من المؤكد أن الاستثمارات هي المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد لوطني, وهي التي تحرك بقية عوامل الإنتاج للتضافر جميعا في بناء مشاريع تعود بالفائدة على المجتمع, ومن الطبيعي أن الاستثمارات الوطنية هي أفضل من الاستثمارات الأجنبية في حالة كون الشركات الوطنية قادرة على إقامة المشاريع للحفاظ على العملة الأجنبية من الرحيل إلى الشركة الأجنبية, وكذلك لإمكانية تطوير الشركات الوطنية وخلق المنافسة فيما بينها وعلاوة على استثمار الأيدي العاملة الوطنية, كما إن الشركة الوطنية تخضع إلى سلطة قانون الدولة في حالة الإخلال بالعقد, ورغم أن هذه القاعدة يؤخذ به بشكل عام لكن التجربة المرة في العراق أثبتت بشكل لا يقبل التأويل بأنه ليس بإمكان حكومة الاحتلال أن تقاضي هذه الشركات الأجنبية عندما تخل بعقودها والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى ومنها على سبيل المثال حصول شركة كوستر باتليس على عقد تأمين حماية المطار لشراء أجهزة تكشف المتفجرات بالكشف ألشعاعي وصرفت الملايين لشرائها وكانت النتيجة كما يحدثنا المفتش الأمريكي للجيش” لم أرى أجهزة لكن في النهاية تمكنت أن أرى كلبا مدربا واحدا فقط! وتبين ليً انه كلب عادي وغير مدرب وفي وقت اختباره أخذ بالنوم أمام العربة التي من المفترض إنها مليئة بالمتفجرات “؟
إن أي مشروع اقتصادي يحتاج إلى دراسة الجدوى منه قبل الشروع فيه ومن المؤكد إن المشاريع لا تكون اعتباطية أو كيفية وإنما توضع وفق خطة اقتصادية متكاملة للبلد, وتعطى الأولوية لبناء المصانع والمعامل التي يمكن بواسطتها سد الحاجات الاستهلاكية المحلية وبالتالي أن تقلل الطلب الخارجي من السلع المستوردة, وهذا لا يلغي أهمية المشاريع الخدمية, ولكن لكل بلد ظروفه الخاصة ومشاكله وتطلعاته وأسبقياته في خطط التنمية والأعمار, ومنذ الغزو الأمريكي لبلادنا لم نشهد بناء أو على الأقل ترميم وإعادة تأهيل المصانع التي دمرها الاحتلال أو نهبت على أيدي اللصوص الكبار منهم والصغار, ومنها مصانع الألبان والتعليب والأقمشة الخياطة والأسمنت والآلاف غيرها, وقد أدى ذلك إلى تفاقم نسبة البطالة التي وصلت إلى ما يقارب 75% من الأيدي العاملة العراقية, وقد دفع هذا الوضع الكثير من الشباب إلى الانخراط في الميليشيات أو أجهزة الشرطة والجيش.
وبالرغم من تأكيد رئيس الوزراء المالكي بأن عام 2008 سيشهد نقلة نوعية عن طريق تطوير الاقتصاد والنهوض بالصناعة العراقية, ولكننا أمضينا خمسة أشهر من العام دون أن نشهد أي تطور اقتصادي وتنموي فقد مضى نصف العام في الصولات من صولة الفرسان في الجنوب إلى صولة أم الربيعين في الموصل, ولم تتطور خلال هذه الأشهر الماضية إلا صناعة الموت التي شهدت نقلة نوعية كبيرة وهي من مداهمة البيوت الآمنة إلى مداهمة المحافظات.
من بين ركام هذه الأوضاع خرج علينا محافظ كربلاء عقيل الخزعلي ليكسر قاعدة الجمود الاقتصادي مبشرا بالثورة الصناعية الجديدة والتي ستبدأ من كربلاء, وحمدنا الله على هذه البشرى ولكن الفرحة لم تدوم طويلا فقد بددها المشروع الغريب؟ المفاجأة إن الثورة الصناعية لم تبدأ بإعادة تأهيل معمل تعليب كربلاء أو بقية المعامل المجمدة ولا بناء مصنع جديد يستقطب العاطلين عن العمل في المحافظة, المشروع لم يكن بناء فندق لائق خمس نجوم للزوار والسائحين ولا تطوير مشاريع الماء والكهرباء أو فتح المجاري المغلقة؟ المشروع هو بناء مرآب على مساحة(450) فدان في منطقة فريحة يتسع لحوالي(3) آلاف سيارة من مختلف الأحجام, وبتكلفة(10) مليار دينار عراقي؟ يا للهول لو أقيم هذا المشروع في بريطانيا لم كلف هذا المبلغ فكيف في فريحة المحروسة؟
لا نريد أن ندخل في تفاصيل المشروع لأن المحافظ لم يفصح عنه ولم يبين لنا كيف تم اختيار شركة قبرصية للقيام به, علما أنه لا توجد سفارة عراقية في قبرص لتتابع الموضوع أو حتى يمكن أن تقاضي الشركة في حالة الإخلال بالعقد, وسبق أن عقدت شركات قبرصية عقودا في العراق وأخلت بها دون أن تتمكن الحكومة العراقية من مقاضاتها!
من جهة أخرى نستغرب الاستعانة بشركة قبرصية, ونتساءل أين هي الشركات العراقية التي كانت تنافس أفضل شركات المقاولات في العالم مثل شركة المنصور والفاو وغيرها؟ وأين شركات القطاع الخاص العراقية؟
لم نعرف عن قبرص إنها بارعة في مجال المقاولات والإنشاءات ليتم اختيارها من بين بقية الشركات العالمية لتتولى بناء المشروع الخزعلي؟ كما إن المعماريين العراقيين كما هو معروف من أفضل المعماريين في العالم ولا نعرف إن كان السيد المحافظ قد سمع بالمهندسة العراقية زهاء حديد ابنة الوزير المرحوم محمد حديد وهي تشيد أفضل المعالم العمرانية في أمريكا وكندا واسبانيا وبريطانيا وغيرها من دول العالم المتقدم.
إن كان العقد قد تم وفق صيغة” شيلني وأشيلك” فنقول للمحافظ ( ألف ألف زقـ…..) فأموال الشعب العراقي المبتلى بكم إن كانت تريحكم في حياة الدنيا فإنها ستؤمن لكم نار جهنم في الآخرة وبأس المصير خالدين فيها أنشاء الله معمرين إلى أبد الآبدين.
رحم الله يوسف عمر كأنه يعرف ضحالة أفكاركم وموت ضمائركم عندما تغنى بكم( لا أريدهم لا أريد جيتهم علية يا دكة عقيل دكة خزعلية”.
ضحى عبد الرحمن
كاتبة عراقية