إن قرار الحكومة الجزائرية مجددا،اقتطاع المزيد من الأراضي الفلاحية التي ثبت إهمالها وبقاؤها دون استغلال أو استصلاح لعدة سنوات، وتحويلها وعاءات عقارية لاحتضان مشاريع وبنى تحتية،أو استغلالها فيما ينقع أمر على غاية من الأهمية ، وحسب وزير الفلاحة السيد بركات: “أن عقوبات صارمة وردعية و كذا غرامات مالية ثقيلة ستطبق في الأشهر القليلة المقبلة ضد الخواص مالكي الأراضي الذين يمتنعون عن خدمتها و يتركونها بورا عرضة للتصحر، و هو ما يهدد مباشرة الأمن الغذائي الوطني”، مشيرا إلى إحصاء أزيد من مليون و 800 هكتار من الأراضي التابعة للدولة و للخواص كأراضي بور غير مستغلة.
فالفلاحة تعتبر من أكثرالأنشطة حيوية في تاريخ الإنسانية، لارتباطها الوثيق بحياة البشر،أصنافها متنوعة تختلف من منطقة لأخرى في العالم حسب اختلاف المقومات البيئية الطبيعية منها والبشرية، تلعب دورا هاما في حياة الإنسان والحيوان الذي هو جزء من نتاجها،والفلاحة نشاط اقتصادي يقوم على الزراعة و تربية المواشي و الدواجن،وهو صنفين: تقليدي يعتمد عل الوسائل البسيطة والعمل اليدوي وعصري يعتمد عل الوسائل و التقنيات الحديثة مما يؤدي إلى اختلاف في المرد ودية،ووفرة الإنتاج وربح الوقت ،والفلاحة تدخل ضمن القطاع الاقتصادي الأول،إذ تشغل حوالي 45% من السكان على المستوى العالمي، و تتمثل أهمية الفلاحة أساسا في توفير الغذاء و الشغل و تنشيط القطاعات الأخرى الاقتصادية منها والصناعية .أنظر الصراعات الدولية وعلاقتها بالأمن الغذائي( الصومال السودان – العراق ..الخ )،وحتى بعض المشاكل المحلية كتلك التي شهدنها الجزائر في نهاية القرن الماضي.
والمعلوم أيضا أن البشرية كثيرا ما تلجأ إلى القطاع ألفلاحي لتجاوز أزماتها الغذائية، وقد عرف العصر الحديث عددا من الأساليب والإجراءات والتنظيمات من أجل تحسين وضع القطاع،فقد تأسس مثلا الاتحاد الدولي للمنتجين الفلاحيين الذي يتكون من المنظمات الممثلة للفلاحين في المستوى الوطني. سنة 1946م على إثر الحرب العالمية الثانية لمواجهة آثار الحرب وتتولى المنظمات الأعضاء به تمويله وتسييره من خلال أمانة عامة تسهر على تطبيق القرارات المصادق عليها من طرف الجلسة العامة واللجنة التنفيذية.
كان الدور الأساسي لهذا التنظيم الدولي هو إقامة تعاون فعلي بين مختلف منظمات المنتجين الفلاحين المنضوية تحت لوائه بهدف تحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لجميع هؤلاء الذين يحصلون على مصدر رزقهم من الأرض، ومواجهة المستجدات كالكوارث الطبيعية – فيضانات ،زلازل ،جفاف، وغاية الحكومات امتصاص البطالة ومكافحة الجوع. نشير في هذا الصدد إلى أن قرار الحكومة الجزائرية،باقتطاع المزيد من الأراضي الفلاحية التي ثبت إهمالها وبقاؤها دون استغلال مجددا واستصلاحها وتحويلها وعاءات عقارية ، يدخل حسب اعتقادنا في سياق البحث عن أسلوب لتحقيق الأمن الغذائي، وهو قرار كبير يجعلنا أمام سؤال جوهري تتمحور حوله أسئلة عديدة هي:هل سينجح عبد العزيز بالخادم اليوم حيث أفشل مولود حمروش قبل 18عاما؟.
من المعلوم أن مولود حمروش لم يكن يريد استرجاع الأراضي التي وزعت بعد إلغاء نظام تعاونيات التسيير الذاتي وقانون الثورة الزراعية في شكل مستثمرات قلا حية، أبدا ،لأنه كان يعلم أن قطار الخصخصة قد أنطلق ولن يتوقف سيره،وكان يذرك جيدا الضغوط الدولية الاقتصادية منها والاجتماعية، لكنه حسب علمنا كان يهدف إلى التقليل مخاطر فساد هذا القطاع الحيوي،بقطع الطريق أمام السماسرة والمضاربين،بأملاك الدولة العابثين بمصير الشعب وهو دفعه ما في بداية التسعينيات إلى نشر قوائم المستفيدين من المستثمرات الفلاحية وفضح هوياتهم (مسئولين في الدولة-أعوان الاستعمار قياد ،وحركي-وحتى الأقدام السوداء من اليهود والمرتزقة الذين تغلغلوا وسط الجماهير) وهو الإجراء الذي لقي معارضة شديدة من الموالاة والمعارضة الناشئة التي استغلت ما يعرف بمالكي الأراضي والمعروفون بالمتملكين عام 1871على يد قادة الاحتلال كمكافأة لهم على مساعدته،فأجتمع بهم جمال الدين حبيبي والرجل الثاني في جبهة الإنقاذ في تجمع ضخم بعين الدفلى ورفعوا لائحة إلى الحكومة حينها،وعصفت الرياح بحمر وش وحكومته،وبكل من قال “لا للفساد والاحتكار والتلاعب بحقوق المواطنين والعودة إلى عهد الخماس”واتهم المخلصون بمعاداة الإسلام،وعرقلة الحرية الفردية، والتراجع عن الديمقراطية الخ ،رغم أن الأغلبية الساحقة حينها مازالت تؤمن بأهمية الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج كأداة لمواجهة المتاعب.
إن قرار حكومة بالخادم إذا،مظهره جميل وباطنه مبهم لا لأنه جاء متأخرا فحسب ولكن لكون بالخادم كان يحتل مكانة مرموقة في الهيئة التشريعية حينما شرع لخصخصة الأراضي بمراسيم ضربت بالدستور وقوانين الجمهورية عرض الحائط، والمستفيدون كانوا بالأمس ومازالوا في أماكنهم بل تمكنوا أكثر من التحكم في دواليب التمفصل الهيكلي لمؤسسات الدولة ودواليب الاقتصاد ولن يستطيع معهم صبرا
ومن ناحية أخرى فإن الفساد الذي احل بالقطاع طيلة 18عاما وفوضى العقار قد تأصلت في عمق ثقافة العامة ،فلم يعد اليوم أحدا يؤمن بالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ،ولم يعد أحد يكترث بما يتخذ من قرارات في هذا المجال، فقد عمت الفوضى واستفحلت الأنانية وطغت أساليب التحايل وصوره،وساد الفجار،وخاب المخلصون ،هذه الأرضية التي صدر فيها القرار إذن، قد تكون سببا لا في عدم جدواه فحسب بل في فشله وانهيار أساسه.