نبيل أبو جعفر / باريس *
غيّروا اسمها من “زئير الأسد” الى “أم الربيعين” وقالوا انها تستهدف القاعدة وأنصارها لا أكثر !
آخر أكاذيب الإحتلال وأتباعه تفضحها حقائق المقاومة في شوارع الموصل
إدّعوا اعتقال 60% من “الإرهابيين” المطلوبين والقاعدة تتحدّى الإعلان عن اسم واحدٍ منها.. فأين الحقيقة ومن الذين تمّ اعتقالهم إذن؟
صحيفة الواشنطن بوست تكشف كيف يُدفن قتلى الأميركان في العراق بمقابر قتلى فيتنام.. بهدف التمويه!
إستيقظ أهالي مدينة الموصل صباح الأربعاء 4 حزيران الجاري على مشهد أعداد كبيرة من شباب المقاومة العراقية وهم ينتشرون في شوارع المدينة وساحاتها مع أسلحتهم وسياراتهم ، وقد كانوا من مختلف الإنتماءات الوطنية. هذا ما وافتنا به الأنباء التي أشارت الى أن هذا الإنتشار جاء تحدّيا صارخا لقوات الإحتلال وأتباعها بعد إعلانهم عن أن عملية ” تنظيف ” المدينة قد انتهت بنجاح كبير ، وأن بؤر “الإرهاب” قد قضي عليها وانتهى الأمر . فما هي الحكاية ، وماذا تقول التفاصيل ؟
هذه حقائق هجمة الكلاب المسعورة على أسود ” أم الربيعين ” .
منذ فترة ونحن نسمع عن استعداد قوات الاحتلال وحكومة المالكي في العراق لشن معركة الموصل، باعتبار هذه المدينة المعقل الأخير لـ “الإرهاب”، والمقصود بذلك – لمن يعرف الموصل وتاريخها الوطني وطبيعة أهلها ونسيجها الاجتماعي – رجال المقاومة فيها، وضباط جيشها الوطني الذي حلّته سلطات الاحتلال.
لكن ضرب الموصل أصبح يستدعي طريقة إخراج خاصة تستند الى أسباب وذرائع غير تلك التي تمّ الاستناد إليها لضرب البصرة والمناطق الأخرى ، وحتى أحياء بغداد وضواحيها . ذرائع لا تبدو مفضوحة ويمكن إعتبارها حجّة “صارخة” بمنطق الإحتلال والحكومة المعيّنة من قبله ، أي مثلما حدث في الفلّوجة عام 2004 ، حين قام أهالي المدينة بتصفية أربعة من المرتزقة الذين يعملون مع القوات الأميركية، فكان قرار استباحتها وتدميرها على رؤوس أهلها، وعدم استثناء أحد حتى الأطفال ، وهو ما شهد به مؤخراً الكاتب الاميركي ديفيد ليندورف ، مؤلف كتابه “حالة اتهام بالخيانة”، في مقال كتبه لشبكة الأخبار الاميركية “كاونتربنغ”، كشف فيه لأول مرّة عن جوانب لم تكشف سابقاً حول تفاصيل عملية التصفية الجماعية التي نفّذها الجيش الأميركي بحق أهل الفلّوجة، مدفوعاً بقرار من بوش شخصياً يقضي بعدم استثناء أطفال المدينة من العقاب الجماعي، وعدم السماح لهم بمغادرتها، واعتبار كل يافع منهم يبلغ من العمر 12 سنة مقاتلاً وعدوّاً ، شأنه شأن “الارهابيين” الذين قتلوا أربعة من جنوده!
إنه مجرم حرب
واستشهد ليندورف في مقالته بشهادة أخرى لمراسل نيويورك تايمز (فلكنز) الذي شهد تلك الواقعة ، قال فيها ان الأطفال من عمر 12 سنة فما فوق أُعيدوا الى الفلّوجة ، بعد محاولتهم الخروج منها مع النساء وكبار السن حين تمّ تطويقها من قبل القوات الاميركية. ثم – وهو الأبرز – اعتبر ليندورف رئيس بلده بصريح العبارة أكبر مجرمي العصر، وطالب بمحاكمته كمجرم حرب وفقاً للمادة الرابعة من اتفاقيات جنيف، وقال إنه إذا كان الكونغرس ضعيفاً وعاجزاً في هذه الأيام عن حماية الدستور الأميركي إلاّ أن ولاية بوش ستنتهي قريباً، ويحق عندها لأي قاضٍ في أي بلد أن يُصدر مذكرة جلب بحقّه – وفقاً لحق العدالة الدولية – كما فعلت إسبانيا بالنسبة لبنوشيه الذي أُلقي القبض عليه من قبل الشرطة البريطانية.
المهم هنا، أن عملية العقاب الجماعي والتدمير الشامل التي بدأت قوات الاحتلال وحكومة المالكي بالإستعداد لتنفيذها منذ زمن بحق أهل الموصل لم تمكّنها فصائل المقاومة الوطنية من التحكّم بتوقيتها كما تلريد ، ولم تُعطها الحجّة ” الصارخة ” كتلك التي تذرعت بها في هجمتها على الفلّوجة، فلم يكن أمامها بعد طول تردّد إلاّ اختيار عذرٍ مفضوح لم تحقق على طريقه أي هدف مما أرادت، رغم إعلانها عن بدء هذه العمليات منذ أكثر من شهر، والتخبّط في التعبير عمّا أنجزته فيها، وحتى في تسميتها لها!
من المستهدف الحقيقي؟
فبعد أن أعلنت حكومة المالكي منذ شهور عزمها على شنّ هجمة تصفّي من خلالها “شأفة الإرهاب” في الموصل، ثم قامت بتأجيل تنفيذ هذه الهجمة مراراً، اضطرت تحت الإحراج من استمرار تردّدها الى الاعلان عن بدء عملية أطلقت عليها اسم “زئير الأسد” – في تبعيّة عمياء للأميركان والصهاينة فيما درجوا عليه حتى بتسمية عملياتهم الإجرامية ـ وحدّدت هدفها بـ “مطاردة عناصر شبكة القاعدة“.
وكان أول تساؤل يطرحه عامة الناس: هل جماعة القاعدة هي المستهدفة فعلا وأساسا ، أم أن هناك من هم أكثر استهدافاً منها في هذه المدينة المعروفة بتاريخها النضالي؟
ثم، هل يستدعي مواجهة “العناصر” الآتية من خارج الحدود ـ كما يتردد ـ ومهما بلغت قوتها، كل هذا التردّد والتأجيل تلو التأجيل من قبل الاحتلال والحكم معاً، أم أن المطلوب مواجهتهم أكثر رسوخا وأشدّ خطرا من هؤلاء خطر ، وهم الضاربون جذورهم في الأرض من أبناء المدينة ، الأعرف بها والاكثر ارتباطاً بتاريخها ونضالاتها ، وأن الهدف من هذه الهجمة – عدا الانتقام الجماعي من البشر والحجر كما حصل في الفلوجة – تحقيق أهداف طائفية وعرقية من خلال تهجير أهلها، وهم أغلبية معارضة للاحتلال وحكمه الصفوي – الكردي، وإحلال جماعات من طوائف واقليات أخرى مكانهم؟
لقد كذّبت حكومة الأميركان في العراق مراراً وتكراراً على نسق ادارة بوش وأسلوبها. كذّبت عندما أعلنت عن “تنظيف” هذه المنطقة وتلك من رجال المقاومة ثم سرعان ما تبيّن العكس، ولعل الأخبار شبه اليومية الآتية عن فعاليات المقاومة من أبناء مدينة الفلّوجة المدمرة بالذات تؤكد ذلك .
ومثلما كذّب بوش بُعيد وقوع الإحتلال عندما أعلن من فوق المدمّرة التي حملته الى منطقة الخليج أن المعارك انتهت، بعد أن نصحه أحد الضباط في اللحظة الأخيرة أن لا يقول بأن الحرب انتهت، فقد كذّب المالكي أيضاً عندما أعلن بلسان الناطق باسم وزارة الداخلية أن عملية “زئير الأسد” قد انتهت، في الوقت الذي لم تَدُرْ فيه معارك ولا مواجهات، وهو ما اعترف به الناطق نفسه”!”، بل اقتصرت العملية على مداهمة البيوت واعتقال المشتبه فيهم ومعظمهم من ضباط الجيش الوطني الذي جرى حلّه، والكفاءات العلمية كأساتذة الجامعات والقوى الوطنية والقومية المناهضة للإحتلال.
الغباء المزدوج
إن كل ما حصل في الموصل منذ بداية عملية “زئير الأسد” التي تم تغيير إسمها الى “أم الربيعين” ليس أكثر من عملية إذلال مقصودة لأهل المدينة الذين يتميزون بصفات نضالية تغيظ الإحتلال وتناقض صفات أتباعهم المختبئين في المنطقة الخضراء ، وقد اكتشفت قوات الاحتلال والحكم معاً غباءهما من وراء التسمية الأولى نظراً للتبجح الكاذب والمبالغ فيه ، فضلا عن عدم مطابقتها مع ما يمارسانه من قهر لأهل هذه المدينة وانتقام من هوّية معينة لصالح مآرب طائفية وعرقية، وقد وصلت الى حدّ اعتقال الإبن أو الأخ أو الأب إذا لم يتمّ العثور على الشخص المطلوب“!”
لهذا السبب، كان تغيير الإسم ضرورياً، لكن الغباء نفسه دفع القائمين على العملية الى الإعلان عن أن “أم الربيعين” عملية أخرى، لا علاقة لها بالأولى التي انتهت بالنجاح بعد أن حققت هدفها في “مطاردة عناصر شبكة القاعدة الإرهابية”، وأن هدف العملية الجديدة يتحدّد في “ملاحقة الإرهابيين والذين ارتكبوا جرائم ضد القوات الأمنية..”! فما الفرق بين هذه وتلك؟ وكيف يمكن إقناع العالم بوجود عمليتين لا عملية واحدة أخذت لنفسها اسمين مختلفين لأسباب مدانة في كل الأعراف والقوانين؟
لا ريب أن المقاومة العراقية تدرك أكثر من غيرها، وبحكم تجربتها النضالية أن هذه الهجمة الطائفية الشعوبية التي تشنها قوات الاحتلال وحكمها في المنطقة الخضراء ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي تعلن استهداف تنظيم القاعدة والإرهاب، في الوقت الذي تستهدف فيه فصائل المقاومة العراقية بمختلف تنظيماتها وانتماءاتها الوطنية.
فالإعلان عن استهداف “القاعدة” أمرٌ يمكن التصريح به وحتى ادعاء “البطولات” فيه بالنسبة للبعض – خصوصاً في هذه الأيام – لكن الإعلان عن استهداف المقاومة الوطنية فوق أرضها وداخل وطنها المحتل أمر لا يختلف على الموقف منه أي اثنين وطنيين في أي زمان ومكان.
من نصدق كلام القاعدة أم المالكي؟
وعلى أي حال، فإن العودة لتصريحين رسميين أحدهما للقاعدة والآخر لوكيل وزارة داخلية المالكي والمقارنة بينهما تعطينا فكرة لا مجال للتشكيك فيها حول الجهة الحقيقية المستهدفة من هذه الهجمة على الموصل.
ففي تصريح وكيل الداخلية أن 60% من الارهابيين المطلوبين في الموصل قد تمّ اعتقالهم وتحويلهم الى الاستخبارات لاستجوابهم.
وفي تصريح متلفز بالصوت والصورة لأحد مسؤولي “القاعدة في بلاد الرافدين” جاء فيه أنه يتحدّى القوات الاميركية وحكومة المالكي أن تُعلنا عن اسم “مجاهد قاعدي” واحد تمّ اعتقاله أو تصفيته“!”
وإذا صحّ أن هناك 60% أو 20 أو حتى واحد بالألف قد تمّ اعتقالهم.. فكيف يمكننا أن نُفسّر عدم وجود ” قاعدي” واحد بينهم، في الوقت الذي تطالعنا فيه الأخبار عن اعتقالات بين العشائر والضباط والمناضلين ، من شباب البعث والأحزاب القومية والتقدمية والإسلامية الذين يناهضون الإحتلال وأتباعه ؟!
يقولون أن حبل الكذب قصير، هذه حقيقة لا يدحضها أحد ، وهي تعبّر عمّا نراه ونسمع به كل يوم سواء من قبل الاحتلال أو أتباعه أو في أي مكان ومن قبل أي كان.
آخر الأكاذيب الكبيرة والتي ستفضحها الأيام أكثر وأكثر، طالعتنا به صحيفة الواشنطن بوست الأميركية في تعليق لها/عدد 26 أيار /حول عدد القتلى الأميركان في العراق، بمناسبة الاحتفال باليوم السنوي لقتلى الحرب ، وقد استهزأت فيه من رقم 4085 قتيلاً فقط حسب البيانات الرسمية.
وجاء في التعليق أنه في هذا الاحتفال الذي أُقيم بالمقبرة الرسمية في أرلينجتون بولاية فرجينيا، وقد حضره بوش ومعه وزير دفاعه غينس – وهي مقبرة تضم قتلى حرب فيتنام – تقدّم مراسل الصحيفة من سيدة شابة تحمل طفلها الرضيع وسألها عن قرابة الطفل للعسكري القتيل، فأجابته: “إنه إبنه “!
ونظراً لأن قتلى حرب فيتنام قد مضى عليهم حوالي خمسين عاماً – كحدّ وسط – فإنه من سابع المستحيلات أن يكون هذا الطفل ابن عسكري قضى في تلك الحرب. والتفسير الوحيد لذلك – حسب رأي الصحيفة ورأينا – أن قتلى الحرب في العراق أصبح الكثيرون منهم يدفنون في مقابر قتلى حرب فيتنام ، سعيا وراء طمس الحقيقة والأرقام عن أعين الرأي العام والعالم ، وإن كانت هذه الحقيقة واضحة ومفضوحة أمام أعين ذوي القتلى أنفسهم !
… إنها الإدارة الأكثر إجراماً في التاريخ .