د. عوض السليمان*
لا شك أن التاريخ عرف قرارات سيئة ومعيبة ستبقى أبد الدهر وصمة عار في جبين من أعد لها أو نطقها أو نفذها
د. عوض السليمان*
لا شك أن التاريخ عرف قرارات سيئة ومعيبة ستبقى أبد الدهر وصمة عار في جبين من أعد لها أو نطقها أو نفذها ، هذه القرارات ستلاحق أصحابها بعد مماتهم، إذ سيذكرها التاريخ على الدوام، وكلما دق الكوز بالجرة سيصار إلى الحديث عنها وتذكر أصحابها وعارهم.
إنها لطرفة محزنة، أن تقرر محكمة دستورية في بلد يدعي أنه يحترم حقوق الإنسان بمنع النساء من حريتهن في اللباس. وللحق فهو لم يقيد حرية أولئك النسوة، بل منع طائفة محددة منهن باختيار لباسهن، بينما فتح الباب على مصراعيه لكل النساء ليلبسن ما شئن إلا هذا اللباس.
الطرفة ليست هنا، بل في أن المحكمة الدستورية في تركيا، أصدرت هذا القرار، حفاظاً على حقوق الإنسان في اختيار ما يشاء!.
عجيب هذا البلد الإسلامي الكبير، فالبرلمان التركي الذي يسيطر عليه حزب العدالة فاز بتمثيل غالبية الشعب التركي، فهو إذا ممثل الشعب، ثم اتجه هذا البرلمان إلى إجراء تعديل دستوري يضمن للمرأة أن تلبس حجابها، بل تلبس ما تشاء، وأقر التعديل بغالبية مطلقة، بما يعنيه أن الشعب التركي هو الذي اختار أن يعطي الحق للمرأة في اختيار لباسها، ثم جاءت المحكمة الدستورية، لتمنع ما عدله البرلمان وتحجر على المرأة وكأنها قاصر، وكل ذلك باسم حقوق الإنسان والعلمانية وألفاظ أخرى لا معنى لها غير محاصرة الإسلام، والقضاء عليه وحاشا لله أن يحدث.
واتفقت المحكمة الدستورية التركية في هذا القرار المعيب مع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي رفضت بدورها التعديل البرلماني التركي، ومرة أخرى رأت هذه المحكمة أن هذا المنع يتم باسم العلمانية وحقوق المرأة.
فإذا كانت هذه حقوق الناس في الغرب المتحضر، فكيف إذاً ينظرون إلى حقوق الإنسان العربي أو المسلم، قد يكون حقه الموت بقبر ضيق، كما فعل إرهابيو الإدارة الأمريكية في العراق، فقد رأوا أن من حقوق الطفل العراقي قتلة سريعة خاطفة حتى لا يتعذب، فانهالوا على رأسه بصواريخ قادرة على تدمير بلد بأكمله، وهكذا ضمنوا له ميتة دون آلام وكمد.
عودة إلى القرار التركي الفضيحة، فهو يعني أن امرأة متحجبة لا يحق لها دخول الجامعة ولا التعلم فيها، ونحن نسأل في الجانب الآخر، لو أن امرأة نصف عارية أو حتى عارية درست في الجامعة ماذا يكون رأي المحكمة الدستورية التي تراعي حقوق الإنسان والعلمانية في قراراتها؟ هل تمنع هذه المرأة من الدراسة؟ أم أن من حقها أن تتعرى كيف تشاء، وليس من حقها أن تغطي شعرها بقطعة قماش صغيرة؟.
المحكمة الدستورية التركية لم تأخذ قرارها بحرية، هذا لا شك فيه، بل أثر عليها كل تكالب العالم المتحضر على الإسلام، ويعرف قضاه هذه المحكمة أن رسائل عديدة ستصل إليهم تهنئهم بقرارهم المجيد، تلك الرسائل لن تأتي عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة، بل هي عبارة عن توجهات عامة وتلميحات معروفة هدفها التضييق على المسلمين ثم على الإسلام، لينفر أصحابه منه ويهجروه ومرة أخرى حاشا لله أن يحدث.
منذ عشرات السنين وتركيا تقاتل سياسياً واقتصادياً لترضي أوروبا ، ولتصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، وما تركت وسيلة فيها إساءة للدين الحنيف إلا وفعلتها، إرضاء للغرب، ومع ذلك فلا يزال الغرب ينظر إلى تركيا على أنها بلاد إسلامية سيؤدي دخولها إلى الاتحاد الأوروبي إلى انعدام التوازن السكاني ويهدد النصارى في دينهم، هذا في الوقت الذي تدعي فيه كل أوروبا أنها بلاد علمانية وأنها فصلت الدين عن السياسة منذ وقت طويل، ويكفينا عبرة تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة التي ذكر فيها صراحة أن أوروبا مسيحية ولا يمكنها قبول تركيا المسلمة كعضو فيها، بينما لا تتوقف فرنسا عن القول أنها بلد علماني ولا علاقة فيها للدين بالسياسة.
الحق مع أوروبا، فلا علاقة للدين بالسياسة إذا تعلق الأمر باللواط والسحاق والشذوذ الجنسي وحث المراهقات على التخلي عن عذريتهن، أما إذا تعلق الأمر بالإسلام، فتتحول أوروبا إلى مسيحية عن بكرة أبيها.
كتابنا التغريبيون، صمتوا صمت القبور وخرست ألسنتهم، فهم يدافعون أيضاً عن حقوق الإنسان، على ألا يتعارض مع أهوائهم ورغباتهم، فلما أوقفت المحكمة الدستورية التركية الحجاب صمتوا فهذا عندهم لا يخالف حقوق الإنسان، لأن المرأة بلا حجاب أجمل والنظر إليها أمتع. ولهذا لم تجد المرأة المسلمة المحرومة من اختيار لباسها أحداً من هؤلاء ليدافع عن حقوقها واختيارها، أما في مسألة الختان فقد تحول أميو هذا التيار ليصبحوا أطباء ومحللين اجتماعيين وصرخوا آناء الليل وأطراف النهار دفاعاً عن المرأة المسكينة.
المشكلة ليست في تركيا ولا في أوروبا ولا في كتابنا المتصهينين، المشكلة ، في حكام المسلمين الذين لم يحركوا ساكناً لنصرة الأمة المسلمة.
فعندما قررت فرنسا إجبار المسلمات على خلع حجابهن ذهبت إلى مصر ليفتي لها شيخ الأزهر بأن من حقها أن تفعل ما تشاء. ولم تجد الحكومة الفرنسة أية صعوبة بفرض هذا القرار في غياب صمت عربي وإسلامي معيب.
ولكن كيف لنا أن نطلب من الحكومات العربية والإسلامية أن تقطع علاقاتها أو تسحب سفراءها من الدول التي تسيء لنا ولمقدساتنا، وهي الحكومات نفسها التي حسنت علاقاتها بأمريكا مثلاً لأنها احتلت العراق وشردت أهله، بل وكافأت مجرمي الإدارة الأمريكية على جرائمهم هناك. إن معظم الدول العربية والإسلامية، تتصرف وكأنها تبارك كل دولة تهاجم ديننا ورموزنا وأفكارنا، فيكفي لأي دولة في العالم أن تسب نبينا أو تضطهد إخواننا، حتى نحملها على الرأس ونضعها في العين، ونعقد معها الاتفاقات ونشتري منها الأسلحة.
لم يعد هناك معتصماً يثأر لامرأة واحدة فيدك عمورية مع رومها. فكم من امرأة حرة مضطهدة نادت وامعتصماه، إلا أنها أخطأت فما أنت بمسمع من القبور
دكتوراه في الإعلام – فرنسا