وحتى نكن منصفين, فالأكثرية لم تقصد بتسميته تحدي فريق المعارضة, وإنما كانت غير مخيرة, وعليه مجبرة.
فزعماء الأكثرية على قناعة بأنهم سقطوا من أعين الإدارة الأميركية وحلفائهم, وباتوا مدانين من الجماهير. ومتهمين من الشعبين العربي والإسلامي بالعمالة, وغير محترمين من شعوب العالم ,وملامون لأنهم أجبروا فؤاد السنيورة على إصدار قرارين مشئومين. يقول انه لم يفلح في ثني حلفائه ووزرائه عن تأجيل إقرارهما.
وزعماء الأكثرية على يقين بأن الثقة فيهم تزعزعت, ولكنها مازالت بحال أفضل بفؤاد السنيورة. وميشيل سيسون القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في لبنان قالت: تحالف 14 آذار كان يضخم قوته والتي تبين أنها هشة وهزيلة. وأردفت قائلة: أن قراري حكومة السنيورة حماقة.وهي تلقي باللوم عليهم وتحملهم وزر المسئولية.
وتسميتهم لفؤاد السنيورة رئيسا للوزراء من جديد, هو نوع من التسليم له بالطاعة, وإطلاق يده لإصلاح علاقاتهم بالإدارة الأمريكية وبعض الحكومات الأوروبية. والاعتذار منه على حماقتهم . وفرصة يتزلفون بها إلى الإدارة الأميركية وأسيادهم . وإعادة لترتيب أوراقهم من جديد. ولملمة ما انكشف من فضائح, ومنها تورطهم بتشكيل وقيادة شركات المرتزقة والشركات الأمنية. وهذه الشركات ذات ارتباط وثيق مع جهات خارجية. ومع أن ما جرى قبل وبعد القرارين المشئومين سيبقى طي الكتمان, إلا أن إصرارهما على اتخاذهما يعود لهذه الأسباب:
- إن زعماء الأكثرية دخلوا في تنافس فيما بينهم لتقديم خدماتهم للإدارة الأميركية التي تعاني الإحباط والهزيمة, لرفع روحها المعنوية أولا. ولإيجاد الذرائع والمبررات لعلها تدخل عسكريا في لبنان ثانيا. أو تدويل القضية لبنان مما يسمح بتدخل قوات عربية أو دولية لدعم فريق الأكثرية وتحجيم المعارضة.
- محاولتهم الاستفادة من عامل الوقت, قبل أن تتجمد الأوضاع نتيجة بدأ الانتخابات الأمريكية. فالإدارة القادمة بنظرهم ستعيد ترتيب أوراقها وسياساتها من جديد. ولن تترك الأمور سائبة لكل ما هب ودب , فهي من ستقرر مواقفها على ضوء مصالح بلادها لا مصالح ورغبات وأحلام وأكاذيب فريق الأكثرية وسعد الحريري وجنبلاط وجعجع وأمين الجميل والأحدب. وفاتهم بأن إدارة بوش عاطلة ومعطلة منذ زمن طويل,والضجيج والصراخ الذي يصدر عنها سببه شدة الوهن والوجع والألم.
- قناعتهم بأن الإدارة القادمة ستبدأ بترميم العلاقات الأميركية السورية, وتعيدها إلى سابق عهدها. وهذا ما سيحرج فريق الأكثرية , ويجعل من هجومه على سوريا وقيادتها صوت نشاز, لن يهتم فيه أحد.
- ولأن فؤاد السنيورة على دراية بوضع إدارة جورج بوش , لذلك كان يتخذ منها فزاعة لا أقل ولا أكثر. ولدعم موقفه, قرر ممارسة الشحن الطائفي, ليستثمره ويستغله, ويفاجئ به الإدارة الأميركية القادمة لأنه بنظره الأجدى. ولذلك حاول جاهدا تأجيل إقرار القرارين. إلا أن بعض الزعماء هددوه بإستقالة وزرائهم من حكومته, ووضعوا السنيورة بين ناريين: نار التداعيات التي ستنجم عن هذين القرارين. أو نار انهيار الحكومة واستقالاتها. فأختار نار القرارين. وبظنه أن فريقه يملك قوى مسلحة من المرتزقة في الشارع تمكنه من حسم الأمور.أو تطيل في أمد الفتنة, لتفسح المجال لتدخل مجلس الأمن الدولي.
- وأن بعض الأنظمة العربية والإسلامية الحليفة لإدارة جورج بوش.أحست بالمخاطر التي ستحيق بها مع إدارة أمريكية ديمقراطية جديدة, لذلك وجدت أن من الأجدى بها أن تتغدى بهذه الإدارة القادمة قبل أن تتعشى بهم. فسارعوا لترويج الخطر الايراني والفارسي , والزج بالسنة والموحدون في أتون حرب طائفية مع الشيعة, لتتخذ من هذا الصراع الدموي صك براءة من عمالتها أولا. ولكي تخلط الأوراق بوجه الإدارة الأمريكية القادمة ثانيا, ولتسخر المنظمات العربية والإقليمية بالتدخل عسكريا ثالثا.
- وأن السيد حسن نصر الله, شعر بان الفتنة بدأت تطل برأسها من جديد, ومدعومة من فريق الأكثرية. فسارع ليقطع على رؤوس الفتنة الطريق. بعمل جراحي وناجح وحكيم. فوجد زعماء الأكثرية أنفسهم في حيرة وارتباك نتيجة عامل المفاجأة, و رؤيتهم الانهيار السريع لكل ما بنوه طيلة ثلاث سنين, من تشكيل وتسليح شركات عدة تحت أسماء براقة وخادعة لتضليل البسطاء بذريعة مساعدتهم وتأمين عمل لهم,أو توظيفهم في مشاريع وهمية. ولكنها في حقيقتها ليست سوى شركات أمنية وشركات للمرتزقة. وحزب الله أراد بعمليته الجراحية والسريعة أن ينقذ لبنان والمسلمون والمسيحيون والعرب من أتون الفتنة والحروب الطائفية. وأن يوقظ الجميع بصدمة لكي لا يخلطوا بين الواقع والحلم.وأن يكشف هشاشة وأكاذيب فريق 14 آذار كي لا ينخدع أحد ,أو يغامر مبحرا مع فريق الأكثرية في سفن صدئة ومهترئة.وهذا ما حدا بهذا الفريق وحلفائه أن يجنبوا أنفسهم شر هزيمة, وأن يدعموا حوار الدوحة :
- ففريق الأكثرية وجد في حوار الدوحة المنقذ والملجأ. وفي الدوحة بدا مفكك وتائه وضائع ومستسلم ومحبط ومهزوم ومهلهل, ويريد أن ينجوا بنفسه من الورطة التي وقع فيها. في حين راح البعض يمارس دور الفزاعة , أو يتعنتر بعنتريات فارغة كسمير جعجع, أو يشعر بثقل وحدة قاتلة وموقف هزيل كأمين الجميل, والذي بدا ضائعا بين موقف عون المدافع عن حقوق المسيحيين وبين سمير جعجع الذي يغرد بنشاز عن باقي الفريق. وبين إصرار جنبلاط على: أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل النزاعات السياسية والخلافات القائمة. وجواب سعد لبري: سأترك الحوار إلى أيمن الظواهري. ثم تراجعه ليقول: نحن مستعدون دائما لتقديم التضحيات من أجل لبنان, ومن اجل أن يعيش جميع اللبنانيون سويا , وأن ما حصل يجب أن لا يتكرر, وعلينا أن نعالجه. ثم يعود ليقول: إتفاق الدوحة لا هدنة ولا حل. بينما يصر جعجع على:أن الحوار هو السهم في الدسم. وبين تراجع السنيورة عن مواقفه السابقة ليقول:يجب أن نبدأ بأن نقبل بعضنا بعضا,ونقبل الآخر ونتحاور معه من أجل حل المشاكل بشكل حضاري وديمقراطي,وأن خلافاتنا في لبنان يجب أن تكون مصدر ثروة وغنى وتنوع ,هذه هي صيغة لبنان الحقيقية ولا يجب أن نستعملها من اجل تعميق خلافاتنا فيما بيننا.
- وسعد الحريري تهرب من ترشيح نفسه لكرسي الرئاسة الثالثة لأسباب عدة: فهو لن يكون بمقدوره الانفراد في الحكم بظل الثلث المعطل للمعارضة أولا. وأنه سيجد نفسه مجبرا على إلغاء قرارات كثيرة للحكومة السابقة, مما سيزعزع قيادته وتحالفه ثانيا. وأنه سيضطر أن يساهم في إعادة العلاقات السورية اللبنانية إلى الأفضل ثالثا, وهو مالا يريده. وأنه سيواجه بمشاكل يومية وحياتية للبنانيين قد تفاقمت نتيجة سياسة فريقه, وعصي عليه حلها ثالثا. ورابعا أنه لن يكون وضعه السياسي واللبناني والعربي والدولي جيد كما كان والده سابقا. نتيجة غياب معظم الزعماء الذين يكنون له الدعم والمحبة, والمتبقي منهم بات لا يملك زمام أمره. فقرر أن يرشح السنيورة ليستهلكه, بحيث لا يكون مستقبلا محبوبا من أحد أو أن يكون منافسا.
- والإدارة الأمريكية التي صعدت من موقفها وموقف رموز إدارتها, وذلك حين صرح ستيفن هادلي مستشار الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي قائلا: إن مجلس الأمن يتجه لعقد جلسة خاصة بهدف إصدار قرار يتعلق بالتطورات التي شهدها لبنان ويدعم الحكومة اللبنانية المنتخبة ديمقراطيا. وتصريح الرئيس جورج بوش في شرم الشيخ: أنها لحظة مصيرية تتطلب أن نقف بحزم على جانب حكومة السنيورة وأن ندعمها, وأن محمود عباس قلق جدا بشان لبنان ومصير حكومة السنيورة وأنا كذلك. راحت تغيير من مواقفها ومن حدة مواقف رموزها. حيث يعلن ديفيد ولش بصريح العبارة: إتفاق الدوحة هو حقا تطور مرحب به, وهو تقدم إيجابي وضروري لتحقيق أهداف المبادرة العربية. وولش هو من سعى لنسف المبادرة العربية خلال زيارته للبنان سابقا. وكذلك فعلت رايس حين ناقضت مواقفها السابقة,وأدلت بتصريح قالت فيه: إن إتفاق الدوحة هو خطوة إيجابية على طريق حل الأزمة اللبنانية. ومسارعة هيئة الأركان المشتركة لتعلن في تقريرها عن لبنان: التسوية حبل نجاة لابد منه ,بينما العناد قد يؤدي لخسارة كل شيء.وهذا الإعلان جاء ليكبح ويقيد إدارة جورج بوش.
- والادارة الفرنسية, التي اعلن رئيسها ساركوزي قائلا: فرنسا بدأت مشاورات واسعة مع حلفاءها خصوصا في مجلس الأمن لإصدار قرار حول التطورات الخطيرة التي يشهدها لبنان. سارع ليتراجع بتصريح يعلن فيه: إتفاق الدوحة شكل نجاحا كبيرا للبنان , وينبغي تنفيذه بالكامل , وهذا يفتح الطريق أمام ترسيخ السلم الأهلي والاستقرار والعودة إلى عمل المؤسسات اللبنانية بشكل طبيعي. ثم راح يتبعه بتصرفات أكثر أتزانا وعقلانية.
- وموقف الحكومة في مصر الذي بدا متشددا, معتبرة أن ما قام به حزب الله هو بمثابة انقلاب على الشرعية. عاد ليكون أكثر عقلانية , وذلك حين أدلى أحمد أبو الغيط وزير الخارجية بتصريح قال فيه: إتفاق الدوحة ينهي أزمة معقدة كادت تعصف بإستقرار لبنان.
- وموقف المملكة العربية السعودية الذي عبر عنه وزير خارجيتها, والذي تميز بالتهجم على حزب الله وسوريا وإيران , والتشدد في ضرورة مواجهة حزب الله.عاد ليلطفه تصريح سفيرها في لبنان عبد العزيز الخوجة حين قال: السعودية تؤيد وتدعم الاتفاق الذي توصل إليه اللبنانيون في الدوحة, وأن هذا الإنفاق من شأنه أن يضع حدا للأزمة السياسية الحادة في لبنان.
- وموقف الجامعة العربية لم يكن بأحسن حالا, حين تعارضت وتضادت تصريحات ومواقف أمينها عمرو موسى خلال ثلاثة أعوام, ثم عاد ليعلن: أؤكد أننا في إتفاق الدوحة وصلنا إلى صيغة لا غالب ولا مغلوب , وهذا شيء مهم , ولقد أثبتنا أن الصيغة اللبنانية التاريخية وهي صيغة لا غالب ولا مغلوب هي التي يمكن أن تصل بنا إلى بر الأمان. وحتى قناعة عمرو موسى والذي كان هو أحد أعضاء لجنة إدارة الحوار في الدوحة, نقضها أمير قطر في خطابه أمام مجلس النواب اللبناني ,حين قال أننا في إتفاق الدوحة غلبنا الفتنة وحققنا نصر للبنان.
- وحتى مجلس الأمن الذي كان يستعد لعقد إجتماع لاتخاذ إجراءات عقابية بحق المعارضة. بعد أن تسابق بعض أعضائه وأمين عام الأمم المتحدة ومساعديه للتنديد بالمعارضة.عادوا عن مواقفهم ليعلنواا: أن مجلس الأمن يدعم بقوة أتفاق الدوحة الذي أبرمته الأطراف اللبنانية.
- ففريق الأكثرية وجد في حوار الدوحة المنقذ والملجأ. وفي الدوحة بدا مفكك وتائه وضائع ومستسلم ومحبط ومهزوم ومهلهل, ويريد أن ينجوا بنفسه من الورطة التي وقع فيها. في حين راح البعض يمارس دور الفزاعة , أو يتعنتر بعنتريات فارغة كسمير جعجع, أو يشعر بثقل وحدة قاتلة وموقف هزيل كأمين الجميل, والذي بدا ضائعا بين موقف عون المدافع عن حقوق المسيحيين وبين سمير جعجع الذي يغرد بنشاز عن باقي الفريق. وبين إصرار جنبلاط على: أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل النزاعات السياسية والخلافات القائمة. وجواب سعد لبري: سأترك الحوار إلى أيمن الظواهري. ثم تراجعه ليقول: نحن مستعدون دائما لتقديم التضحيات من أجل لبنان, ومن اجل أن يعيش جميع اللبنانيون سويا , وأن ما حصل يجب أن لا يتكرر, وعلينا أن نعالجه. ثم يعود ليقول: إتفاق الدوحة لا هدنة ولا حل. بينما يصر جعجع على:أن الحوار هو السهم في الدسم. وبين تراجع السنيورة عن مواقفه السابقة ليقول:يجب أن نبدأ بأن نقبل بعضنا بعضا,ونقبل الآخر ونتحاور معه من أجل حل المشاكل بشكل حضاري وديمقراطي,وأن خلافاتنا في لبنان يجب أن تكون مصدر ثروة وغنى وتنوع ,هذه هي صيغة لبنان الحقيقية ولا يجب أن نستعملها من اجل تعميق خلافاتنا فيما بيننا.
ومن هذه المواقف يمكن للمرء أن يستنتج أن زعماء فريق الأكثرية خدعوا وضللوا وغرروا بحلفائهم , ولذلك فقدوا كل مهابة واحترام . وبقي فؤاد السنيورة هو وحده من يحظى بالثقة والاحترام, من قبل أسياده وأسياد زعماء فريقه. لذلك أصر هذا الفريق أن يرشحه ليكون رئيسا لمجلس الوزراء,عله يعيد وصل ما أنقطع, ويرمم ما تعطل. وفؤاد السنيورة كان مسرورا بهذا الاختيار لعدة أسباب: فهو على دراية بأن زعماء فريقه لم يعد يملك الواحد منهم أية قيمة إبرائية قابلة للصرف, فحتى أن مسئول أوروبي رفيع حين أبلغه مساعده, بأن أحد زعماء فريق الأكثرية يطلبه على الهاتف , قال لمساعديه: قولوا لهذا الكذاب أنني مشغول ولا وقت عندي للرد عليه. وأن تكليفه سيعطيه حق الوصاية على الفريق وزعمائه. وأن فؤاد السنيورة سيسعى لتوطيد علاقاته مع قوى المعارضة ليكسب صداقتهم واحترامهم. وأنه لن يمانع بترميم العلاقات اللبنانية, حيث سيعتبر نفسه أنه غير مسئول عما وصلت إليه, لأن قراره في الحكومة كان مصادر من قبل فريقه الذي يملك أغلبية الثلثين. وأنه سيكسب فرصة جديدة لإظهار نفسه بشكل مختلف ومغاير لما كان عليه في ظل حكومته السابقة بحيث يلمع صورته. وخاصة أنه يعتبر انه قد أجحف بحقه وأسيء إليه لأنه كان مغلوب على أمره. وأنه سيضغط على الأنظمة الحليفة له لتقديم المساعدات المالية للبنان, لعله يظفر برضا وحب اللبنانيين له. وأدلى بتصريح عبر فيه عن أسفه من تصرف الرئيس جورج بوش بالقول: الرئيس الأميركي جورج بوش أنتهز مناسبة الذكرى الستين لنكبة الشعب الفلسطيني لكي يعبر عن دعمه للبنان ومحبته لشخصي. وهذا ما دفعه لأن يقول لبوش: أن لا وقت لدي للاجتماع بك في شرم الشيخ. و رد على تصريحات جورج بوش الذي أبدى فيها دعمه له حيث قال: أين ترجم الرئيس جورج بوش هذا الدعم للبنان ولحكومته المنتخبة ديمقراطيا, وهو الذي كان بمقدوره أن يضغط لتحرير مزارع شبعا من الاحتلال الإسرائيلي , وتقديمها عربون دعم عملي للحكومة اللبنانية, التي يحرص على دعمها بالكلام المعسول المنمق بمناسبة وغير مناسبة؟ والسنيورة لن يفوت عليه هذه الفرصة لتعزيز مركزه,وهو على يقين بأنه ستبقى النظرة إليه على أنه يبقى ذئبا إن غير جلده, فلن يغير من عاداته وغرائزه وطبعه وطباعه.
الثلاثاء: 3/6/2008م العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
بريد الإلكتروني: [email protected]