د.كمال متولي
استدعت تصريحات وزير المالية الي ذاكرتي قرارا المجموعة الاقتصادية سنة 1977 وكان يرأسها أستاذ في الاقتصاد ومعه نخبة منهم استقلوا بمخططاتهم عن جماعة الحكومة وكان يرأسها ضابط شرطة يتميز بالشجاعة والنزاهة والمرونة آثر ألا يصطدم برغبتهم في الاستقلال بأعمالهم عنه وعن الحكومة لأنهم جماعة ذات خبرة. انفردوا وعرضوا مجموعة قراراتهم الاقتصادية علي المجلس لتكتسب القرارات شرعيتها…. وما أن صدرت حتي اشتعلت مصر من أقاصيها وقطع السادات رحلته في أسوان وعاد مجتمعا مع مجلس الوزراء لاغيا لكل هذه القرارات مع اتهامه لثورة الشعب بأنها ثورة حرامية الأمر الذي دفع عضوا في الوزارة جم الأدب وعالم كيمياء الي أن ينفرد برفع يده ويقول للسادات “سيادة الرئيس عندنا في الكيمياء خاصية الاشتعال الذاتي للمواد الناتج من الضغط عليها” اسقط في يد السادات ولم يعلق وترك لهذا الوزير الفرصة لتستفيد بعلمه مؤسسة دولية ….. ثم عاد وأتي به فكان الوزير الذي يخرج ويعود في ظل النظام القائم.
عندما بشرت وسائل الاعلام وأبواقه الناس بحدث تاريخي وفي جلسة تصدرها الرئيس وبجواره رئيس الوزراء استدعي وزير المالية وأسر اليه قولا فلما أجاب انشرح صدر الرئيس وابتسم وأعلن أنه قرر منح منحة تاريخية 30% وتصرف من موازنة العام الحالي 2007/2008 ومال الناس سكاري من فرحة طاغية ثم ما لبثوا أن فوجئوا برفع لأسعار ورسوم كان نصيب الفرد فيها من تكاليف الانتقال 35% فقط عندما أعلن محافظ القاهرة نسبة الزيادة فردد الناس قولا متداولا “يا فرحة ما تمت أخذها الغراب وطار … لكنه هذه المرة لم يكتفي بالفرحة بل أخذ معها ما هو أهم منها ألا وهو ثقة الناس في خلفيات قرارات سياسية اقتصادية سيادية! لقد اتسعت فجوة عدم الثقة بين الناس والحكومة, اتسعت لقتل أحلامها واستبدال الترحة بالفرحة , كما اتسعت لتنامي اعدا القرارات العشوائية غير المدروسة, فمع قناعة الجميع بأن الضريبة حق المجتمع يتساءلون ما فلسفة اعفاء دور العلم منها؟ ثم ما هي المتغيرات التي طرأت علي الفلسفة لتسقط الاعفاءات؟ ثم هل فكرت عند الغاء الاعفاءات في نقل عبئها علي الطالب؟ بل انها باركت ذلك عندما يصرح الوزير بأنه مسموح الرفع في حدود من 20 – 30% لكن امبراطورية التعليم الخاص أعلنت علي الجميع حجم الزيادة المطلوبة مع القسط الأول وحده؟ … لن استرسل في الأمثلة لكنني مشفق علي الحكومة من القشة التي تقسم ظهر البعير!
في هذا الجو المشحون لم يفكر وزير المالية في تدبير احتياجاته من النفقات والتي يفترض أنها تكون مقابل عائد حتي الأمنية منها حيث أنه لا يتصور أن تتجاوز نفقات الحراسة ما تحرسه , أمر يذكرني بقصة راع أتي بكلاب لتحرس غنمه من الذئاب وكان يذبح لها كل يوم شاة الي أن تجاوز عدد الكلاب الغنم ولم تجد الكلاب ما تطعمه الا الراعي. الناس تري وتلمس مظاهر لانفاق السفهي في أمور عدة من سيارات مخصصة لشاغل الوظيفة وأسرته وملابس شخصية تجاوز ما يتقاضاه ومن حفلات ومآدب تشبع العيون لرؤيتها وتفيض الي غير مستحق بل وتلك الصيغة التي تغلف موازنات بعض الجهات بالسرية وأهم أسرارنا وهي الخاصة بالسلاح مباحة لدي الغير وهو الذي نأتي منه بالسلاح وهو الذي يعلم أدق تفاصيل مواردنا ونفقاتنا ولو تمتعت هذه العناصر بالشفافية لكان المجلس النيابي المنتحب انتخابا حرا مباشرا نزيها لأقدر علي ضبط الموازنة خاصة وأن المجالس النيابية ظهرت لتحد من سلطات الملوك من فرض الضرائب علي الناس كلما ظهرت لهم حاجة الي مال أو مزيد منه…. لو تمهل الوزير وأعمل معه الحكومة لضغط النفقات غير المبررة والمبالغ فيها ولأغناه ذلك عن زيادة أسعار وعن فرض رسوم وعن الغاء اعفاءات ولأراح الناس ولضيق فجوة عدم الثقة بين الناس والحكومة.
وفي هذا الجو المشحون بالغضب وانفلات الأعصاب بمؤشر لا يخفي أحد متمثلا في تزايد جرائم القتل لأتفع الأسباب وأكثرها اقتصادية يأتي الوزير بمشروع قرار ضريبة عقارية أبرز ما فيه أنه يفرض ضريبة علي غير دخل وقد قضت المحكمة الدستورية بعدم فرض ضريبة علي الأرض الفضاء لأنها بلا غلة, وأن فرضها هو ازدواج ضريبي وهو غير دستوري أيضا, ثم يفترض زيادة في القيمة بتقديراته كل خمس سنوات يرفع بها الضريبة … وهم قائم علي أن صاحب العقار المؤجر يرفع القيمة الايجارية كل خمس سنوات فهل سيجد ساكنا ليدفع؟ وفي ظل اقتصاديات السوق ينخفض الطلب علي الوحدات العقارية يكسد سوقها ونعود لزمن الثلاثينيات عندما كان المالك يبخر شقته ببراز كلب ليجد ساكنا!!! أم أنه يرغب في امتداد الكساد الأمريكي بعد كارثة التمويل العقاري-والذي أثر في اسواق العالم- واضطرار الناس للتخلص من عقاراتهم واستكمال الوفاء بالتزاماتهم بالتصرف في المدخرات وإن لم توفي باعوا ممتلكات أخري فانخفضت القوة الشرائية, الأمر الذي دفع بعض الكتاب الي اقتراح دخول أمريكا حرب جديدة ترتفع بدخول مقاتليها القدرة الشرائية!!
حقا لقد ذكرني تغيير الضريبة كل خمس سنوات طبقا للقيمة السوقية دون أن يتغير عائدها بوزير خزانة في عهد عبد الناصر طلب من الوحدات الانتاجية تقدير برامجا الانتاجية وحجم المبيعات المتوقعه ثم طالبها أن تورد للخزانة الضرائب المستحقة علي المبيعات المتوقعه في بداية كل فترة توقع أي كل ثلاثة أشهر … ولم تنتج الشركات بعد أو تبيع فكانت العاقبة أن الشركات عجزت عن الصيانة والاحلال والتجديد وبدأ انحدار الصناعة المصرية حتي وصلنا التصفية والبيع والمعاش المبكر اقلالا للخسائر النراكمة!! وقد كانت جميع هذه الشركات متميزة في انتاجها ولها أسواقها حتي في الدل التنافسية. ربما قلل من احتمالات الانفلات أن لعبد الناصر كاريزما يخاطب نبض الجماهير في كل خطبه بسيط هو ومن حوله بعيدين جميعا عن أي مظاهر استفزازية في شعب فقير, حتي أنه أمر باحضار سيارة بحقائب علي صبري من المطار عقب عودته من موسكو فحمّل علي صبري مدير مكتبه المسئولية واستغني عن خدماته!
اليوم مختلف وقد ظهرت أنياب الرأسمالية الوطنية وصارت الرأسمالية متوحشة بلا قلب وبلا بعد اجتماعي تعمل بأموال غيرها وتشاهد لناس الاحتكار والمجلس التشريعي عاجز عن اتخاذ قرار بينما سعر الحديد مثلا ارتفع من 3650 جنيه للطن في نوفمبر 2007 الي 7500 جنيه في أبريل 2008 أي أن سعر الطن تجاوز الضعف في أقل من 6 اشهر وعجزت الحكومة عن التصدي بل زادتها بأنها لم تسمح بمد أجل التخصيص فأجبرت الناس علي زيادة الطلب! نفس القصة بالنسبة للاسمنت وقد زاد من 385 جنيه للطن الي 550 جنيه للطن في نفس الفترة وخاماته محلية. ومن أمثلة تلك الرأسمالية المستغلة آلاف الأفدنة من حق الشعب بيعت لمستثمر خاص بمئات من الجنيهات لكل فدان ثم يقترض عليها وبضمانها في ذات السنة مقدرا قيمتها بأكثر من 15 مثل ثمن الشراء! القروض من مدخرات المواطنين وأرض الدولة ملك وحق شعبها فكيف يسمح بهذا التراكم الرأسمالي دون حساب زمن؛ من ذا الذي ساءل المتسبب المستفيدأو اقتضي حق المجتمع منه! … ترحم الناس علي أيام عبد الناصر وقد كان حسه بنبض الجماهير يحول دون تعاظم اللهب عندما يحس ببدايته فمعظم النار من مستصغر الشرر!
نعود للضريبة العقارية وقد فرض علي المالك المستفيد بملكه ذات الضريبة العقارية وقد كان معفيا منها , ومن غير المتصور في ظل اقتصاديات السوق أن تحدد الحكومة للمواطن ايجار الوحدة لتبني عليه ضرائبة وهي عاجزة عن حماية ذات المواطن من الاحتكار ينهشه تسلطه كما تنهشه رسومها وأسعار خدماتها الاحتكارية …. والساسة قد يبدون غافلين عن كل هذا والأصل فيهم أنه يحترفون اللعب بالممكن والممكن لا يكون الا بين أحياء ذوي ارداة لا بين أنصاف الأحياء وقد صاروا كما مهملا في حسابات الساسة.
لا أريد أن أطيل, وأنصح الحكومة بالرجوع الي نقطة التوازن عندما تقارن بين عائد مشروع يبدأ بعد ثلاثة سنوات ومجتمع ليس بحاجة الي نقطة وقود أخري