أحيت الحكومة الإيرانية يوم الثلاثاء الماضي الذكرى السنوية التاسعة عشر لوفاة مؤسس الجمهورية وقائد ثورتها آية الله الخميني والتي اعتاد النظام في مطلع شهر حزيران من كل عام إحياءها تخليدا للخميني ‘ الذي يطلق عليه الخطاب الرسمي لقب “إمام الأمة ” و يصفه معارضوه ” بقاهر الشعوب والمستضعفين ” ‘ وذلك لما لقيه المعارضون على يده من قمع شديد لم يسبق له مثيل في الدولة الإيرانية الحديثة التي أسسها عام 1926م رضا خان بهلوي والد الشاه محمد رضا الذي أطاح الخميني بنظامه عبر ثورة شعبية سنة 1979م بعد حكم دامت مدته خمسون عاما تقريبا اشتهر فيها بشدة القمع و الاضطهاد للمعارضة السياسية عامة والشعوب والقوميات غير الفارسية خاصة . إلا ان النظام البهلوي و على الرغم من شدة قمعه فقد تمكن أن يبنى للإيرانيين بلدا متقدما اقتصاديا وعمرانيا وثقافيا وعسكريا اعتر فريدا من نوعه في المنطقة قياسا بما كانت عليه دول المنطقة آنذاك. وتلك هي ربما كانت أحد أهم العوامل التي جعلت الأجيال التي عاصرت الحقبة البهلوية تترحم على الشاه وتتمنى لو عادت إيران إلى سابق عهدها وذلك لشدة ما تعانيه البلاد اليوم من حالة يمكن وصف الكثير من جوانبها بالمأساوية. وهذا لا يعني بضرورة أن الثورة وإسقاط النظام البهلوي كان خطاء ارتكبته الشعوب الإيرانية‘ بالعكس من ذلك فأن إسقاط النظام البهلوي كان أمراً لابد منه لكي يتعلم الحكام احترام إرادة الشعوب والاستجابة لمطالبها العادلة ‘ ويتعلموا أيضا إن القمع كل ما اشتد وطال أمده كلما سهل عملية الانفجار الشعبي. وهذا ما حصل بالفعل مع النظام البهلوي الذي اعتمد على السافاك ( الشرطة السرية ) في قمع المعارضين الذين اخذ يتزايد عددهم وتكثر مطالبهم كلما زاد قمع السافاك لهم.ولكن الفارق أن الشاه حين منع التعددية السياسية فانه قام بالمقابل على تمنية بلاده اقتصاديا و وفر فرص كبيرة للعمل ‘و أنشأ جامعات عصرية متطورة ‘ وعمل على تطوير طرق المواصلات البرية وصار يمتلك احدث أسطول جوي وبحري ‘وكانت الكهرباء وخطوط المياه الصالحة للشرب قد وصلت إلى ابعد النقاط في البلاد.ولكن ذلك ليس مبررا له بان يتفرد بالقرار ويحرم الشعب من حق المشاركة في السلطة ‘ ولهذا انتفض الإيرانيون بكافة قومياتهم و فئاتهم الاجتماعية و تمكنوا من إسقاط الشاه و إنهاء حكم الأسرة البهلوية على أمل أن يحضوا بعصر واعد تحترم فيه آرائهم و تتحقق فيه مطالبهم . غير أن ما حصل هو أن الخميني الذي كان آنذاك يمثل واجهة رجال الدين المعارضين لنظام الشاه ‘ تمكن من ركوب الموجة وعرف كيف تأكل الكتف بعد أن تهيأ له الدعم الخارجي بالصورة التي لم يتوفر لغيره من المعارضين حد الذي سخر فيه القسم الفارسي في هيئة الإذاعة البريطانية وكذلك القسم الفارسي في صوت أمريكا و راديو مونت كارلو وغيرها من الإذاعات الدولية ‘كافة برامجهما اليومية إلى الإشادة بالخميني وبث رسائله وخطاباته الصوتية وتلميع صورته و إبرازه على انه القائد الأوحد في المعارضة الإيرانية لنظام الشاه ‘ متجاهلة قادة آخرين كانوا قد سبقوا الخميني في معارضتهم لشاه وكانوا أكثر ثقافة وعلما منه ‘وكانت طروحاتهم السياسية أكثر انفتاحا و ديمقراطية من طرواحات الخميني الذي كان قد أدرجها في كتيب صغير بعنوان ” الحكومة الإسلامية ” وهو ملخصا لرؤيته في إقامة نظام إسلامي وكانت هذه الرؤية يعتريها الكثير من الضبابية والغموض حيث ركزت في مجملها على نقد سياسة الشاه وتعدد الجرائم التي كانت ترتكب آنذاك دون الغوص في تفاصيل المشروع السياسي الذي يحمله للحكومة الإسلامية التي يريدها. وهذا بحد ذاته كان أحد أوجه الخدع الكثيرة التي مارسها الخميني مع الشعوب الإيرانية ‘ فهو في كتيبه المذكور لم يتطرق إلى مسالة ” ولاية الفقيه ” التي أصبحت نصا دستوريا فيما بعد وتحولت إلى أداة تلغي جميع الآراء الأخرى التي لا تتطابق مع رأي الخميني ‘ وغدت سيفا مسلطا على راقب خصومه الذين تطايرت رؤوس عشرات وربما مئات الآلف منهم في مسلخ ولاية الفقيه المطلقة. ظاهرة المذابح الجماعية التي عمت أقاليم ومناطق الشعوب والقوميات غير الفارسية ‘ وعمليات تبيض السجون عبر حفلات الإعدام الجماعي للمعارضين ظاهرة امتاز فيها عهد الخميني ‘ كما أن دخول إيران في حرب ثمانية سنوات شنت على العراق تحت شعار ” تحرر القدس يمر عبر كربلاء ” كانت هي الأخرى بدعة خمينية لم تشهدها إيران من قبل. فإذا كانت إيران في العهد البهلوي قد دخلت في صراعات سياسية مع العراق وقامت بايعاز من بريطانيا باحتلال ثلاثة جزر إماراتية بسبب أطماع جغرافية توسعية ‘إلا أنها لم تذكر يوما مسألة تصدير الثورة ولم تتخذ من قضية فلسطين والمسجد الأقصى شعارا للقيام بالتدخل السافر في شؤون الدول العربية ‘ حيث أن قضية فلسطين لم يكن لها وليس لها إلى الآن في الثقافة الشيعية أي مكانة تذكر‘ و إنما أوردها الخميني في خطاباتها السياسية لتكون مجرد شعار للتغطية على نواياه التوسعية وتبريرا لحرب السنوات الثمانية التي لم يجني منها الإيرانيون سوى الخراب والدمار وقتل أكثر من مليون شخص ‘ ناهيك عن ملايين الجرحى والمهجرين و تحطيم الاقتصاد وتفشي الفقر و الفساد في المجتمع الإيراني . والأمر من ذلك أن الخميني كان شديد الأسف على وقف هذه الحرب الملعونة حسب ما جاء في كلمته المشهورة التي حفظها الصغير والكبير ” أني أتجرع السم على قبولي وقف إطلاق النار ” فانه وبدل يشكر الله على وقف إطلاق النار بين البلدين ويحمده تعالى على وقف نزيف المسلمين من أبناء البلدين فانه قد أبدى أسفه على عدم تمكنه من رؤية قتل المزيد من أبناء الشعوب الإيرانية و أبناء الشعب العراقي .
حكم الخميني إيران ما يقارب العشرة سنوات اتسمت بأبشع صور الظلم و الاضطهاد والقمع السياسي والتفرقة العنصرية والطائفية ‘ وحين مات بعلته المعروفة( سرطان المعدة ) فانه قد أورث للشعوب الإيرانية ‘ التي استبشرت الخير بموته ‘ ما لم يكن يتصوره الإيرانيون و العقلاء جمعاء ‘ حيث وبعد مضي تسعة عشرا عاما على وفاته فان العقلية الخمينية و غطرسته الكهنوتية وتخلفه الفكري و السياسي ما تزال هي الحاكمة اليوم في إيران. فهذا هو خليفته المرشد الأعلى للثورة ” آية الله علي خامنئي “الذي لا يجيد سوى الشتم والسب و إطلاق التهديد والوعيد لمعارضيه ‘ يتربع اليوم على كرسي ولاية الفقيه التي لا يفقه منها سوى اسمها و هو أشبه بالدمى التي تدار بيد تجار البازار ورجالات الحرس الثوري الذين أصبحوا المهيمنين على مفاصل السلطة ضاربين بيد من حديد كل من تسول له نفسه إطلاق صيحة اعتراض على السياسة التي تدار بها البلاد. لقد ترك الخميني لإيرانيين سلطة جبارة و رئيسا مهووس لا يجيد سوى مقولة واحدة ” سنزيل إسرائيل من الوجود وسيظهر المهدي المعود!” ‘ وقد أصبح يكررها يوميا على مسامع العالم ‘ وهذا الرئيس هو نموذج للقيادة الإيرانية التي أصبح أعضاءها يتعاركون بينهم على ما إذا كان زواج المتعة ( الدعارة المشرعنة ) أكثر أم اقلها نفعا للمجتمع الإيراني. ولا أحد يدري هل زوال ( إسرائيل) على يد الرئيس احمدي نجاد سوف يصلح الاقتصاد الإيراني المنهار و يوقف تمزق المجتمع الذي أصبح عدد المدنين على المخدرة فيه يتجاوز الثلاثة ملايين شخص ‘ و إذا ما كان هذا الشعار سوف يحد من بيع الفتيات الإيرانيات في معارض النخاسة التي تقام في بعض البلدان المجاورة ‘حيث أصبحت فنادق و كازينوهات دبي وتركيا وغيرها من الدول المجاورة الأخرى تعجبهن؟. هذا ناهيك عن ظاهرة أبناء وبنات الشوارع التي باتت تعج بهم شوارع طهران والمدن الإيرانية الكبرى ولا أحد يعلم من أين آتوا و من هم أهليهم حيث بعضهم هرب من شدت الفقر وبعضهم طرد لإدمانه على المخدرات والبعض الآخر يعيش في الشارع لأنه ابن متعة وليس له أب يعترف به.
هذا كل ما أنجزه نظام الخميني لإيرانيين و هناك شيء آخر كثير لا يتسع المجال لذكرها.
صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي
03/06/2008