابة على الأسئلة المطروحة من قبل المحضر, تعود شهرة هذه اللعبة للعام 1966 عندما قام الإخوة باركر بتسويقها في الأسواق الأميركية ولكنها بالواقع هي لعبة قديمة العهد والتاريخ منذ عهد الرومان والإغريق.
ولكن الطريقة كانت مختلفة وتطورت مع تطور الزمن, بدأ استعمالها في أوروبا في القرن التاسع عشر, أما لوحة الويغا الحالية والمتداولة في الأسواق والمحال المتخصصة بفنون السحر فقد قام بتطويرها إيلاجا بوند في أواخر القرن التاسع عشر, ثم قام وليم فالد بشراء براءة اختراعها من بوند, ولايزال اسم بوند ظاهراً على تلك اللوحة. أما الاسم “ويغا” فهو تسمية حديثة على أساس دمج الكلمة الفرنسية “Oui” والكلمة الألمانية “Ja” وكلاهما تعني “نعم”.
ويتم استعمال هذه اللوحة للاتصال بأي نوع من الأرواح التي يمكن للاعب أن يؤمن بها, أكان الروح ملاكاً, أو دليلاً روحانياً, أو كائناً من أكوان أو كواكب أخرى, أو “روح اللوحة ذاتها”. وكان استخدام لوحة الويغا من وراء الاتصال المزعوم بين الكاتبة جاين روبرتس وكائن غير منظور يسمي نفسه “سيث” Seth, والذي أدى إلى تأليفها كتب عدة عن تعاليم “سيث” الخاصة بالسحر والتنجيم والعصر الحديث (Age New), باعتبار روبرتس قناة الاتصال ب¯”سيث”.
والملفت في الأمر أنه عند شراء لوحة الويغا تكون مرفقة بكتيب يرشد الشاري لقوانين الويغا والتحذيرات جراء سوء استخدام هذه اللعبة منها: “لا يجب استخدام لوحة الويغا مفردا بل يجب أن يحضر الجلسة اثنين على الأقل, إذا تحرك المؤشر في الاتجاهات الأربعة بسرعة, فهناك روح شريرة تحضر الجلسة, ?ذا سقط المؤشر من على اللوحة سيفقد الاتصال بالروح المطلوبة, والوصية الأخيرة والتي من أجلها سميت لعبة الموت هي إذا خاف أحد المحضرين وحرق لوح الويغا وسمع صوت صراخ يتصاعد منها, فعليه أن يعرف أن ليس أمامه سوى ستة وثلاثين ساعة فحسب قبل أن يموت”.
نجوى وتحضير روح حماها
نجوى معلمة اللغة الانكليزية في إحدى المدارس اللبنانية واحدة من هؤلاء الذين دفعتهم حشريتهم لتعلم وممارسة لعبة “الويغا” على الرغم من أنها متعلمة ومعلمة ولكن حبها لمعرفة المجهول والمغامرة دفعاها لتلك التجربة والتي كانت بداية للتسلية ثم أصبحت بعد ذلك هواية لا تستطيع الإقلاع عنها تقول نجوى “كنت أسكن في منطقة الناعمة (اللبنانية) وكان يجاورني شيخ عراقي ذائع الصيت ومعروف عنه براعته بالسحر وتحضير الأرواح, ذهبت إليه مع صديقتي للكشف عن مسألة سرقة, لم أكن أؤمن قبل ذلك بهذه الأمور وربما كانت صدفة أن يعرف من قام بسرقتي…”. تتابع نجوى كلامها شارحة كيفية تعلمها لهذه اللعبة “قوة شخصيتي وحبي للمغامرة دفعاني لتعلم الويغا حين قمت بعدة زيارة للشيخ وقام بتعليمي بعض مبادئ اللعبة, التجربة الأولى كانت عبر لوحة كارتونية بيضاء كتبت الأحرف والأرقام عليه بخط اليد وكنت استخدم فنجان القهوة ليكون المؤشر والوسيط في كتابة الكلمات, ثم سافرت لفرنسا عند شقيقتي وانبهرت عندما شاهدت لوحات الويغا والكتب الخاصة بها تباع علنية في الأسواق هناك, فقمت بشراء بعض الكتب التي تعلم أصول هذه اللعبة, إضافة للوحة الويغا وكانت الجلسة بحضور شقيقتي وأول ما خطر لي تحضير روحه كانت روح زوج شقيقي الذي قتل أثناء الحرب الأهلية اللبنانية, “نجوى التي تؤكد أنها دائماً كانت تشاهد شقيق زوجها في الحلم هو السبب الرئيسي الذي دفعها لدخول عالم الماورائيات والولوج به فتقول “كان يخبرني عن مكان جثته المدفونة في مكان ما في إحدى قرى الجنوب ولكنني لم استطع أن أخبر أهله.. ماذا سيقولون عني?”, نجوى لا تمتهن هذه اللعبة ولا تمارسها لقاء مبلغ مادي مجرد هواية وحب معرفة وبالأخص رغبتها في مساعدة أصدقائها فتؤكد “لا أتقاضى مالاً من أحد وأمارس هذه اللعبة فقط أمام المقربين جدا والهدف هو مساعدتهم في حل مشكلاتهم وأمورهم العالقة وحسب”.
»التارو« لعبة الورق والأرقام
إذا كانت الويغا هي لعبة الموت التي تعتمد على تحضير أرواح المتوفين والتكلم معها فالتارو ضرب من ضروب التنجيم والسحر ولكن بطريقة كلاسيكية أكثر وهي مستخدمة بشكل أوسع في القارة الأوروبية وتكاد أن تكون اللعبة الأكثر شعبية في عالم السحر والشعوذة هناك, لا تعتمد على الطلاسم والأرواح بل على الرموز والأرقام فما هي قواعد هذه اللعبة?
هي عبارة عن مجموعة من أوراق اللعب تستخدم للعرافة, وهي طريقة للحصول على معلومات بوسائل خارقة للطبيعة, ولتفسير المعاني الغامضة لهذه المعلومات, وكثيراً ما تُفسر العرافة بكونها وسيلة للتنبؤ بطالع الإنسان, على أن أنشطة السحر الحديث لم تعد تركز على التنبؤ بالمستقبل, بل إنها تدخل في حياة الناس من خلال النصائح الروحانية والسيكولوجية التي تُقَدَّم, وتعطي المعلومات عن ماضي الشخص وشخصيته. أما مصدر هذه الأوراق فهو غير معروف, رغم أن الكثيرين يعتقدون أن بدايتها كانت في فرنسا في القرن الرابع عشر. وهذه المجموعة من الأوراق, البالغ عددها 78 ورقة, تتضمن 22 ورقة تدعى الأركان الكبرى, وأما ال¯56 ورقة الباقية, فتدعى الأركان الصغرى, وهي تشبه ورق اللعب الحالي بمجموعاته الأربع التي يوجد على كل منها نقش واحد, ويوجد على مجموعة الأركان الكبرى صور وعليها أسماء مثل “البرج”, و”الرجل المشنوق”, و”المُعْجلة”, و”إبليس”, و”الكاهنة العليا”, و”الإمبراطورة”, و”الموت”.
يعود انتشار هذه اللعبة للساحر الإنكليزي آرثر وايت العام 1910 الذي وضع قوانينها بالاستناد إلى معانٍ رمزية حصل عليها من دراساته السحرية, حيث يقوم قارئ الطالع بترتيب الأوراق للزبون, ثم يفسرها له على أنها دليل لرحلته الروحية, بالإضافة إلى إعلامه عن الأمور البسيطة الدنيوية كشؤون العمل والعلاقات مع الآخرين, ويمكن أن تستخدم الأوراق أيضاً كأداة للتأمل الشخصي.
وتُعتبر أوراق التارو جزءاً متكاملاً من أعمال السحر والتنجيم, وهي مرتبطة بعلم الأرقام (Numerology), والسحر, والكابالا (مذهب تصوف يهودي) السحرية الروحانية. كما أن أوراق التارو عريضة وملونة عليها صور فنية, ما يجعلها جذابة. ويوجد كتب لتفسير التارو معروضة للبيع في معظم المكتبات, تساعد الذين يرغبون بتعلم هذا النوع من العرافة أن يتعلموها بسهولة.
راحة نفسية وجسدية
على إحدى المحطات الإذاعية كانت تقدم توقعاتها على الهواء والاتصالات تنهال عليها بكثرة, تسأل المتصل عن اسمه واسم والدته وتاريخ ميلاده وبواسطة ورق التارو – الذي لا يفارقها- تفتح ريتا معلوف الورق وتكشف الماضي والحاضر, رفضت أن نسميها بصارة وأصرت على أنها عالمة فلك واختصاصية تارو حيث درست هذا الاختصاص لمدة 4 سنوات في جامعة مدريد باسبانيا وهي حاصلة على ليسانس بهذا المجال قالت: “التارو” تعتمد على الروحانية العالية وقوة الإيمان بالله لدى من يجيدها فهي بعيدة كل البعد عن الشعوذة بيد أنه لا يتم الاستعانة بالأرواح والشياطين بعملية التبصير بل الاستعانة بمقدرة الله والحاسة السادسة التي يتميز بها العالم, وما الورق إلا وسيلة لترجمة هذه الروحانية والأفكار عبر الصور الموجودة في كل ورقة والتي ترمز كل واحدة منها إلى حدث حصل وسيحصل معه في المستقبل. وتؤكد ريتا أن ورق التارو من الأشياء المقدسة لديها وتعتني به عناية كبيرة وتمنع أي أحد من مسه تقول يوميا أقوم صباحا بتبخير الورق وأتلو صلوات خاصة عليه, وأمنع أي كان أن يمسه حتى لا ينقل النحس والشر إليه ولو كان ابني, فورق التارو ذو حساسية عالية يتأثر بالطاقات السلبية والايجابية التي تحيط به والمعروفة بالأورا”.
ريتا تعتاش من مهنة وممارسة التارو فهي تعمل في عدد من الفروع التابعة لأحد المقاهي المعروفة في لبنان ويزورها كبار رجال الدولة والمشاهير وأناس مثقفون وعاديون والكل يأتيها طالب حل لمشكلة عالقة خاصة والمشكلات العاطفية من ثم المادية, وهي تتقاضى عن كل زيارة أو استشارة 20 دولاراً وبموعد مسبق تماماكزيارة أي طبيب وهي ترى بأنها مداوية الجروح والمشكلات والطبيب يداوي من الأمراض.
ويبدو أن كثيراً من اللبنانيين كغيرهم من الشعوب الأخرى مفتونون بسحر النبوءات الفلكية وهاجس ما قد تكشفه لهم الأيام المقبلة وما قد يمنحهم قبساً من أمل أو تبديداً لقلق أو تحقيقاً لحلم يظن هؤلاء أنه طبيعي أن يستشيروا عالم غيب وماورائيات للاطمئنان على ما تخبئه الأيام الآتية وهذا ما لاحظناه أثناء وجود ريتا معلوف عبر أثير إحدى الإذاعات حيث كانت تنهال عليها الاتصالات استمرت لأكثر من 3 ساعات ما حدا بتلك الإذاعة بتخصيص برنامج أسبوعي لتلقي اتصالات المستمعين.
الفقر واليأس والجهل
غالبية الناس الذين يذهبون للعرافين يفعلون ذلك سراً لمعرفتهم المسبقة واعتقادهم الداخلي أن هذا الأمر غير طبيعي وأن اللجوء للسحر والشعوذة هو ضعف في الإيمان وضعف في الوعي, والبعض الآخر يعترف بذلك صراحة ويبررون ذلك انه نوع من الحشرية أو التسلية رغم ان جلسات التحضير أو التبصير وما إلى ذلك مكلفة فهي قد تفوق تسعيرة زيارة لطبيب أحياناً وللأسف أن المجتمع العربي يلوم من يذهب للطبيب نفسي ويعتبره مجنوناً وهؤلاء لا يخجلون أو يترددون من الذهاب إلى المشعوذين ودفع مبالغ طائلة لحل مشكلاتهم حتى في البرامج التلفزيونية تكثر الاتصالات وتتزايد على الضيف إذا كان مشعوذاً يقول د. جمال حافظ بهذا الصدد: “السحر والشعوذة ظاهرة تستفحل بين النساء أكثر من الرجال لأسباب يربطها البعض بالجهل والأمية والفقر وبتفاقم المشكلات الاجتماعية رغم أن أغنياء من بين المترددين على المعالجين ومعالجات أغلبيتهم من أغنياء ومتعلمين ذلك أن مؤسسة التعليم التفكير العقلاني لا تقوم بدور تثقيفي حيوي في المجتمع وعلى العكس تشجع ذلك وبكل وسائلها عبر استضافة هؤلاء الناس والترويج لهم ولمكاتبهم الاستشارية”. ويصف الدكتور حافظ انتشار هذه الظاهرة بأنه تخدير إعلامي ولعب بعواطف الناس ويؤكد “في الوقت الذي تعاني فيه الأمة العربية من تخلف علمي وأخلاقي وتدن بين الأمم يخرجون علينا بمثل هذه الفضائيات والبرامج التي تغيب وعي الناس, والتي تفعل ما يسمي “بالتخدير الإعلامي” الذي يصرف أنظار الناس عن قضاياهم ومشكلاتهم الحقيقية والأكثر أهمية ويوجهونها إلى التافه من الأمور”, ويضيف: “نحن كدول نامية في العالم العربي المفروض أن يساعد الإعلام شعوبه على التنمية والتقدم بدلاً من نشر هذه الخزعبلات”.
وقد أظهرت دراسات أخيرة قام بها المركز الثقافي للكتاب العربي بأن أكثر الكتب مبيعاً في معارض الكتب العربية هي كتب الأبراج, والتي جاءت في المرتبة الأولى ثم كتب الطبخ, وهذا ليس إلا برهاناً واضحاً على تدني الثقافة وتراجع نسبة القراء الجديين في الدول العربية لمصلحة كتب التنجيم وكشف المستقبل.