ويبدو أن ذلك الشعور كان خادعا؛فلعل كل ما قرأته وما سمعته ليس إلا جزءا صغيرا من الحقيقة؛حقيقة الكيان العبري،وكيفية إدارته،والدور المرسوم لساسته،وليس الذي رسمه الساسة كما نظن أحيانا؛فوجود مجموعة أو مجلس أو حكومة خفية تحرك الكيان العبري وتقرر سياساته وتوجهات زعمائه وقادة أحزابه،أمر حقيقي لا وهم ولا خيال،وهناك شواهد عديدة تؤكده خلال العقدين المنصرمين.
من المعروف أن كل دولة لها جيش باستثناء دولة واحدة هي «إسرائيل» فهي عبارة عن مؤسسة عسكرية تجسد الجيش الذي يملك دولة؛ولهذا حكم الكيان العبري من قبل جنرالات حرب انضموا بعد إنهاء خدماتهم إلى الأحزاب السياسية ،ثم خاضوا الانتخابات وتنافسوا فيما بينهم ووصلوا إلى رئاسة الوزراء….طبعا لا نغفل أن العديد من قادة الكيان الذين تولوا رئاسة الوزراء كانوا رجال عصابات مارست أعمال القتل والتخريب ضد الفلسطينيين والعرب إبان الانتداب البريطاني ،وبعد إنشاء الكيان على أشلاء ودماء الشعب الفلسطيني،تحولت تلك العصابات إلى قوى عسكرية نظامية تمارس ذات الأعمال الإجرامية ولكن تحت مسمى «تساهال» أي جيش الدفاع!
ولكن هل كل رئيس وزراء ،وصل لهذا الموقع عبر صناديق الاقتراع له حرية التصرف،أم أن رؤساء الوزراء الصهاينة ليسوا إلا أدوات أو أشخاص لهم وظيفة يؤدونها،وخلفهم مجموعة سرّية تحركهم وتوجههم؟
من مسار الكيان خلال العشرين سنة الماضية يتبين لنا أن الحكومة السرية ودعونا نتفق أن اسمها «مجلس حكماء صهيون» هي المتحكم بالسياسة العامة للكيان العبري ،وأيضا-وهذا في غاية الأهمية- تتحكم في المنظمات اليهودية حول العالم ،خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أنها منظمات فاعلة ومؤثرة في رسم سياسات الولايات المتحدة الخارجية.
دعونا نستعرض بعض المحطات في تاريخ الكيان القريب:-
1) في عام 1992م وبعد الحرب على العراق بقيادة جورج بوش الأب وبعد مؤتمر مدريد،؛خسر الليكود الانتخابات العامة وجاء العمل بقيادة رابين،هذا تزامنا مع سقوط بوش في الانتخابات الرئاسية الأمريكية،حيث امتنع اليهود في امريكا عن دعمه مقابل منافسه كلينتون لأنه تجرأ وانتقد الاستيطان رغم أنه حطم أهم قوة عربية عسكرية ممثلة بالجيش العراقي،وشهدت المنطقة آنذاك تحولات جذرية تمثلت بتوقيع اتفاق أوسلو ووادي عربة،وطرح مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه شمعون بيرس؛وسادت الخطاب الإعلامي مفردات «تحقيق السلام ومحاربة التطرف»،وسمح للرئيس عرفات بالعودة ورفع العلم الفلسطيني وسلمت سلطات الاحتلال غزة وأريحا بشكل جزئي…ولكن ما لبث يهودي متطرف أن قتل رابين في ظروف لا يزال يكتنفها كثير من الغموض،وتولى بيرس رئاسة الوزراء بشكل مؤقت،ولكنه خسر أمام منافسه اليميني بنيامين نتنياهو،رغم أن بيرس في سبيل الوصول إلى رئاسة الوزراء نفذ عملية اغتيال المهندس يحيى عياش في قطاع غزة (مطلع عام 1996م) ومجزرة قانا الأولى(نيسان 1996م) في جنوب لبنان…وجاء نتنياهو إلى رئاسة الوزراء وظل يقود خلال ثلاث سنوات من حكمه ائتلافا حكوميا ضعيفا ومهددا ،وخاض معارك عديدة على الساحة الفلسطينية كان أبرزها انتفاضة النفق (صيف عام 1996م) وعزز الاستيطان،ولكن نتنياهو لوحق بتهم الفساد وتلقي الرشاوى ،وحدث أن حققت معه الشرطة لمدة عشر ساعات متواصلة،في ذات الوقت كان كلينتون الذي أعلن أن سياسته تتمثل بضمان أمن إسرائيل وضمان تدفق النفط والاحتواء المزدوج لإيران والعراق،يتعرض بدوره لفضيحة أخلاقية كبيرة وهي ما عرفت بفضيحة «مونيكا لوينسكي» والتي حاول التغطية عليها،أو بالأحرى دفع ثمن السكوت عنها بهجمات من سلاح جوه ضد العراق المحاصر والمدمر…هل كان كل هذا صدفة!
2) خسر نتنياهو وجاء إيهود باراك وكان فوز الأخير على منافسه متوقعا ،ليس لأنه من حزب العمل الساعي لسلام مع العرب،وهي أكبر كذبة في تاريخ الكيان،بل لتاريخه العسكري الدامي المليء بجرائم قتل غادرة ضد قادة فلسطينيين،ورغم الفرح الرسمي والإعلامي عربيا وفلسطينيا بمجيء باراك إلا أنه فور فوزه أعلن لاءاته الشهيرة وشكل طاقما من المعاونين العسكريين….وصولا إلى كامب ديفيد2 وحتى انتفاضة الأقصى التي شكلت نقطة تحول دراماتيكية في الصراع لم يسلّم باراك أي سنتيمتر مربع واحد للسلطة الفلسطينية،وانتهى حكمه الذي استمر عشرين شهرا،ليقذف الكيان آخر ملوكه أو رجالات الجيل المؤسس لدولة الاحتلال وهو شارون…
3) شارون وصل في ظل وصول جورج بوش الابن في ظروف مشبوهة لرئاسة الولايات المتحدة ،وكلنا يتذكر حكاية العد الآلي في ولاية فلوريد؛ونستطيع القول الآن أن ثمن الوصول للبيت الأبيض دفعه جورج بوش ليبقى فيه دورتين كاملتين ،نعم لقد تجلى ذلك في خطاب بوش وفي حملاته العسكرية الجنونية متذرعا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م وهي أيضا أحداث عليها علامات استفهام كثيرة وكبيرة،ولست أنا من يضع تلك العلامات بل أناس متخصصون وباحثون كبار من أمريكا ومن خارجها…فهل كان وجود بوش وشارون صدفة؟ولقد قام شارون بممارسة هوايته القديمة وهي القتل والتدمير بحق الشعب الفلسطيني ومحاصرة الرئيس عرفات وصولا إلى التخلص منه جسديا؛ولكن صمود المقاومة وصلابتها أجبرا الجنرال العجوز على التخلي عن أبنائه ومناصريه وهم سكان المستوطنات ،فأخلاهم من غزة بعد أن كان يردد ان مصير «نيتساريم» يقرر مصير تل أبيب…وفجأة اختفى شارون ولكن ليس كرابين قتلا ولا عبر صناديق الاقتراع التي جلبته وظل فيها متفوقا ويقود ائتلافا حكوميا نادرا في قوته،ولكن غاب بـ«غيبوبة» وعلينا أن نفكر وأن نضع في حساباتنا أن هذه الغيبوبة ليست مجرد صدفة؛وهم يسربون أنها خطأ طبي غير مقصود،ولم لا نحذف كلمة «غير» من هذا التسريب؟!..بالمناسبة لقد فتحوا لشارون ملفات فساد طالت ولديه «عومري و جلعاد» فهل كان كل هذا صدفة يا ترى؟
4) جاء إيهود أولمرت الذي ورث حزب كاديما الذي أسسه معلمه شارون ومنصب رئاسة الوزراء ،وقاد ائتلافا حكوميا خاض حربا ضد حزب الله فتحطمت هيبة جيشه واهتز ائتلافه،وكان يفترض أن يرسله تقرير فينوغراد إلى منتجع يكتب فيه مذكراته ،ولكن تدخل بوش الظاهر وتدخل «مجلس حكماء صهيون» الخفي منع ذلك ونجا أولمرت…
مهم هنا أن نتوقف عند عهد أولمرت فلسطينيا؛فرغم أن أولمرت تولى منصبه في ظل تراجع حاد للمقاومة والانتفاضة الفلسطينية خاصة في الضفة الغربية ،إلا أن عملية أسر الجندي «جلعاد شاليط» انطلاقا من غزة شكلت تحديا كبيرا له فشن حملة على غزة هدد فيها وتوعد وأرغى وأزبد ثم انكمش…وصول أولمرت تلاه إجراء انتخابات تشريعية في الضفة والقطاع فازت فيها حركة حماس وشكلت الحكومة العاشرة وبدأ التوتر يسود الساحة ،ثم شكلت حكومة وحدة وطنية برعاية سعودية رفضها أولمرت ولم يتورع بتوجيه كلام قاس للرئيس عباس،ولكن حكومة الوحدة لم تصمد وحدث انقسام فلسطيني ما زال قائما منذ عام…ولكن فور الانقسام أعلن عن استئناف المفاوضات المجمدة منذ سنوات،وكأن استئناف التفاوض واستمراره وتقدمه مشروط بانقسام الداخل الفلسطيني وتجميد الحوار الداخلي ،ودعا بوش إلى لقاء أنابوليس وفيه انتزع الكيان جائزة أو منحة جديدة تتثمل بالاعتراف «بيهودية الكيان» ،ورغم ان المفاوضات مستمرة وهناك لقاءات لا تتوقف بين عباس وأولمرت ولكن الجميع يقرّون بأنها لن تفضي إلى شيء ،وعلى الأرض،فإن التغير الحاصل هو فقط السماح بانتشار رجال الأمن مع استمرار حملات الاعتقالات من جانب الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة المحتلة.
وفجأة أطلت فضيحة مالية تتهم أولمرت بتلقي رشى من رجل أعمال وأولمرت أقر بذلك،تزامن هذا مع إخفاق المحور المتحالف مع أمريكا وإسرائيل في لبنان في مواجهة المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله،ومع تحوّل جورج بوش إلى بطة عرجاء نظرا لقرب موعد الانتخابات الأمريكية…فهل قرر مجلس حكماء صهيون إنهاء أولمرت أم إنهاء حزب كاديما؟ومن هو الزعيم القادم الذي يريد المجلس إيصاله لكرسي رئاسة وزراء الكيان؟ولقد لوحظ أن أولمرت انتقد من يحلمون بـ «أرض إسرائيل الكبرى» علنا ولكن بعد الفضيحة المالية…!
لماذا أخرج ملف الفساد المالي لأولمرت في هذا الوقت بالتحديد؟ولماذا تم اختفاء سابقيه عن المسرح السياسي قتلا أو خسارة في الانتخابات أو غيبوبة؟…والآن خروج بفضيحة مالية،ولا ندري ما الطرق التي قد تبتكر مستقبلا إلا إذا كانوا سيعيدون الكرة والأساليب!
من الواضح أن لكل رئيس وزراء أو زعيم للكيان مهمة مطلوب منه تأديتها وسواء نجح أم أخفق ،فعليه أن يختفي ليأتي من خلفه لينفذ مرحلة جديدة من الخطط المرسومة في محافل صهيون ،أو ليصحح مسار سابقه بخطة بديلة أو خطة طوارئ،وذلك حسب التطورات الميدانية والإقليمية والدولية.
وجود مجلس من «الحكماء» وهنا أستخدم كلمة حكماء مجازا أو تكرارا للمصطلح الذي من المؤكد أنهم يستخدمونه ،هو أمر بات أكثر وضوحا ويبدو أن صورة هذا المجلس الذي يتحكم بالكيان وسياساته ويرسم خطط سير المنظمات اليهودية في العالم خاصة في أمريكا هي صورة يزول الغموض عنها كل فترة بل مع كل منعطف سياسي وأمني…ويمكن وضع التصور العام لهذا المجلس عبر الملاحظات التالية:-
1) هو مجلس مكون من حاخامات متعصبين يؤمنون بأن «الغوييم» خلقوا على هيئة البشر فقط لخدمة اليهود ،إضافة لرجال أعمال من أصحاب المليارات ممن يتحكمون بمفاصل اقتصادية هامة مثل تجارة السلاح،وطبعا بارونات إعلام ومفكرين،وهم في الغالب من اليهود الغربيين،وبعضهم ربما له حضور إعلامي ولكن غالبيتهم يتسلحون بالغموض والتخفي،والجميع يتصفون بدهاء كبير،وقسوة ودموية وبعدا عن أي قيمة أخلاقية أو إنسانية،وهم لم ولن يترددوا بقتل كل من يشعرون أنه يقف في وجه مخططاتهم أو يعيقها حتى لو كان يهوديا موغلا في التعصب وإيذاء «الغوييم».
2) اجتماعات المجلس متواصلة وله لجان خاصة لمتابعة وضع الكيان العبري،ورسم السياسات التي على قادة الكيان العمل بها وتنفيذها بلا نقاش أو خطأ،وتعقد الاجتماعات على ما يبدو في الأراضي المحتلة وفي الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الغربية.
3) المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية تربك وقد تحبط المخططات التي يرسمها هذا المجلس،ويضطر إلى إعادة رسم مخططاته أو تعديلها واللجوء إلى خطط بديلة،وهنا تكمن أهمية المقاومة ودورها الهام في التصدي لمكر أخبث بني البشر وأكثرهم دهاء وتنفذا.
4) لا يؤمن مجلس الحكماء الصهيوني بأن للفلسطينيين أي حق في أي شبر من الأرض الفلسطينية،والمجلس غير مستعد حتى لقبول العروض السلمية لأكثر الفلسطينيين استعدادا للتنازل والتفريط والرضوخ ،وهدف المجلس تحويل فلسطين إلى «دولة يهودية» بإخراج أهلها منها بشتى الوسائل،ولن يقبل المجلس حتى بتحول كل الفلسطينيين إلى «معتدلين» أن يتنازل عن هذا الهدف.
5) هناك حالة من الإرباك تسود المجلس ،وربما تصاعدت الخلافات بين أعضائه ،ولا يستبعد أن يقوموا في المستقبل القريب بعمليات تصفية لبعضهم البعض،وينتابهم شعور بأن كل ما عملوا على تحقيقه سنوات طوال يكاد يزول بفضل المقاومة والممانعة؛ولكن هذا قد يدفعهم إلى ارتكاب حماقات وجرائم عديدة،كما أنهم يشعرون أنهم وإن علوا علوّا كبيرا ،فإن المستقبل ليس لهم،ولكن حالة الضعف العامة والتمزق الطائفي والانقسام السياسي لدى أعدائهم وهم هنا الأمة العربية والإسلامية والشعب الفلسطيني بشكل خاص تعطيهم نوعا من الثقة والتمادي في التخريب الذي انتهجوه.
قد يقول قائل بأنني كتبت رواية بوليسية جديدة ،تفتقر إلى الأسلوب الأدبي،ولكن ملامح السطور السابقة على الأرض تبدو واضحة،والأسرار ستتكشف قريبا،والبعرة تدل على البعير،وما جرى خلال العقدين الماضيين لساسة الكيان ولرؤساء الولايات المتحدة يفرض على أي معني أو باحث أو عربي أو مسلم واعٍ أن يفكر في هذا الأمر بجدية لا بسخرية،أو بنفي الأمر بحجة عدم الغرق بفكرة المخططات الخفية أو نظرية المؤامرة!
حسنا…في ظل وجود مجلس صهيوني بإمكانيات مادية وقدرات واضحة؛وبعدما تبين أن المقاومة فقط هي التي تربكه ثم تعرقله ثم تهزمه؛هل سنظل نواجهه بسياسات ضعيفة وبارتجالية وبأوهام إمكانية التغيير في تركيبته،أو الحلم بإمكانية التعايش معه؟
لدحر كسرى وهزيمة وطرد هرقل احتاجت الأمة إلى خالد وسعد،ولإقامة حضارة في المغرب الأندلس احتاجت لعقبة وطارق ،ولإخراج الصليبيين احتاجت إلى نور الدين وصلاح الدين،ولإيقاف ودحر التتار احتاجت الأمة إلى قطز وبيبرس….ولدحر بني صهيون وإيقاف إفسادهم في الأرض بالتأكيد نحتاج إلى نماذج من نوع مشابه في العقيدة والإخلاص والحكمة والشجاعة….لا بإتقان التفريط والتنازل والتوسل والتعلق بالأوهام و….التقبيل!
ووصف القرآن الكريم مكر الماكرين ممن هم على نمط المجلس الصهيوني:-
{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }إبراهيم46
ولكن العقاب الإلهي حاضر حيث:-
{فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ }النمل51
ونحن بانتظار تحقق ما يخص الكيان بالنص الصريح:-
{… فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً }الإسراء7
اللهم عجل لنا بالنصر والتمكين…
،،،،،،،،،،
سري عبد الفتاح سمور
قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة
حاليا:جنين-فلسطين المحتلة
30جمادى الأولى 1429هـ،4/6/2008م
بريد إلكتروني:-
مدونات:-