د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا
لا شك أن الحكومة السورية تدرك تماماً ما يدركه المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، في مسألة النوايا الصهيونية من محادثات السلام.
فلو تكلمت مع أي عربي في مشارق الوطن أو مغاربه، لقال لك فوراً أن الصهاينة يريدون اليوم السلام مع سورية، ليتم عزلها تماماً عن حزب الله وعن حماس وربما عن غيرهما من حركات المقاومة، وعن بعض الدول أيضا. والأهم أنهم يريدون عزلها عن الجماهير العربية.
لما وقعت حكومة العدو اتفاقيات الذل مع مصر، والأردن، فعلت ذلك للاستيلاء أكثر على الأراضي الفلسطينية بالدرجة الأولى، ولوقف حالة الحرب مع مصر، تلك الحالة التي لو استمرت بشكل حقيقي لزال الكيان الصهيوني عن الوجود، ولكن هذا الكيان استطاع عن طريق محادثات السلام تلك أن يثبت وجوده أكثر، وأن يستفرد بفلسطين ويعيث فيها فساداً، ويقتل أهلها ويكتسب شرعية في المنطقة العربية، أضف لذلك فقد استطاع عزل مصر كلية عن محيطها العربي وتحجيم دورها. وهذا ما نراه اليوم بالفعل. ولا أريد أن أعيد ما قلته في المقال الأخير، ولكن ما رأيكم بدولة لا تستطيع تحريك قواتها على أرضها إلا بإذن الصهاينة.
إذا كان المواطن البسيط، يعرف ذلك ويدركه، فلا بد أن القيادة السورية تعرف كنهه وجوهره، وتعرف أن الصهاينة اليوم يبحثون عن السلام، لعزل سورية عن حركات الجهاد والمقاومة. وسترتكز محادثاتهم مع سورية على هذه النقاط التي قد تكون أهم عندهم من التطبيع، خاصة وأنهم يعرفون أن الشعوب العربية لن تطبع مع العدو لا اليوم ولا غداً، لا في ظل محدثات سلام ولا في ظل محادثات حرب، ولكم في مواقف الشعب الأردني والمصري خير أمثلة على ما نقول ، فكم من مرة رفض الأردنيون البسطاء تقديم العصير أو القهوة للصهاينة في متاجرهم ، وكم من مصري رفض أن ينقل سائحاً صهيونياً في سيارته، ولعلكم تذكرون ما فعل الجندي المصري محمد خلف الذي رفض أن يحرس السفارة الصهيونية في القاهرة مع معرفته أنه سيدخل السجن نتيجة لذلك.
إذاً مسألة التطبيع، ومع أن الجانب الصهيوني سيطلبها في المحادثات، لن يكون لها معنى فهي بيد الشعوب. ولهذا فسيركز العدو في نقاشاته على عزل سورية، عن حزب الله وحماس، أو قل: عزل حماس وحزب الله عن سورية. ولا شك أن الجانب الصهيوني سيأتي بخرائطه ويطلب من الحكومة السورية ألا تتجاوز تلك النقطة وألا تسمح لجنودها بالذهاب هنا أو التجول هناك، أي كما فعلت مع مصر، وعندما توافق سورية على ذلك، سيدخل الجيش الصهيوني الغادر لبنان ليدمرها رأساً على عقب محاولاً القضاء على حزب الله، وكذلك سيفعلون بحماس. فإذا انتهى دور حماس وحزب الله سيأتي الدور على سورية نفسها، فهذا عدو لا يُؤمَن جانبه، يظن الاستقامة في الغدر والتشريد والتقتيل.
السفير سامي الخيمي، أسعدنا بتصريحاته الأخيرة حول مسألة السلام مع العدو، حيث ذكر أن الصهاينة هم الذين يحتاجون السلام، وليس سورية، الأمر الذي تعرضنا له قبل أيام من تلك التصريحات، حيث أذلت المقاومة العراقية أمريكا في العراق، أذل حزب الله كيانهم في تموز، وهم الآن يستشعرون أكثر من أي وقت مضى أن وجودهم كله مهدد ولهذا يبحثون عن شرعية لبقائهم في المنطقة.
وأكد السفير السوري مشكوراً، أن محادثات السلام مع العدو، لن تؤثر على العلاقات مع حركات ودول المقاومة، وبالطبع فإننا لا نتمنى أكثر من ذلك. ونحن نؤيد، لا شك في هذا، عودة الجولان إلى سورية، ولكننا نؤيد وبنفس القوة، الاستمرار في الجهاد ضد العدو بكل الطرق المتاحة حتى تعود فلسطين لأهلها.
ولقد سعدنا بتصريحات الخيمي، إذ يؤكد أن العلاقات مع جبهات المقاومة مستمرة، وأن لا علاقة للمحادثات بهذه المسألة وأن سورية لن تسمح للجانب المعادي بفرض شروطه.
لا شك أن شعوب العالم كلها تتطلع إلى السلام ونبذ الحرب، بل ونبذ الخلاف، ولكن شعوب العالم كلها تتطلع بشوق أكثر إلى استعادة الحقوق، وهذا الذي نتمنى أن يضعه المفاوض السوري نصب عينيه، فحقوقنا هي فلسطين وليست الجولان فقط، ولعمري إن فلسطين لأغلى علينا من بيوتنا بل من أبنائنا وأهلينا.
إن محادثات السلام هذه، يجب ألا تكون وسيلة لعزل سورية عن الجماهير العربية التي لم يبق لها كثير أمل في معظم الدول العربية التي أصبحت تأتمر بأمر الصهاينة وتأخذ الحكمة من أفواه إرهابييهم.
الشعوب العربية اليوم تتطلع إلى عدد محدود من الدول العربية والإسلامية ومن حركات المقاومة والجهاد، وتتمنى أن يكون خلاصها وخلاصنا من العدو على أيدي هذه الحركات وتلك الدول. هذا هو بالضبط الذي يجب ألا يغيب عن ذهن القيادة السورية. فعودة الجولان هي خطوة واحدة وأولى على طريق عودة الأراضي المحتلة كاملة، وليست خطوة على طريق ضياع فلسطين أو تدمير المقاومة.
بالمقابل، فأعترف أنني لم أفهم البتة ماذا عنت الوزير بثنية شعبان، بقولها، المهم لإنجاح مفاوضات السلام الموقف العربي و أين ستصل العلاقات العربية.
قد يكون هذا التصريح من باب المجاملة للدول العربية، بحكم أن سورية الآن هي رئيسة القمة العربية، وإلا فلا معنى للموقف العربي إطلاقاً في هذه المحادثات، وإن السيدة شعبان، أعزها الله، تعرف كما نعرف، أن العرب مشغولون اليوم ببيع ثرواتهم، وإرثهم بل وتراثهم الفكري والديني للعدو الصهيوني، بينما زاد بعضهم بتنظيم مسابقات جمال التيوس والماعز والأغنام الأصيلة والمهجنة. يجب عدم النظر إلى الموقف العربي، ولا التركيز عليه، ولا اعتباره بالمطلق فلا قيمة لهذا الموقف ولن يسمع به أحد ولن يحترمه أحد، وأذكر السيدة الوزير بأن الموقف العربي في السلم كما في الحرب كان ولم يزل تآمرياً على سورية وعلى المقاومة أينما كانت ولكم في حرب تموز عبرة.
أما إذا كانت وزير المغتربين، تتحدث عن موقف الشعب العربي، فهذه مسألة أخرى، وأظن أن على القيادة السورية أن تدرس كل ردود الفعل المحتملة وآراء وأفكار هذا الشعب الذي غدا اليوم جاهزاً للوقوف مع سورية ويعقد عليها أكبر الآمال.
أريد أن أذكر المفاوض السوري، وهو لا شك ذاكر، أن أرض فلسطين أمانة في عنقه كما هي أمانة في أعناقنا جميعاً.وأجدني مضطراً مرة أخرى للاستشهاد بهذه الآية العظيمة كنصيحة للمفاوض السوري الذي يدرك أنه يتفاوض مع عدو توسعي استيطاني عاش على قتل الأبرياء ونهب أرضهم، إذ يقول جل وعلا”ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلوا عليكم ميلة واحدة”.