الإعلام هو مرآة المجتمع، يعكس كل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، كي يثبت أقدام المجتمع في إيجابياته، ويعكس التأييد الشعبي لمثل هذه الإيجابيات، وينتقد سلبياته وأخطاءه.
هذه هي النظرية التي تربط بين الإعلام والمجتمع، فهي علاقة ارتباطية كل منهما يرتبط بالآخر حيث إن المجتمع هو الواقع والإعلام، هو مرآة وصورة هذا الواقع.
وفيما يتعلق بالسينما في الوطن العربي، نجدها تعاني منذ عقود طويلة من وجود فجوة كبيرة بينها وبين المجتمع، فالأفلام السينمائية أصبحت تعكس طبقات اجتماعية وقضايا لا تهم غالبية فئات المجتمع العربي، فنجد مثلاً الأفلام السينمائية المصرية تعكس الطبقات الأرستقراطية رغم كون أغلب فئات المجتمع المصري من الكادحين اللاهثين وراء رغيف الخبز الذي عز وجوده، كما أن أغلب قضايا الأفلام إما عاطفية، أو اجتماعية تعكس طبقات لا تمثل إلا النذر القليل من المجتمع تلك الطبقة من أصحاب الملايين وكأن الشعب المصري ليس لديه مشكلات سوى المشكلات العاطفية، ومشكلات الطبقة الأرستقراطية.
لكن في الآونة الأخيرة بدأت السينما العربية عمومًا والسينما المصرية خصوصًا أن تتخذ منحنى يقترب أكثر من المجتمع ومشاكله، وليس هذا فحسب بل وأن تعود السينما السياسية لشاشات السينما ومن هذه الأفلام السياسية فيلم عاوز حقي، معليش احنا بنتبهدل، السفارة في العمارة, ليلة سقوط بغداد، وأفلام ليست سياسية بصورة مباشرة ولكنها تحمل في طياتها رسائل سياسية مثل شوورت وفلانة وكاب، عمارة يعقوبيان …………وغيرها.
عودة السينما السياسية (أو غلبة الطابع السياسي على الأفلام السينمائية) ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمل والتحليل, فلماذا عادت الآن السينما السياسية؟
يرجع عودة السياسية للسينما المصرية والعربية بصفة عامة:
لتحكم السياسية في مجريات حياة الشعوب.
لخطورة الأحداث السياسية التي يمر بها العالم بأسره ومنطقتنا العربية بصفة خاصة.
لازدياد الوعي السياسي والثقافة السياسية للجماهير العربية.
فحدوث هذه الطفرة الإيجابية في الإنتاج السينمائي السياسي يرجع إلى أنها:
أثقلت مضمون ومحتوى السينما المصرية خاصة والسينما العربية عمومًا.
مثلت تلك الأفلام رؤية عربية لمجريات الأحداث السياسية التي تحدث في منطقتنا العربية وعلى المستوى الدولي.
عبرت عن انتقاد واستياء العرب عن السياسيات الأقيلمية والدولية.
عكست آراء الشعوب العربية أكثر من رؤية القادة السياسيين العرب مما جعلها، رغم كل مثالبها، رسالة إعلامية من الشعوب العربية تعرب عن استيائهم لكل ما يجري على الساحة السياسية.
كما جعلت المشاهد العربي يشعر بقرب السينما العربية من مشاكله، وبأنها مرآته في الخارج.
حسنت الكثير من صورة الممثل العربي، بأنه ذلك الشخص غير المثقف، وغير المهتم بقضايا بلاده ومنطقته.
وأما عن تقييم السينما السياسية في الوقت الراهن:
نجد أن بعض الأفلام السياسية التي أنتجت مثل السفارة في العمارة بطولة النجم عادل إمام كانت دون المستوى وهذا يرجع إلى:
– ضياع أهمية الفكرة، واختفاء المحتوى في خضم الكوميديا.
– غياب عمق المضمون، فالفكرة الرئيسية للفيلم هي رفض التطبيع ومقاطعة العدو الأزلي إسرائيل، ومع ذلك لم تكن بارزة بوضوح للمشاهد أن هذه هي رسالة الفيلم.
– سوء عرض الشخصية العربية، بأنه ذلك الرجل المستهتر، غير المثقف، المنحل خلقيًّا………..
– سوء عرض القضية الفلسطينية من حيث سطحية التناول، والعرض.
– التداخل الفكري حيث إن القضية الرئيسية هي مقاطعة الكيان الصهيوني، ونجد أن الفيلم عرض الخلاف السياسي بين التيارات المختلفة وكان الفيلم موجه سياسيًّا لخدمة الإعلام الرسمي ذلك الإعلام الذي يتفنن في تجميل صورة السلطة السياسية.
وليست كل الأفلام السياسية بهذا السوء فمثلاً فيلم عاوز حقي للنجم هاني رمزي كان أفضل رغم العديد من المثالب:
من حيث وضوح الفكرة والمضمون أي وضوح رسالة العمل الفني.
ومن حيث الأداء.
ومن حيث اقتراب فكرة الفيلم والممثلين من قضايا المواطنين.
ولكن تبقى مجموعة من المثالب العامة التي تشمل كل الأفلام السياسية منها:
عدم التعمق في الفكرة وفي كيفية عرض القضية السياسية محل الصراع.
عدم وضوح الهدف؛ أي رسالة العمل الفني.
تسييس بعض الأعمال الفنية والمقصود بذلك هو أن العمل الفني يأتي بهدف تجميل صورة السلطة السياسية أمام المواطنين.
ضياع الفكرة؛ أي رسالة العمل الفني في خضم الكوميديا أو الأحداث الفرعية غير الهامة.
عدم التوثيق التاريخي في العديد من الأعمال الفنية مما يجعل بعض الأحداث ذات تناول سطحي.
ضعف التكاليف المالية التي تحتاجها مثل هذه النوعية من الأفلام.
ضعف ثقافة الممثل الذي يقوم بالدور البطولي للفيلم.
قلة المعلومات، فما زالت الدول العربية تحجب عن المواطنين وعن وسائل إعلامها العديد من المعلومات مما يجعل هذه الأفلام تفتقر للعديد من المعلومات.
اللغة المستخدمة في أداء الفيلم لغة عامية لا تصح لتمثيل فيلم سياسي.
وجود بعض المشاهد التي لا تصح أن توجد في فيلم يعبر عن قضية ويحمل رسالة, وان كانت مثل هذه المشاهد لا تصح أن توجد أصلاً في إعلامنا العربي؛ لأنه ليس من عادتنا ولا من تقاليدنا.
وختامًا فإن الأفلام السياسية وذلك الغزو السياسي للسينما العربية ولاسيما المصرية هو عود أحمد وطفرة محمودة رغم كل المثالب الموجودة، آملة أن تأخذ توصياتي اهتمامًا عمليًّا حتى تتحسن صورتنا وإنتاجنا فأعمالنا الفنية تعبر عنا.
*باحثة سياسية ومتخصصة في شئون إسرائيلية