مهند صلاحات
قدمت الشاعرة الإماراتية “فواغي القاسمي” في ديوانها الخامس، الصادر حديثاً عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة، ثلاثين قصيدة شعرية، للقارئ على مائدة شعرية غنية بالتداعيات والحنين بعنوان (موائد الحنين)، حيث تقع المجموعة الشعرية في 216 صفحة. يتسم الديوان بجماليات اللغة وبلاغة الصور بعيداً عن الإيقاع المقيد للروح الشاعرة ، تتجلي فيه الذات الأنثوية في صورة تدافع عن كينونتها؛ تتمرد أحياناً، وتحنو أخرى؛ على الرجل، “السلطة الاجتماعية”. كما تميزه لغته الشفافة المرهفة، التي تحمل أشجان امرأة عربية.
ويأتي هذا الإصدار الشعري للشاعرة التي القصيدة تكتب القصيدة العمودية والتفعيلة والشعر الحر، ليكون الإصدار الخامس بعد: ألم المسيح ردائي وهو ديوان شعري، ملحمة عين اليقين مسرحية شعرية، الأخطبوط مسرحية شعرية، أي ظل يتبعني مختارات شعرية، حيث جاء هذا الإصدار متزامناً مع إعادة طباعة ونشر الإصدارات الأربعة الأولى مرة أخرى، حيث صدر في التوقيت نفسه الطبعة السادسة من الملحمة الشعرية (عين اليقين)، الطبعة الثالثة من ديوان (ألم المسيح ردائي)، الطبعة الرابعة من مسرحية (الأخطبوط). وتصدر المؤسسة قريبًا مجلد الأعمال الكاملة للشاعرة.
وتضع الشاعرة في ديوانها الحنين بكل مراميه وأبعاده ودلالاته، متمسكة بصورتها كامرأة شرقية، ترفض تسلط الشرق وسطوته، وما بين هذا التداعي في الشجن، والتناغم الموسيقي الشعري، وحالة الخروج عن المألوف، جاءت القصائد حاملة مضامينها بعناوينها، حيث حملت القصائد عناوين مثل: رحلة صيد ٍ بائسة، املأني دفئا في صقيع عدمك، رقاص الساعة، حدثني وجع النهر، متى يتوقف ناعور الضياع؟، ساحرة، كيف لي أن أجفف الزوابع؟، حزنك ذكرايَ وذاكرتي، ربي … مزقني إن شئت على بابك، إنانا، وهم الموت الجميل، دموع السماء، توأمان أنا والألم، ضفائر الوقت الحزون، غيبوبة الكشف، موائد النار الحرون، وأسكرتهما نشوة الغواية، شوق الفصول، جلجامش، شهوة الجنائز، على قارعة الذكرى.
ولم تخرج في الديوان الأخير كذلك عن لغتها الصوفية وتداعيات العشق والوجدانيات الدينية، كما في دواوينها السابقة، بل بدت هذه التجربة في بعض القصائد أكثر نضجاً، وتعمقاً، لتبدو المجموعة خليطاً متنوعاً من القصائد في المضامين والصور الشعرية، والصياغات، واللغة المتميزة، حيث المحاولات الدائمة لاستحضار المفردات العربية القديمة، وتوظيفها لتناسب سياق النص وتقويه.
كما في ذات الوقت جاء الصوت النسوي في الديوان واضحاً على الرغم من كونه معتدلاً، غير عدائي، لكنه أخذ نبرة التمرد المبررة.
يقول الناقد السوري عمران عزالدين أحمد عن الديوان: حفلتْ المجموعة بقصائد نثرية مموسقة من حيث متانة اللغة وجمال التصوير والدلالات الجديدة البديعة والخيال الخصب وتحمل رؤىً وصوراً ومعانيَ مؤثرة وقوية وتلامس أعماق القارئ المتعطش للجمال وهذه ليعني علاقة طردية مع قدرة الكاتب إذ كلما كان الكاتب مبدعاً كانت صوره رائعة وجميلة والعكس صحيح.. تتطرق إلى الأشياء المهملة والذابلة في حياتنا وتبحث عن الشعر داخل التجربة الداخلية الذاتية في فضاء الذات الأنثوية بأنامل احترافية مجدولة ومغموسة بماء الشعر.. تتصدى للوجع الإنساني وتصرف عليه جل اهتمامها وفكرها.. وتتطرق لموضوعات سامية نبيلة وهموم العصر برؤية شعرية شفيقة دون أن تتزحزح عن الفكرة التي هي بصدد الكتابة عنها.. متسلحة بأدوات الشعر وملمة بالقضايا والنظريات والمدارس الشعرية القديمة والحديثة وذلك بلغة بكر عذراء واقتصاد وتقتير لغوي، فما يهمها هو أن تنمو القصيدة تصاعدياً حتى تصل إلى الذروة وغالباً ما تكون الخاتمة كارثية في وقوعها على الذات الأنثوية.
فالمجموعة مكثفة وخالية من الزوائد والحشو الوصفي والاستطرادات بلغة زاخرة بعوالم من الصور واللامتناهيات والرموز والإشارات وذلك من خلال تقنيات مشغولة وعناصر منتقاة وكثير من المحفزات المتواشجة لتقديم شعر مراوغ عبر إيقاع شفيف.
ويذكر أن الشاعرة والمسرحية الإماراتية، فواغي القاسمي، ابنة الشاعر الراحل الشيخ صقر بن سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة السابق، وزوجة الشيخ خالد بن صقر القاسمي ولي العهد ونائب الحاكم لإمارة رأس الخيمة، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة الشيخ خالد للإبداع والتميز، كما ترأس نادي فتيات رأس الخيمة، وعضو حركة شعراء العالم، بالإضافة لأنها أنشأت “هيئة تفعيل التاريخ والتراث الوطني”. وعرضت أعمالها المسرحية على مسرح دار الأوبرا المصرية، ومسرح نادي فتيات رأس الخيمة. كما ترجمت بعض قصائدها إلى الإنجليزية والفرنسية..