لكن الذي يخفف من التفاؤل بل يدعو إلى القلق والريبة هو تلك التصريحات على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «شون ماكورماك» وهي تصريحات أقل ما يجب أن توصف به هو الوقاحة والصفاقة والسعي العلني الفاضح لإيقاظ الفتنة وإشعال نيرانها ،ويجب الرد عليها لفظيا وفعليا بحزم من قبل الرئيس محمود عباس.
ماكورماك قال بأن وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس اتصلت هاتفيا بالرئيس محمود عباس والذي أكد بدوره على أنه لم يتخل عن أي من شروطه المسبقة لاستئناف الحوار مع حركة حماس!
الأمر هنا يستدعي غضبا وريبة وإجراءا سريعا من قبل الرئيس عباس؛لأنه وببساطة شديدة فإن تصريحات ماكورماك تسيء للرئيس عباس ولحركة فتح وتضعهم في موقف حرج..لماذا؟لأنه طوال الفترة السابقة ظلت الرئاسة الفلسطينية وحركة فتح ينفون عبر كل المنابر الإعلامية في الداخل والخارج خضوعهم للابتزاز المالي الأمريكي أو الإسرائيلي أو غيره فيما يتعلق بشروطهم لاستئناف الحوار،ورددوا دوما بان هذه شروط تأتي في سياق «العودة إلى الشرعية» وأن «التراجع عن الانقلاب» هو مطلب فلسطيني بحت ،ونفت فتح والرئاسة ما جاء في مجلة «فانيتي فير» الأمريكية قبل شهور بشدة،رغم أن هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح سبق المجلة المذكورة وأشار ما إلى ورد فيها سابقا،بل واتُهمت حماس على الدوام بأنها تتذرع بوجود مخططات أمريكية لكي تبرر «خروجها على الشرعية» ،وعليه فإنه مطلوب من الرئاسة وحركة فتح توضيحات ورد حاد على الأرعن ماكورماك ؛لأنه يتدخل في شئون داخلية فلسطينية ،ولأنه يسيء إساءة بالغة لفتح والرئاسة حيث أنه يوحي أن اشتراطات الرئيس عباس التي كررها عشرات المرات في خطابات ومؤتمرات صحافية ولقاءات مغلقة ومفتوحة ،هي شروط إدارته أساسا!
ماكورماك كان وقحا بما فيه الكفاية ليقول:«باختصار، يجب ان تعود حماس عن انقلابها في غزة وان تعترف بان فتح هي التي تدير الحكومة الفلسطينية وان تحترم الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية»!!!
هل يفهم من هذا أن هناك فيتو أمريكي على الحوار الفلسطيني؟وهل بات على الجميع أن يقتنع أن الرئيس عباس امتنع عن الحوار مع حركة حماس تحسبا من هذا الموقف؟وهل تأجيل سلطات الاحتلال تحويل أموال الضرائب لحكومة فياض وتأخير دفع رواتب الموظفين هو تلويح بإعادة فرض الحصار إذا سارت عجلة المصالحة الوطنية؟
ثم أن هناك ملاحظة على تصريحات ماكورماك على حركة فتح أن ترد عليها ؛فعن أي حكومة يتحدث ماكورماك بالضبط؟حكومة فياض التي من المعروف أنها ليست فتحاوية بل طلب المجلس الثوري لحركة فتح في جلسته الأخيرة إجراء تعديلات عليها،على الرغم من أن غطاء الحكومة السياسي والبشري من حركة فتح ،أم حكومة الوحدة الوطنية التي كانت برئاسة حماس فيما تولى رئيس كتلة فتح البرلمانية عزام الأحمد منصب نائب رئيس الوزراء؟أم أن هناك حكومة جديدة يفكر ماكورماك بفرضها علينا؟وبخصوص احترام الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير ،هل نسي ماكورماك أن اتفاق مكة تضمن ذلك،وما أسقط اتفاق مكة هو إدارته الحاقدة على كل ما هو فلسطيني وعربي ومسلم بحصارها ومخططاتها؟
على حركة فتح ألا تنسى أنها حركة تحرر وطني وليست حزبا همه ومطلبه رضى العم سام ،وأن ترى انه من العار أن تحصل على تزكية من ماكورماك أو غيره،لأن الشرف والفخر هو الذم والقدح واللوم من هؤلاء الذين ذابوا في الصهيونية حتى ما عدت تعرف التمييز بين بوش وأولمرت وبين ليفني ورايس….الفرصة أمام فتح تاريخية،وأمام الرئيس عباس مجال للخروج بنصر تاريخي وشخصي،وبصراحة شديدة أيها الرئيس:أنت في الثالثة بعد السبعين من عمرك ولن تخسر شيئا لو أعلنت عن تحديك للصلف والتدخلات الأمريكية ،التي بلغت حد الوقاحة ومحاولة إذلال شعب عظيم كشعبنا،وتحديد وتفصيل علاقة الشركاء في الوطن بعضهم مع بعض.
ومما زاد من خيبة الأمل والتشاؤم بعد التفاؤل ما ذكرته صحيفة «الحياة» الصادرة في لندن بأن الحوار مع حركة حماس سيجري عبر وسيط…! لا حول ولا قوة إلا بالله…أتمنى أن تكذب فتح والرئيس عباس ما جاء في الصحيفة المذكورة فعلا لا قولا؛أيكون الحوار مع العدو الذي يقتل وينشئ المستوطنات ويقتلع الأشجار ويحاصر شعبنا ويحرمنا من أبسط حقوق بني الإنسان مباشرا وعلى طاولة واحدة،فيم الحوار مع الأخ وشريك الوطن،والذي سأفترض جدلا أنه «انقلب على الشرعية» عبر وسيط،إن هذا لشيء عجيب!
الدور العربي والإسلامي مطلوب بلا شك ،بل هو ضروري ولا غنى عنه،ولكن أن يكون العرب وسيطا بين شركاء الوطن وناقلي رسائل ومواقف فهذا هو العار بعينه!
رايس تنوي تدنيس-وليس زيارة- المنطقة الأسبوع القادم وهي التي استحقت لقب «حمالة الحطب» منذ مدة ستسعى بلا ريب إلى تأجيج الفتنة وتعطيل الحوار وإطلاق التصريحات الاستفزازية ،وقد تغادر المنطقة فيقوم جيش الاحتلال بجرائم جديدة على الفور…فحتى متى يظل البعض يراهن على دور أمريكي شبه شبيه لشبيه لدور نزيه؟!
المشروع الأمريكي يواصل الفشل والإخفاق في أفغانستان والعراق والصومال وأخيرا في لبنان،وبيد حركة فتح أن تتخلص من الابتزاز المالي والسياسي الأمريكي ،لأنه لم يعد هناك شك أن الأمريكيين لن يضغطوا على الاحتلال ولو من أجل أمور إنسانية وشكلية مثل رفع بعض الحواجز….فالفرصة التاريخية أمام فتح لتنفض عنها ما تعتبره تهمة،وهو السير في الركب الأمريكي،بغض النظر عن الدوافع فرصة حاضرة وقوية،وتذكروا ما ترددونه باستمرار بأنكم على «على عهد الختيار ياسر عرفات سائرون…ونم قرير العين يا ياسر فنحن لم نتزحزح عما استشهدت من أجله…» لتتحول هذه الشعارات إلى حقائق على الأرض وفي المواقف السرية و العلنية…أما تخوفكم من عودة الحصار المالي على السلطة،فمما لا شك فيه أن أكبر خلل في السلطة هو أنها جعلت قوت جموع شعبنا في الضفة والقطاع رهينة شروط الأعداء وأصدقائهم،ولكن قفوا عند قول الله تعالى:-
{…. وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة28
ولكن من الأهمية بمكان التذكير بأن الحوار يجب أن يسفر عن آلية لتحقيق الحرية وليس لمجرد تقاسم سلطة تبين هزالها،رغم أن شعبنا بحاجة إلى إدارة سليمة لأموره الداخلية،ولكن على الجميع الإسراع في تحقيق المصالحة للتصدي لمخططات تهويد القدس المسعورة ،والسعي لتحرير الأسرى وهدم الجدار ووقف وإزالة المستوطنات عبر المقاومة التي جمعت الجميع ووحدتهم في الماضي ،وهي قادرة على ذلك في المستقبل إن شاء الله.
،،،،،،،،،،
سري عبد الفتاح سمور
قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة
حاليا:جنين-فلسطين المحتلة
3جمادى الآخرة 1429هـ،7/6/2008م
بريد إلكتروني:-
مدونة:-