((مابين السطور))
قبل عدة سنوات “2005” حدثت جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني/ رفيق الحريري, وكانت جريمة إرهابية بشعة تم التخطيط لها بعناية, ونفذت بوحشية لا تحتمل الخطأ, من حيث قوة التخطيط والتفجير, ورغم أن جهازي الإجرام”MOSAD & S.I.A ” تقف وتحتكر معظم عمليات الاغتيال السياسي في عالمنا العربي والإسلامي, إلا انه تم بواسطة من يصطادون في مياهنا العكرة, الإشارة الغير مباشرة بالبنان إلى الجمهورية السورية ومخابراتها وحلفائها في لبنان, كنظام يقف خلف عملية الاغتيال تلك, مستغلين بذلك التناقضات والإشكاليات على الساحتين اللبنانية والسورية, ومن ثم باتت الأرضية خصبة لإمكانية ابتزاز النظام السوري, والضغط على القيادة السورية, بما يضمن عدم تدخلها المشروع وغير المشروع في الشأن اللبناني, بل تجاوز استثمار تلك الجريمة في مواجهة سوريا, إلى التلويح بعدوان صهيوني يسقط النظام والإيحاء ببعض الحق الذي يراد به باطلا من قبل الغرب والأمريكان, أن سوريا باتت خارج الحاضنة والعمق العربي, ومن السهل التفرد بها وافتراسها.
فبدأت الحلقة الأولى باستصدار قرار أممي تحت الفصل السابع, وما أكثرها من قرارات نافذة ابتزازية على الساحة اللبنانية, بدء بالقرار”1559″ والقاضي بنزع سلاح حزب الله, ومرورا بالقرار”1701″ والقاضي” بعودة حزب الله إلى حدود الليطاني, والإفراج عن الأسيرين الصهيونيين, وبحث مسالة الأسرى اللبنانيين, وصولا إلى القرار القاضي بإنشاء المحكمة الدولية, وتحت حد هذا السيف السياسي, رغم أن الجهات صاحبة الشأن في لبنان وخاصة عائلة الشهيد/ الحريري لايعنيهم سوى تحقيق العدالة والوصول إلى المجرم وعقابه, أي المسار الجنائي السياسي, لكن لم يخفى على احد بان الولايات المتحدة وأطراف أوروبية ولأسباب بعيدة كل البعد عن دائرة اغتيال الحريري, أرادت استخدام سيف المحكمة الدولية, من اجل إجبار سوريا على ترسيم حدود تدخلاتها السياسية , قبل الحاجة إلى تحديد وترسيم حدودها الجغرافية مع لبنان, واعتقد أن الولايات المتحدة على غرار نموذج أكذوبة الأسلحة النووية والكيميائية في العراق, ومن ثم انتهاك سيادة الدولة وإسقاط النظام والاستيلاء على الثروات, وإزالة الخطر العراقي من أمام الربيبة الصهيونية, بتفتيش القصور الرئاسية والمؤسسات الحكومية, واستجواب كبار المسئولين دون الاعتبار لأي حصانات ودون الحاجة لمحكمة دولية محايدة, فان هذا النموذج من طرف الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين معد سلفا بتشجيع إنشاء وعمل المحكمة الدولية في لبنان, والتخلص من أي مسوغات تدفع باتجاه أي حقيقة, لأنهم أرادوا للحقيقة كما يرسموها هم ويوجهونها صوب أهدافهم السياسية, وقد أنشأت تلك المحكمة الدولية خاصة بتلك الجريمة, وقد تم تغطية موازنتها مسبقا ممن يعنيهم الوصول إلى الحقيقة, ولكنهم يعلمون جيدا, إن الولايات المتحدة وحلفائها, لايعنيهم سوى صياغة حقيقة تناسب مشروعهم السياسي الاقتصادي المنصهر والمندمج” الأوسطي المتوسطي”.
وبعد أحداث لبنان المأساوية والتي كادت أن تعصف بلبنان ووحدة توليفته الطائفية المستقرة, واقتراب بدء عمل المحكمة الدولية على الأرض اللبنانية والسورية, زاد الضغط المباشر وغير المباشر على المستوى السياسي السوري وحلفاءه اللبنانيون, مما استدعى من سوريا دبلوماسية الحكمة وإسقاط المخطط, وقد ساعدت بشكل ملموس على انفراج الأزمة في لبنان, كما حدث في اتفاق الدوحة, وعدم تعطيل سوريا لهذا التوجه والاتفاق كما توقع بعض المراقبين.
الكيان الإسرائيلي التزم الصمت كعادته في بادئ الأمر , لم يعترف بشكل رسمي ولم ينفي وقوفه خلف جريمة اغتيال/ رفيق الحريري, فحتى النفي لايبرئهم, لذلك كانت دائما الأيدلوجية الإجرامية الصهيونية,تستغل الأوضاع المتناقضة والمتفجرة في العالم, ليقوم ذراعها الإجرامي”الموساد” بتنفيذ جرائمه تارة لحسابه, وتارة بالوكالة لحساب آخرين والمنافع متبادلة, فلا يعترف ولا ينفي, كما هو الحال بامتلاكه للترسانة النووية وعدم توقيعه على اتفاقية حضر انتشار الأسلحة النووية, لا ينفون امتلاكهم للسلاح النووي التدميري الشامل, ولا يعترفون بامتلاكه, مع علم الجميع بأنهم يمتلكونه, ويتركون المجال لغيرهم ليضع سقف ذلك الامتلاك إلى 20 قنبلة نووية, وأخيرا طل علينا المجرم الخطير”جيمي كارتر” ليوصل رسالة الردع بالنيابة عن أربابه الصهاينة, أن لدى الكيان الصهيوني”150 رأسا نوويا” الأهم في ذلك أن الكيان الإسرائيلي, وحتى في صمته عن جريمة لا يخشى من الدولة التي ترتكب فيها ولا من أهل المغدورين والمشمولين بالجريمة, وإنما صمت لأهداف تكمل استثمار تلك الجريمة, وربما يتبين لاحقا, في حال ثبوتيات لن تقدم ولن تؤخر على الكيان الصهيوني الذي يعتبر فوق القانون, إن الصهاينة لم يقصدوا اغتيال الحريري لذاته, وإنما لأهداف إستراتيجية تتقدمها المحكمة الدولية, لإدانة سوريا وانتهاك سيادتها وتهديد نظامها, ومن ثم ابتزازها سياسيا في ساعات الصفر, لزجها في معترك التسوية السياسي, كل شيء وارد في برتوكولات بني صهيون, وحلفائهم البروتستانت.
الغريب في الأمر, ونحن في زمن لا غرابة فيه إلا للحقيقة المرفوضة, انه وبعد انخراط سوريا بشكل رسمي في عملية التسوية, والمفاوضات الغير مباشرة أو شبه المباشرة, بالوساطة التركية على مستوى القمم السياسية, أن تطل علينا تسريبات صهيونية إعلامية, ولا شيء من فراغ, وكل تسريب خلفه أهداف سياسية خطيرة,حيث ألقيت القنبلة الإعلامية الأمنية حسب احد المواقع الإخبارية الصهيونية بمفاجئة مفادها (((وقال موقع ‘فيلكا’ الإستخباراتي العبري:’ إن الكولونيل (أمان رؤفين أرليخ) أعترف بارتكاب المخابرات الصهيونية جريمة اغتيال الحريري’, مشيراً إلى أن قتل الحريري أدى لسيطرة أمريكا على لبنان ونفع الإستراتيجية الإسرائيلية.))) ورغم انه منذ اللحظات الأولى لاغتيال الرئيس/ الحريري وجهت أصابع الاتهام للصهاينة والأمريكان, إلا أن استثمار الخلافات الداخلية بين سوريا وحلفائها اللبنانيين من جهة وبين الجهات السياسية اللبنانية المتحالفين ضد الوجود السوري في لبنان, كانت لقمة صائغة أمام الصمت الصهيوني, والإدانة الأمريكية, لكي يتم حرف المسار ليعاد توجيه بوصلة الإشارة بالمسئولية الغير مباشرة, وأحيانا بأصوات خافتة خبيثة إلى النظام السوري وحلفاءه, وسط المجهول, خاصة بعد اكتمال مسلسل الجريمة اللاحق باغتيال كل من” جورج حاوي وإيلي حبيقة” ليتم حبك اتجاه البوصلة وميدان الضالعين في الجريمة.
وهنا تثار عدة تساؤلات, خاصة وان القيادة السياسية الصهيونية, لم تنفي رسمي كعادتها أو تعترض على تصريحات الكولونيل”أمان ارليخ” فماذا يعني ذلك؟ وهل يأتي ذلك متزامنا مع تفعيل مسار المفاوضات الجادة مع سوريا؟؟ وان كانت هذه الحقيقة التي أرادت القيادة الصهيونية إعلانها في هذا التوقيت, وبشكل غير رسمي وعدم اعتراض كعادتها الصهيونية الخبيثة؟؟؟ هل تقصد تخفيف الضغط على سوريا ودفعها إلى مزيد من الثقة في مفاوضاتها مع الكيان الصهيوني, كمقدمة لتسوية وسطية على هضبة الجولان, باتفاقية تضمن عدم الجلاء الكامل, أو بترتيبات أمنية وقوات دولية ومحطات إنذار مبكر؟؟؟ هل هذا الاعتراف الصهيوني يأتي كعربون نوايا صادقة, ومؤشرات لسوريا كي تقدم على عملية التسوية, وربما بعض التنازلات”لان العملية تسوية!!” وهذا الاعتراف بالجريمة, لتبرئة ساحة سوريا من شبهة الضلوع في اغتيال الحريري؟؟؟؟
وفي مثل هذه الحالة, مافائدة المحكمة الدولية لدولة وذراع صهيوني إجرامي فوق القانون؟؟؟ هل سنرى غدا مطلبا لبناني بناء على هذا الاعتراف, والاعتراف سيد الأدلة!!! مطالبين بمحاكمة المجرمين الصهاينة أمام هذه المحكمة, التي ولدت من رحم الأمم المتحدة, ومجلس أمنها, وتحت طائلة سيف فصلها السابع؟؟؟ وهل هناك طرف ثالث واتفاق أوعز للكيان الصهيوني, بتوقيت الإعلان عن هذه المسئولية الإجرامية بصراحة المجرم, غير المكترث لا لمحاكم دولية, ولا لعنتريات انتقامية؟؟ لأنهم يعلمون أن خصمهم العربي فاقد الإرادة؟ وقوته إنما تم تقنينها وتأميمها, لصراعات عربية عربية ليس إلا!!!
الحقيقة أن هذا الاعتراف يحتاج إلى وقفة وتحليل وتمحيص دقيق, ليس لان احد سيدعي بان الكيان الصهيوني لم يرتكب الجريمة, وأراد إنقاذ سوريا من شبهة الاتهام, وبالتالي تدشين عمل المحكمة الدولية لنتيجة الصمت والعدم, لترتد من حيث أتت, وينتفي أهمية وجودها, وذلك لأننا ربما لن نسمع بعد ذلك بأي صوت من اللاعبين السياسيين الرئيسيين ليتحدث في إجراءات لعقاب المجرم الجاني, طالما كشف عن وجهه القبيح المعروف بجرائمه ودمويته, بل وفي هذا الوقت بالذات تحدث مفارقة غريبة التوقيت ربما لتأكيد وتثبيت تبني جريمة اغتيال/ الحريري بشكل لايقبل, اللبس ولا التأويل والتقويل صوب جهة أخرى, حيث يتم كشف ملف قديم من ملفات الجريمة, ليثبت أن وزيرة خارجية الكيان الصهيوني” تسيبي ليفني” ذات العلاقة الحميمة ببعض العرب, أنها تقف خلف اغتيال العديد من القادة الفلسطينيين, لاغرابة في ذلك وإنما الوقفة لماذا هذا الإثبات والاعتراف الآن, فكان بالإمكان التجني على العدو السوري وابتزازه في ساعة الذروة, بعصا المحكمة الدولية وانتهاك سيادته وتهديد نظامه؟؟؟!!!
ربما أنني كنت منكبا على كتابة مقالة بعنوان(( سقوط ركائز الصراع وانهيار الدعامات العربية)) وجاءت مقالتي هنا لكي انهي تلك المقالة وادمجها بهذه المقالة وفي نفس السياق المتوقع, حيث أنني قصدت بالركائز وفق الإستراتيجية الأمريكية والصهيونية, كل من ”جمهورية مصر العربية, والجمهورية العربية السورية” انطلاقا من إستراتيجية ثابتة مفادها,((( لاحرب دون مصر, ولا سلام دون سوريا, والمملكة الأردنية الهاشمية, والجمهورية العربية اللبنانية, وفلسطين))) وقد سقطت الركيزة الأولى بتنازل مؤلم كما يصفه الصهاينة, والتخلي عن سيناء بشرط تكبيل خاصة حسب اتفاقية” كامب ديفيد, وكذلك الحال على المسار الأردني واتفاقية “وادي عربه” والخروج من ملعب الصراع, والآن يتم التركيز جديا على المحور الثالث وجزء المعادلة الثاني”لاسلام دون سوريا” على أمل التوصل خلال فترة وجيزة لاتفاقية سلام صهيونية _ سورية يتم بموجبها إعادة هضبة الجولان بصياغة وترتيبات سياسية وأمنية كما سيناء والأغوار الأردنية, وكذلك حصر لبنان باتجاه تلك التسوية والانسحاب من “شبعا وكفر شوبا” وتدويلها مرحليا, وقد ذكرت سبب تقنين التدويل مؤقتا, لحين اكتمال التسوية مع سوريا, والهدف سحب الذرائع التي تبقي سلاح حزب الله تحت سيطرته وليس تحت سيطرة سيادة الدولة اللبنانية, وبالمقابل إحداث تسوية ما على الساحة الفلسطينية, ربما خلال الأعوام القادمة, وباختصار, قصدت بالدعائم التي تسقط تلقائيا بسقوط الركائز, هي الدول العربية التي لا تخضع للتسميات العبثية الهزلية”” دول الطوق ودول الردع!!!” ونجد أن العديد من دول الدعائم لم تنتظر نهاية مشهد التسوية لتعلن عن ميلاد شرق أوسط ومتوسطي قبل أوانه, وتهرع خلف تطبيع سياسي بلغة البرجماتية, وأحيانا بأعذار أقبح من ذنب” طالما أصحاب القضايا يجرون محادثات وسلام مع الكيان الصهيوني” فليس جريمة من علاقات اقتصادية وتجارية وسياحية وثقافية,,, حدث لاحرج.
السؤال الملح هل عملية الاعتراف هذه تأتي في نفس هذا السياق؟ من اجل إرهاصات بزوغ الشق الثاني للمعادلة الإستراتيجية” لا سلام دون سوريا”؟؟؟ أم سقط سهوا ذلك الاعتراف الإجرامي للجريمة الإرهابية المنظمة, التي ما توقفت في تاريخ هذا الكيان الصهيوني المسخ؟؟؟ وما هو مصير التهليل والتطبيل, والتهديد والوعيد, للمحكمة الدولية؟؟؟ هل ذهب دم الحريري هدرا لمجرد اعتراف الكيان الصهيوني باغتياله؟ وبالتالي فأي شخص يتم اغتياله بأيدي صهيونية, يعتبر إرهابي وضد السامية, دون تحقيق ودون لزوم لأي احتجاج أو عقاب؟؟؟؟
مليون سؤال وسؤال ستجيب عليها الشهور القادمة!!!!!