يكمل الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام عامه الواحد والأربعون.. مواصلا تنفيذ مخططه العدواني التوسعي الذي بدأه في العام 1948 والذي عاد واستأنفه من جديد في العام 1967 قاصدا ابتلاع الأرض العربية وتهويدها والضغط على سكانها لإجبارهم على تركها تحقيقا للحلم الصهيوني القديم الجديد في الاستيلاء على اكبر مساحة من الأرض الفلسطينية بأقل عدد من سكانها العرب.
وتأتي ذكرى حرب حزيران هذا العام في ظل تصاعد خطير في مستوى مصادرات الأراضي وتوسعة المستوطنات.. وفي ظل تسارع محموم لإتمام بناء جدار الفصل العنصري الذي تقيمه دولة الاحتلال ليكون حدودا سياسية نهائية للدولة الفلسطينية التي يعمل المحتلون جاهدين كي تكون كيانا مسخا مقطع الأوصال على شكل كانتونات تحاصرها الجدر والحواجز.. وتتجلى هذه السياسة بأخطر صورها في مدينة القدس حيث تضم إليها التجمعات السكانية الاستيطانية المحيطة بها ناهبة مساحات شاسعة من الأرض العربية فيما تعزل القرى والبلدات العربية بشكل كامل عن القدس.. كما ويتواصل المخطط الاستيطاني في مناطق الأغوار التي يجري إغلاقها تدريجيا في وجه العرب.. حيث يتم رصد عشرات ملايين الدولارات من الخزينة الإسرائيلية سنويا لتطوير القائم من المستوطنات ولمحاربة الوجود العربي عبر سياسة التطهير العرقي التي تلاحق كل ساكني الأغوار من المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأراضي الأصليين ورعاة الماشية.. ويجري تنفيذ هذه السياسة بصمت وهدوء بعيدا عن أعين العالم.
ومن الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى من خلال سياساته إلى فرض وقائع جديدة على الأرض تجعل أمر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أمرا غير ممكن.. وذلك في ظل عملية تفاوض عبثية تجري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.. تستغلها إسرائيل كغطاء لمواصلة مخططاتها ولتضليل العالم وإيهامه بان هناك عملية سلام جارية.
إن إسقاط القيادة الفلسطينية لكافة الخيارات في التعامل مع قضية الاحتلال ( بما فيها حتى خيار المقاومة الشعبية ).. وحصرها في خيار واحد هو المفاوضات.. شجع المحتلون وطمأنهم بان إستراتيجيتهم القائمة على إدارة الأزمة بدلا من معالجتها يمكن لها أن تنجح وتوفر لهم مزيدا من الوقت لانجاز مشاريعهم الهادفة للحيلولة دون تحقيق الفلسطينيين حلمهم في إقامة دولتهم المستقلة.
إن ذكرى حرب حزيران مناسبة ليتذكر فيها شعبنا تجارب السنين الطوال من العمل والكفاح.. كي يأخذ منها ما يعينه على مواجهة التحديات الكبيرة التي تقف في طريق انجازه لمشروعه الوطني التحرري.. وكما كانت مهمة شعبنا وحركته الوطنية التحررية في بدايات الاحتلال.. الحفاظ على الأرض والدفاع عنها ضد التهويد والمصادرات.. وتعزيز الصمود.. في مواجهة سياسة الاقتلاع والتطهير العرقي الصهيونية.. ها هي السنين تدور ولكن تبقى نفس المهمة على جدول أعمال شعبنا وقواه الوطنية.. ولكن تبدو الأمور اليوم أكثر صعوبة.. بعد أن نجحت دولة الاحتلال ببطشها وقوتها الغاشمة وبصمت العالم.. في الاستيلاء على أجزاء واسعة جدا من الأرض الفلسطينية.. وبدلا من أن تكون مستوطنات المحتلين جزرا معزولة في المناطق الفلسطينية.. ها هي القرى والبلدات الفلسطينية تتحول إلى جزر محاصرة مقطعة الأوصال.. في منطقة تعج بالمستوطنات.. وتحيط بها جدران الفصل العنصري من كافة الاتجاهات.. صحيح أن شعبنا ما زال باقيا على أرضه.. لكنه يواجه اليوم تحديا يفترض فيه أن يقف أمامه وقفة مراجعة.. ويجري عملية تقييم لحصاد السنين الماضية.. وليسال نفسه هل مازالت هناك فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة.. كاملة السيادة.. على جميع الأراضي التي احتلت عام 67 ..؟؟ أم أن إسرائيل قد وأدت شعار دولتين لشعبين.. بتدميرها كل مقومات الدولة العربية الفلسطينية.. لكن يبدو أن الأمور تتسارع ليعود شعبنا لرفع نفس الشعار الذي كان يرفعه في العام 1945 .. أي شعار الدولة الديمقراطية الواحدة على كل ارض فلسطين التاريخية..
إن التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني اليوم كبيرة.. حيث تقوم إسرائيل بعملية استغلال واضح لعملية السلام الجارية بينها وبين القيادة الفلسطينية للتغطية على جرائمها ومخططاتها الخطيرة لابتلاع اكبر مساحة من الأرض المخصصة للدولة الفلسطينية.. وفي إكمال بناء الجدار ليكون الحدود السياسية لدولتنا.. التي تحولها إسرائيل عمليا إلى كانتونات.. مستغلة بذلك حالة الانقسام الداخلي الفلسطينية.. التي أضعفت طرفي الصراع الفلسطينيان.. وجعلتهم في موقع المتلقي للضربات.. واوهن ما يكون في مواجهة ما يدبر للقضية..
ومع استمرار حالة الانقسام الداخلي المترافقة مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الشعب الفلسطيني.. بفعل الحصار والإغلاق والحواجز.. والتي أدت إلى استفحال البطالة وشيوع الفقر.. والتي أضيف إليها غول الغلاء المجنون، الذي يفتك بالفقراء وذوي الدخل المحدود .. كل هذه الظروف تفترض بالقيادة الفلسطينية إعادة النظر في سلم أولوياتها.. بحيث توقف المفاوضات العبثية.. كرد على استمرار الاستيطان وبناء الجدار.. والتوجه الواضح لتفعيل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال.. كما أن عليها أن تضع في مقدمة أولوياتها إعادة اللحمة لشطري الوطن.. وإنهاء حالة الانقسام.. وذلك بالاستفادة من التجربة اللبنانية.. ومن المناخ العربي الذي ساند بل وفرض على الأطراف المتنازعة هناك.. وقف التصعيد الذي كاد أن يدخل لبنان في دوامة الحرب الأهلية المجنونة.. نعم لابد من بذل كل الجهود لإنهاء الانقسام.. بالبدء بحوار وطني على أرضية إعلان حركة حماس استعدادها للعودة عما فعلته من اغتصاب للشرعية بقوة السلاح.. وكذلك فان مواجهة المخاطر المحدقة يتطلب من السلطة أن تفعل الكثير لتحسين أوضاع الجماهير.. والتخفيف من الأعباء الكبيرة الواقعة على كاهلها.. وخاصة الفئات الشعبية الأكثر تضررا من الأوضاع.. وإننا إذ نثمن عاليا الجهود التي تبذلها السلطة والأجهزة الأمنية.. في توفير وتعزيز امن المواطن وأمانه.. فإننا نتطلع إلى هذه السلطة– التي هي سلطتنا جميعا.. كي تبني وتمارس على الأرض.. سلوكا يشكل نموذجا مختلفا عما تقوم به حركة حماس وسلطتها في قطاع غزة.. من حيث الحفاظ على الحقوق والحريات والديمقراطية.
خالد منصور
مخيم الفارعة – 4/6/2008