موقع الكتروني عربي من باريس أطلق على نفسه “موقع كل الشرفاء من الكُتاب والأدباء العرب”، وما أن تبدأ تجول في هذا الموقع تجد على زاويته اليسرى عنوان يقول لنا” قاطعوا قناة الجزيرة وصحيفة القدس بوقان أسسهما الموساد” ، وكاتب في موقع آخر يتحدث عن السم الذي تدسه الجزيرة في العسل من أجل تمرير ما تريد للمشاهد على حد تعبير الكاتب، هذا جزء بسيط من الهجمات الإعلامية التي تتعرض لها قناة الجزيرة الفضائية بشكل يومي إلى جانب صحيفة القدس العربي في بعض الأحيان، والملفت للنظر أننا نحن الفلسطينيين من أكثر من المهاجمين لقناة الجزيرة الفضائية، ولصحيفة القدس العربي ورئيس تحرريها عبد الباري عطوان، وكأن الاختلاف في الرأي بات جريمة.
فتارةً نتهم الجزيرة بالتطبيع مع الاحتلال عبر عرض وجهة النظر الإسرائيلية من على شاشتها، وبعض الأحيان نتهمها بالتحيز لصالح طرف فلسطيني ضد آخر، وإن هذه القناة تعمل من أجل التحريض اشتعال الحرب الداخلية الفلسطينية، وهناك من يروج إلى أن “مركز بيرس للسلام” هو احد المساهمين في هذه القناة، وعلى المستوى العربي لم تكن الاتهامات للجزيرة أقل حدة من تلك التي تواجهها على الساحة الفلسطينية، ففي مصر اعتقل مراسليها واتهموا بفبركة أفلام عن تعذيب الأمن المصري لمواطنيه، وكأن القمع في مصر بحاجة لفبركة وغير موجود على رؤوس الأشهاد، وفي لبنان اعتبرت الجزيرة في صف حزب الله، وإنها تسعى للتخريب في الوضع اللبناني، ناهيك أن بعض الدول العربية تمنع الجزيرة حتى من العمل على أراضيها مثل السعودية، إلى جانب المضايقات في المغرب وتونس والجزائر.
والذي يثير الاطمئنان بالنفس تجاه هذه القناة هي أن معظم المنتفضين ضد قناة الجزيرة هما الأنظمة الرسمية العربية والموالين لها، أو بعض الكُتاب والشخصيات السياسية التي لم تفرد لهم قناة الجزيرة مساحة على شاشتها بالشكل والوقت الذين يريدون، وهذا ما حدثنا به مراسل إحدى الفضائيات العاملة في فلسطين (بالمناسبة ليس من مراسلي قناة الجزيرة) “إن كل سياسي أو مسئول يريد منا نصب كاميرا خاصة به أمام منزلة”، وهذا الكلام يعطينا الأرضية التي ينطلق منها المعظم تجاه قناة الجزيرة وغير الجزيرة، فمعظمها مواقف مبنية على آراء ومسائل شخصية، أو منطلقة من آراء مسبقة تجاه بعض الفضائيات كونها لا تدعم وجهة نظر هذا المسئول أو ذاك الحزب أو تلك الجماعة.
فعندما يتحدث البعض عن الدور “التطبيعي” الذي تمارسه قناة الجزيرة بتنا لا نعرف ما مفهوم التطبيع، ففي الوقت الذي تعرض فيه الجزيرة وجهة النظر الإسرائيلية من على شاشتها تأتي بمن يواجههم ومن يحاججهم في وجهات نظرهم، ولا تفرد لهم شاشتها لقول ما يشاءون وينصرفوا هذا أولاً، وعندما نرفض “النهج التطبيعي” للجزيرة لماذا لا نرى نفس الموقف من النشاطات السياسية وغير السياسية عبر ما يسمى بالمؤتمرات الإقليمية والحلقات الدراسية مع الإسرائيليين رغم دوام الاحتلال ومجازره اليومية ضد الشعب الفلسطيني، لماذا لا ينتفض مهاجمي الجزيرة ضد سياسييهم ومسئوليهم في علاقاتهم مع الإسرائيليين الذين يجبون العالم العربي دون حسيب أو رقيب، وبات فهم وتفسير البعض للتطبيع بنفس الفهم والتعاطي الأمريكي مع مفهوم الإرهاب وفق معطيات ونظم النظام العالمي الجديد.
وعندما نتهم الجزيرة بالتحريض على الفتنة الداخلية فإننا نعطي انطباع بأن الوحدة الوطنية في فلسطين ولبنان بألف خير وإن الجزيرة تأتي لتزرع الخراب فيها، فعلى الصعيد الفلسطيني لدينا من أدوات الفتة والتحريض الداخلي ما تكفي لإشعال حرب عالمية ثالثة في ظل وسائل إعلام فلسطينية شغلها الشاغل صب الزيت على النار لتحقيق مآرب ساسة لقيادات تنظيمه على حساب قضية وطنية، وفي ظل ساسة وقيادات قسم ينشد المفاوضات وقسم ينشد التهدئة مع الاحتلال دون نية أو استعداد لتحقيق حوار أو مصالحة داخلية، بالتالي إلقاء اللوم على غيرنا لا يغير من الحقيقة بشيء، وفي لبنان الواقع ليس بأفضل حال من واقعنا للفترة التي سبقت اتفاق الدوحة، فالحرب الإعلامية والتصريحات السياسية مستعرة بين المولاة والمعارضة ولكل منهم له جزيرته الخاصة به مستغلاً إياها في حربه ضد خصومه.
وبدلاً من سياسية الردح والقدح ضد الجزيرة وغير الجزيرة الأحرى بالمحرضين على بعض وسائل الإعلام أن يوجهوا أقلامهم وانتقاداتهم للداخل الفلسطيني والوقوف في وجه كل وسائل الإعلام والإعلاميين المحرضين بغض النظر عن تبعيتها التنظيمية، وفي وجه كل القادة والمليشيات والتنظيمات المحرضة من أجل إغلاق حلبة الصراع الداخلي وللأبد من أجل خلق وحدة وطنية حقيقية لصالح المشروع الوطني، هذا إلى جانب دعوة الجهات الرسمية إلى خلق وسائل إعلام فلسطينية قادرة على حمل الرسالة والأهداف الوطنية إلى كل أنحاء العالم وبكل اللغات، وتوفير الإمكانيات المادية والفنية لمثل هذا الإعلام.
وعودة لموضوع قناة الجزيرة فإن الدور الإعلامي الذي تقوم به على صعيد قضيتنا الوطنية فيه من الجهود الإعلامية التي تستحق التقدير والثناء، فناهيك عن متابعة جرائم الاحتلال بالصوت والصورة وبشكل يومي، لا زالت الجزيرة تبث سلسلة حلقات متتالية عن النكبة الفلسطينية حتى اليوم في الوقت الذي نسي فيه سياسيينا وإعلامنا وتنظيماتنا هذه النكبة قبل مرور أربعة وعشرون ساعة على ذكراها ليكملوا دورهم في تعزيز النكبة الجديدة نكبة 14 حزيران 2007، ففشلنا الإعلامي لا يكون حله باتهام الآخرين بُكرةً وأصيلا، كما أنه لا يجوز تقييم كافة وسائل الإعلام من منطلق قربها أو بعدها من الموقف الفلسطيني فقط مع أنه معيار هام وأساسي، فإن كانت الجزيرة تدس السم في العسل تبقى أفضل من وسائل إعلامنا التي تجرعنا السم خالصاً بدون مُقبلات.
* – كاتب فلسطيني