إن مستقبل أمة ما هو إلا خلاصة ما تملكه من معتقدات وأفكار وثقافة ، وهذه الخلاصة إما أن تتسم بالسلب أو بالإيجاب ، والحكم عليها بهذه أو تلك , يكون بمحك مدي نهضتها , أو حتى علي الأقل مدي استعدادها الحقيقي , وقدرتها علي النهوض والخروج من النفق المظلم .
ولابد للأمة أن تراجع نفسها وتكشف وتعري كل ما هو تابو (مقدس) لديها وتمنع الاقتراب منه , ومن أسف نجد أن تلك المحرمات هي في أغلبها الأعم هي المسببة لذلك الجمود الذي نعيش فيه بل ونهنأ به أحياناً .
ولذلك لابد من تحطيم تلك الأصنام التي تعوق تقدمنا وتمسخ هويتنا وتجعلنا نردد وراء القردة وأبناء اللصوص إذا قالوا نحس قلنا نحن آمين !!
ولذا سوف نتناول تلك الأساطير المؤسسة للشخصية المصرية بل والعربية التي بتحطيمها نكون قد بدأنا الاتجاه نحو الطريق الصحيح
الأسطورة الأولى
( ثقافة الثبات أمام ثقافة التحول )
من أسف أننا نجد الإنسان المصري الآن إنسان لا يعرف معنى الطموح , ويفتقد الرؤية المستقبلية ؛ فهي على حد تعبير الأستاذ الدكتور محمود إسماعيل رؤية مضببة تحتاج إلى أعوام وأعوام لكي تزول , والأشق من ذلك أنها تحتاج التحرك والتشخيص والعلاج بلا كلل أو ملل .
” هروب المبدع “
ونشأت في المجتمع المصري ظاهره أعطيها مسمى ” هروب المبدع ”
وهذا الهروب له أشكال متعددة منها الهجرة خارج البلاد , ومنها الهجرة داخل النفس والتقوقع حول الذات ، والنفور من الواقع المظلم الذي يلفظ الشخصية المبدعة , ويعتبره كائن غريب غير قابل للتكيف أو للامتصاص _ خاصة بعد استنزافه ومصه _ !! فلا رجاء ولا منفعة منه إذن .
وبالتالي عليه التقوقع والانزواء طواعية وإلا قهراً , وإذا تحدث فهذا عتهاً!
ولنضع أيدينا الآن على المرض المستفحل والذي يتمثل في فكر الثبات لدى المصريين دون التطلع إلى الأمام والتحول والتغير
العولمة والمعلمة!
هل قابلت صديق لك منذ عشرين عاما ؟! لا تقلق عليه فهو ما زال في المنزل نفسه و المكان ذاته الذي كان يجلس فيه ، وبالطبع أقصد القهوة لا مكتب العمل لا سمح الله ؛ فالعمل أصبح عيب الآن وفي أغلب الأحوال مذله !!
وقد وصف الحال الشاعر العبقري بيرم فقال :
يا شرق فيك جو منور والعقل ظلام ……. و300 مليون زلمة لكن أغنام
وقد تقول لي على طريقة الدكتور فيصل القاسم في الجزيرة يا أخي لقد وجدت صديقي في العمل فأي افتراء هذا ؟
فأقول لك وأي عمل ؟!
هل يخترع اختراعا أو يكتشف اكتشافا أو يفتح فتحاً جديداً في عالم التكنولوجيا؟!
هل يصنع سيارة أو يصمم طائرة أو يرصد نجماً أو شهباً؟
بل ستجده يخترع الأكاذيب ويكشف الحجاب ويفتح المندل , ويصنع المكائد لمن هم أفضل منه في العمل , ويصمم على إيذاء الغير , ويرصد أخطاء الآخرين وينقدها ببراعة عجيبة .
والناس في الغرب يعيشون في عصر العولمة ونحن ما زلنا في عصر المعلمة وأصبحنا نسخر من الناس ومن أنفسنا أيضاً .
ولذلك نجد الشباب الضائع يسخر ولا سخرية برنارد شو ويقول نحن لا نصنع الصواريخ بل نشربها!! .
فشر البلية ما يضحك أو أن الشعب حين يشعر بالضغط الهائل عليه من كل اتجاه يلجأ للسخرية أملا في تغيير الواقع أو يأسا من تبدل الحال .
يحكي أن أمريكيا وعربيا وقفا يتنافسان فقال الأميركي: في بلادنا توجد حرية وديمقراطية ، أنا أستطيع أن اشتم الرئيس الأمريكي وسط الشارع، فرد عليه العربي هادئا : وماذا في هذا، نحن بلادنا فيها حرية أنا أستطيع أيضا أن اشتم الرئيس الأمريكي وسط الشارع!.
واللافت للانتباه أن النكات تكون أوسع انتشارا عند اشتداد الضغط والازمات
وبالتالي أصبحنا مثل الزائدة الدودية وجودها ربما مثل عدمها فقد تشبعنا مع سبق الإصرار والترصد بفكر الجمود والثبات وثقافة الاناماليه , والسبيل الأمثل للتخلص من تلك الأسطورة , هو الإرادة البشرية القادرة على كسر الجمود , فهي الكنز الدفين , الذي لا ينضب , والإرادة تجعل الفرد قوياً منتجاً مبدعاً .
أنور محمود زناتي – كلية التربية – جامعة عين شمس .