لقد ربط النظام الاقتصادي العالمي بين الرأسمالية وما تحصل عليه من ثروة وقيام الدولة وسخر السياسة لخدمة الأهداف الاقتصادية وقرن بين القوة والثروة . ولكون الثروات ثابتة في الطبيعة فان ما تحصل عليه دولة ما من ثروات لا يعني فقدانها من دولة أخرى أو إقليم آخر وعلى هذا الأساس بدأ الصراع بين الأمم والشعوب عبر التاريخ كظاهرة تهدف إلى السيطرة والاستحواذ على الآخرين وبمرور الزمن اخذ طابع الاعتداء وفرض السيطرة بالقوة وقهر الشعوب وسخرت الآلة العسكرية العدوانية لأغراض النهب والسلب وأصبحت متلازمة قوة الدولة العسكرية مع التوسع التجاري و السياسي لها حتى الوقت الحاضر ولذلك اتجهت الأنظار نحو معاقل الموارد الطبيعية لهدف كبير ومهم هو تعظيم مستوى التراكم الرأسمالي المركزي والحفاظ على معدلات نموه لدى الدول العظمى , وبطبيعة الحال قد نتج عن ذلك التطور الصناعي العالمي وخصوصا في أوربا الغربية التي تلازمت معها الصناعة والذي أنتج عنه البحث عن أسواق فاتجه صوب الشرق وما خلف من سيطرة على خطوط الملاحة الدولية كنتيجة للسيطرة المادية والبشرية والثقافية واستثمارها لصالح القوة الغربية المتصاعدة .
لقد أدى اكتشاف النفط في المنقطة العربية إلى جعلها محط أطماع الدول الغربية إضافة إلى ما تتمتع به من مميزات أخرى من موقع يتوسط العالم وموروث حضاري وديني الأمر الذي رسخ تمسك الاحتلال الغربي بها على مرحلتين:
الأولى : تتمثل في النهب المباشر للثروة النفطية العربية لقاء دفع ريع رمزي للبلدان المالكة للثروة وصولا إلى تطبيق سياسة استنفاذ قيمة العوائد النفطية بوسائل التضخم المختلفة , وقد عادت الولايات المتحدة إلى استخدام هذا الأسلوب بعد غزوها للعراق فرغم إن مصافي النفط الوطنية الصالحة للإنتاج قادرة على تغطية الحاجة المحلية , إلا إنها لم تستثمر إنتاجها فسعت إلى استيراد المشتقات النفطية من دول الجوار كجزء من المكافئة على دعم العدوان على القطر واحتلاله بينما ارتفعت وتيرة الصادرات لإلغاء الحصار الذي كانت تفرضه على صادرات القطر.
الثانية : تعتمد على استنفاذ قيمة العائدات النفطية باستخدام الأساليب الشعرية الضاغطة سواء الضريبية منها أو ما يتصل بسياسة تحريك الخزين بهدف الإغراق المؤقت للأسواق العالمية للتحكم بأسعار النفط وهذا ما تم استخدامه بعد فشل العدوان الفارسي على العراق في 1988 حيث تم تحريك مشايخ الخليج العربي وخصوصا إمارة كاظمة أو الكويت لزياد ضخ النفط وبالتالي تدني سعره العالمي إلى ما دون سعر كلفة الاستخراج .
إن الدول الامبريالية وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية قد سعت منذ اكتشاف النفط إلى عقد اتفاقيات لم تتح أي قدر لبلدان المنطقة من الحصول على فائض اقتصادي حقيقي من عوائد النفط يمكن اعتماده لأغراض التنمية المستقلة وأحداث تطورات مهمة في حياة مواطنيها في الوقت التي ضمنت آليات مهمة لاستمرار إدارة الصراع الإقليمي ضمن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ودائرة احتوائها للشرق الأوسط من خلال عقود طويلة الأمد قابلة للتجديد لقاء حصول بلدان المنطقة على مبالغ رمزية مقطوعة تدفعها الشركات عن كل برميل نفط يجري استخراجه .
إن إقدام العراق على تأميم نفطه عام 1972 وبسط سيادته على كامل ثروته النفطية يعد الحدث الأهم تاريخيا في معادلة الصراع الإقليمي وتأثيرها على سياسة الاحتواء الأمريكي للمنطقة حيث اتخذت اتجاهين يتمثل الأول بتعديل اتفاقيات الامتيازات النفطية باتجاه العمل على إحلال المشاركة في أرباح النفط بدل مناصفتها التي كانت سائدة والثاني هو التحول الذي طرأ على معادلة الصراع الإقليمي , إذ أدخلت الولايات المتحدة الأمريكية مسألة فوائض العائدات النفطية بتهديد مصالحها وأمنها القومي الذي يرتبط بالأمن القومي للكيان الصهيوني , بمعنى إنها أضافت عاملا جديدا لأسباب تدخلها في المنطقة العربية خصوصا بعد إن رفع العراق شعار النفط كسلاح في المعركة فكان له الأثر الدولي الكبير والحاسم في النصر العربي إبان معارك تشرين 1973 .
لقد استطاعت أمريكا خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أن تصفي الزيادة الحاصلة في أسعار النفط , وتعيد الكرة اليوم مع ارتفاع أسعاره , فهبوط سعر صرف الدولار الأمريكي يماثل من حيث النسبة الارتفاع في أسعار النفط واستطاعت من خلال برامجها للسيطرة على الإمدادات النفطية تحويل النفط من سلاح سياسي بيد العرب إلى سلعة سياسية بيد الغرب وضبط الأسعار ومع ذلك فان نتائجه لا زالت سلبية على الاقتصاد الأمريكي وعلى السياسة الخارجية الأمريكية خصوصا مع ارتفاع تكاليف عدوانها على العراق وأفغانستان العالية والنتائج المترتبة على ذلك , فإذا كانت الإدارات الأمريكية تغطي نفقات عدوانها في فيتنام على ما تفرضه من ضرائب على مانحيها فإنها اليوم لا تستطيع اعتماد ذلك بالكامل فلجأت إلى إسلوب بيع قسم من سندات أسهم معاملها إلى الصين واليابان خصوصا وان هبوط قيمة الدولار سوف تؤدي حتما إلى هبوط قيمة تلك السندات الأمر الذي أدركته الصين فبدأت تلوح بين الحين والآخر بإغراق السوق العالمي بها وذلك يعني الكثير بالنسبة للاقتصاد الأمريكي فبدأت باستعماله كورقة ضغط بيدها أثناء المساومات وتبادل المصالح .
أما فيما يخص سحب العائد المالي النفطي العربي فبالإضافة إلى ربط الأسواق العربية بالدولار التي لا تسمح بفكه فإنها لا زالت تكدس الترسانات العربية بالأسلحة التي لا تجد من يستعملها ولا تسمح باستخدام تلك العائدات المالية في تنمية الصناعات المحلية والبنى التحتية العربية والاكتفاء بصرفها على الخدمات في حين إن تفاوت دخل الفرد بين الأقطار العربية يصل إلى خمسين ضعفا بين المواطن الصومالي والمواطن السعودي مثلا.
إذا عمد الحكام العرب إلى استخدام النفط وعائداته المالية بشكل أفضل فسيركع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد لإرضائهم وسيزول الكيان الصهيوني عن الوجود وستحل القضية العربية المركزية فلسطين وسيكون نفطهم عامل ضغط لتوحدهم ولكن …. صدق قول الشاعر :
لقد أسمعت لو ناديت حياً و لكن لا حياة لمن تنادِ