يعتقد البعض بأن ما تمت إثارته من قضايا الفساد ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت سوف يشكل عقبة أمام استمرار المفاوضات وامكانية تقدمها أو الوصول بها الى مرحلة نهائية يتم بعدها توقيع اتفاقية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والحقيقة أن هذا الفهم أو هذه الفرضيات أو المحاولة ليست سوى واحدة من الأوهام التي يتم الترويج لها من قبل بعض الأطراف الفلسطينية – حتى لا نتهم بالتجني على أحد أو على أي طرف سوف نقول بأن ذلك يتم بحسن نية- التي لا زالت تراهن أو تعتقد بان هنالك إمكانية للتوصل الى شيء ما “يشبه السلام” مع دولة الاحتلال.
الحقيقة التي يمكن ملاحظتها أن هنالك ميلا لدى الفلسطينيين بشكل خاص والعربان بشكل عام على المراهنة على هذا الطرف الإسرائيلي أو على هذا القائد الإسرائيلي أو ذاك، وهذا الحال يمكن أن ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية، حيث أنه بالنسبة للإسرائيليين يتم الرهان على أن هذا الحزب أو هذا الطرف وفي حالة استلامه للسلطة في دولة الاحتلال لا بد من أن يجلب السلام الى المنطقة، أو أنه سوف يقوم بالتوقيع على اتفاقية للسلام مع الطرف الفلسطيني أو السوري أو اللبناني.
في الواقع إن هذا الرهان على هذا الطرف الإسرائيلي أو ذاك بدأ يتزايد منذ توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفد، ونحن نعتقد بان هذا الرهان إنما هو محاولة لخداع الذات ومحاولة لإخفاء حالة الضعف والتردي والعجز عن إمكانية الفعل التي وصلت إليها الأطراف العربية بدون استثناء بما فيها الطرف الفلسطيني أكثر منه أي شيء آخر، الشيء ذاته يمكن أن يقاس أو أن يقال عن أميركا وخاصة في الفترة التي تكون فيها السنة سنة انتخابات رئاسية، فتتم المراهنة على أن الرئيس القادم سوف يعمل كل جهده من اجل وضع حد لهذا النزاع الذي طال لعقود، فترى العربان يراهنون على هذا المرشح أو ذاك أو على الحزب الجمهوري تارة وعلى الحزب الديمقراطي تارة أخرى.
الرهان على هذا الطرف أو ذاك في أي نزاع أو صراع قد يكون صحيحا عندما يكون هنالك إمكانية للوصول معه إلى سلام، كذلك عندما يكون لديه النية لذلك، وهذا ينطبق ليس فقط على الصراع الفلسطيني أو العربي الإسرائيلي، بل على أي صراع مهما كان بسيطا أو معقدا، صغيرا أو كبيرا ، يمتد لعقود أو لم يحدث سوى قبل فترة بسيطة من الزمن، إلا انه في الحالة الفلسطينية لا يمكن إخضاع ذلك لهذه القاعدة، لان في ذلك تغييب للدور الذي قامت من اجله الدولة العبرية، وكذلك فيه تغييب للأهداف الإستراتيجية التي تم عليها إقامة هذه الدولة مستندة الى دعم قوى الاستكبار والهيمنة والطغيان في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
هذا الأمر ينطبق كذلك على الرهان على الولايات المتحدة وعلى رؤسائها الذين تعاقبوا على البيت الأبيض، وكذلك على كلا الحزبين الرئيسيين حيث أن هذه الدولة تعتبر نفسها أنها كما إسرائيل فوق القانون الدولي والإنساني والأخلاقي وفوق كل الشرائع الأرضية منها والسماوية، وهي لا تخفي أهدافها بالسيطرة على العالم وإعادة تشكيله بالطريقة التي تتلاءم مع سياستها في الهيمنة والسيطرة والتبعية.
إن وجود ايهود اولمرت في رئاسة الحكومة الإسرائيلية سواء كان ضعيفا أو قويا لا يعني بالضرورة الوصول معه الى اتفاقية للسلام، ولا يمكن لاولمرت ولا لغيره أن يقر بأية اتفاقية للسلام مع العرب أو الفلسطينيين إلا إذا كانت الدولة العبرية قد حققت أغراضها وخططها فيما يتعلق بالأراضي المحتلة، وأي محاولة للرهان على اولمرت أو سواه ليس سوى خدمة لإسرائيل التي يتم تصويرها على أنها دولة محبة للسلام وأنها مستمرة في المفاوضات مع الطرف الفلسطيني وهذا ما يتناقض تماما مع كل شيء تمارسه دولة الاحتلال على الأرض وضد الإنسان الفلسطيني.
الطرف الفلسطيني يتفاوض مع الطرف الإسرائيلي منذ حوالي العشرين سنة فما الذي تحقق خلال تلك السنوات وهل هنالك إمكانية لتحقيق أي نوع من أنواع السلام أو ما يشبه السلام مع إسرائيل التي لم تتوقف للحظة واحدة عن تغيير كل شيء في الأراضي المحتلة بما في ذلك الإنسان الفلسطيني وطموحاته التي يمكننا أن نقول أن إسرائيل حاولت تقزيمها الى الحد الأدنى الممكن والذي وصل في بعض الأحيان الى إزالة حاجز هنا أو تصريح هناك أو في الحصول على إذن للمغادرة من اجل التعليم أو العلاج أو العمل.
اولمرت الذي استطاع إن يتسلق إلى سدة الحكم بطريقة يصفها الكثير من الكتاب في إسرائيل بأنها طريقة شيطانية في النفاق والتزلف لا يمكن إن يقدم أكثر من غيره كما أن غيره لن يقدم للفلسطينيين أكثر مما قد يقدم اولمرت، الموضوع ليس اولمرت أو سواه بقدر ما هي سياسة إسرائيلية ممنهجة ومبنية على خطط إستراتيجية تمت حياكتها ليس منذ تم احتلال الضفة الغربية وبقية الأراضي الفلسطينية والعربية في حزيران 1967 ولكن منذ أن أصبحت الأرض الفلسطينية هدفا للحركة الصهيونية منذ تأسست.
المشكلة هي في أن العربان يتعلقون بأي شيء كما الغريق الذي يتعلق بالقشة من اجل النجاة، وهذا دليل ضعف وليس دليل قوة، والعربان بتقديرنا لا يملكون أسباب القوة طالما هم قد رهنوا أنفسهم للأميركي وقبلوا بالتبعية له أي طالما هم رهنوا تلك الأسباب لأعداء الأمة، هنا لا بد من الابتعاد عن الهرطقة ومحاولات إقناع الذات بأننا لدينا من العوامل التي تجعلنا أمة قادرة ومؤثرة أو أنها تستطيع الفعل، نحن امة تعيش على هامش العالم وسنبقى وسيظل ما نسميه أسبابا للقوة ليست سوى أسبابا للضعف والفرقة إلا إذا تم تفعيلها وأما ما عدا ذلك فهو كلام في الهواء.
في سياق الضعف الذي تتمتع به امة العربان انه وما أن قال سيد العالم بأنه سوف يقيم الدولة الفلسطينية خلال هذا العام حتى صدقناه وصرنا نركض وراء سرابه، هذا السراب الذي صنعه بوش خلال لحظة من لحظات تألقه أو نشوته وهوسه اللاهوتي، ونحن ندرك تماما أن هذا الوهم لن يتحقق، لان من غير الممكن تحقيق ذلك في ظل عدم توفر النية أو الإرادة سواء لبوش أو لإسرائيل. فهو قد فعل ذلك من اجل أن يجلب العربان الى حظيرة التطبيع والمزيد من التطبيع غير المبرر مع إسرائيل سواء في انابوليس أو في غير ذلك من المؤتمرات التي كثرت تحت شعارات ويافطات مختلفة، أو أن يجلبهم إلى معسكر العداء لإيران – كما فعل في المسالة العراقية ومن قبله والده- ومن أجل تصوير الخطر الإيراني الداهم، وعلى أن هذا الخطر يستهدف المنطقة العربية قبل أي شيء آخر، ونعتقد بأنه أراد بذلك صرف الأنظار عن كل ما تشكله دولة الاحتلال من خطر ليس على فلسطين فقط بل وعلى الأمة العربية والأمم الإسلامية.
مع شديد الأسف لقد صدق بعض العربان تلك الكذبة أو على الأقل هكذا بدت الصورة من خلال كل هذا الذي نسمعه عن إثارة للنعرات الدينية والطائفية وإصدار الفتاوى وشهادات التكفير والإيمان، وتعامل معها على أنها عين الحقيقة وصار ينظر الى إسرائيل على أنها قد تكون دولة مسالمة أو ربما مرشحة لأن تكون دولة شقيقة في المستقبل تدافع عن حياض الأمة وتحمي المذهب السني من الخطر الإيراني أو الشيعي كما يحاول البعض تصويره، وان كل هذا الخطر الذي تشكله يبقى اقل من الخطر الإيراني، والسؤال هنا لماذا تخشى دولة مثل مصر من إيران ولماذا تعتقد بان إيران قد تكون أكثر خطرا عليها من إسرائيل.
الرهان على المفاوضات والتحسر على غياب اولمرت أو سواه من قادة الدولة العبرية ليس سوى رهان فاشل وخاسر، لأن هؤلاء نذروا أنفسهم من اجل المشروع الأساسي للحركة الصهيونية الذي يهدف فيما يهدف الى قيام كيان استعماري عنصري مبني على فكرة السيطرة والهيمنة على الآخر، ولا يمكن النظر الى الاستمرار في الرهان على هذا الطرف أو ذاك من قادة هذا الكيان إلا أنها محاولة للخداع والدجل.
وعلى هذا الأساس فإننا نفترض بان أصحاب القرار السياسي في فلسطين يدركون هذه الحقائق وبناء على ذلك فإننا نفترض بأنهم يحرصون على المسالة الوطنية الفلسطينية، وأنهم يجمعون على أن حالة الانقسام الفلسطيني تضر بالقضية الفلسطينية كما أنهم يجمعون على أن الإرادة الإسرائيلية غير متوفرة من اجل تحقيق سلام حقيقي، وهذا واضح من خلال كل الأعمال العدوانية التي تتم ممارستها على الأرض، ويمكننا هنا أن نؤكد أنه ومن خلال كل الاتصالات التي نجريها مع هذا المسؤول الفلسطيني أو ذاك سواء كان في فتح أو في حماس أو في أي فصيل أو حزب سياسي نجدهم يجمعون على أن ما يجري مع إسرائيل ليس سوى اتصالات عبثية وان ليس لدى إسرائيل النية في تحقيق السلام.
من هنا فإننا نعتقد بان الفرصة لم تفت بعد من اجل إن تتم مراجعة للذات وان تتم مصالحة فلسطينية تستند الى المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، كما أننا نعتقد بان الفرصة مواتية في ظل اقتراب نهاية فترة ولاية الرئيس الأميركي بوش وفي ظل هذا الحال المتردي للواقع السياسي الإسرائيلي وعدم وجود جهة سياسية محددة تتمتع بقوة رئيسية في الشارع الإسرائيلي من اجل القيام بحملة دبلوماسية ودعائية وحملة من العلاقات العامة المركزة والمكثفة والتي يتم من خلالها التركيز على أن من يرفض العملية السلمية والوصول الى اتفاق إنما هي إسرائيل من خلال كل ما تقوم به لتغيير الواقع على الأرض، إلا إن هذه الحملة لن يكتب لها النجاح على أي مستوى طالما أن هنالك راسين وحكومتين “وكيانين متنازعين” في كل من غزة ورام الله.
الحقيقة أننا عندما نقول هذا فليس لأننا مع ما يجري من اتصالات عبثية ومفاوضات لم تثمر عن شيء منذ فترة كما اشرنا طويلة، حيث نعتقد بان الحل للموضوع الفلسطيني لن يكون سوى بإقامة دولة واحدة على ارض فلسطين التاريخية تكون جزءا من المنطقة تعيش بسلام وبدون أطماع استعمارية أو رغبة في السيطرة على الآخر، ولكن الذي يدفعنا لقول ما قلناه هو هذا المشهد المتردي بين أبناء الشعب الواحد وهذا الانقسام بين شطري الأرض المحتلة في الضفة والقطاع مما أدى إلى حالة من الضعف والهوان لم تصلها القضية الفلسطينية من قبل.
وفي الذكرى أل 41 لاحتلال بقية الأراضي الفلسطينية والهزيمة العربية المقززة وبعد ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في هذه المناسبة فإننا نعتقد بأنه حان الوقت لتحقيق المصالحة الوطنية من اجل انطلاقة فلسطينية حقيقية لعلها تكون بداية لتعميق الانتماء للأرض والوطن والقضية أكثر من الانتماء الى الفصيل أو الحزب السياسي أو المصالح الخاصة. كما أننا نعتقد بان على أحد طرفي الانقسام أن يقوم بالمبادرة بشكل عملي وليس الاكتفاء بخطاب هنا وكلمة أو مؤتمر صحفي هناك.
رشيد شاهين
بيت لحم 6-6-008