ايف سان لوران الذي غيبه الموت أمس عن 71 عاما، سيبقى واحدا من كبار عمالقة مصممي الازياء في القرن العشرين لاعطائه النساء “القوة” من خلال فرضه ملابس جديدة امتزجت فيها الانوثة باعلى درجاتها بالرجولة، لتشكل ثورة في عالم الازياء الفاخرة لا سيما مع التايور-البنطال.
فقد اضفى ايف سان لوران الذي اسس داره للازياء الراقية في بداية الستينات، مسحة شبابية على قواعد الموضة وانشأ اسلوبه المرتكز على ضرورة تكييف ثياب النساء مع العصر الذي يعشن فيه، فوضع لهن التايور-البنطال والمعطف القصير وخصوصا ال”سموكن”، احد اهم مبتكراته.
وكان “امير الموضة” يحب ان يكرر ان شانيل “حرر النساء، ما سمح لي بعد سنوات باعطائهن القوة” وانه اراد “مرافقتهن في هذه الحركة الكبيرة للتحرير التي شهدها القرن الماضي”.
ولد ايف ماتيو سان لوران في الاول من اب/اغسطس 1936 في وهران بالجزائر ووصل الى باريس وهو في السابعة عشرة حاملا في جعبته رسوم تصاميمه. وبعد سنة من ذلك اصبح مساعدا لكريستيان ديور، اشهر مصممي الازياء في تلك الاونة، وبسط اسمه ليصبح ايف سان لوران. واصبح المدير الفني لهذه الدار بعد وفاة كريستيان ديور المفاجئة.
ومنذ عرضه الاول في 30 كانون الثاني/يناير 1958، نال المصمم الشاب المصاب بحسر النظر والخجول الذي يختبىء وراء نظارات كبيرة، اعجاب النساء والصحافة مع ابداعاته. ومجموعته “ترابيز” التي شكلت قطيعة مع القوام النحيل في تلك الفترة، لاقت نجاحا باهرا.
وفي 1960، استدعي ايف سان لوران لخدمة العلم لكنه اعفي لاسباب صحية. واصيب بانهيار عصبي. في هذه الاثناء، استبدلته الدار في جادة مونتينيه بمصمم اخر هو مارك بوان.
في 1960، فتح سان لوران داره الخاصة في 30 بيس شارع سبونتيني عند اطراف غابة لولونيه ثم في جادة مارسو الرقم خمسة بمساعدة بيار بيرجيه الذي لعب دورا اساسيا في حياته الخاصة والمهنية، اذ تولى سان لوران تصميم الازياء وبرجيه الادارة.
وبيعت الدار مرتين، في المرة الاولى في 1993 ل”الف-سانوفي” ثم في 1999 لمجموعة “غوتشي”. وبقيت دار الازياء الفاخرة التي تحمل توقيع سان لوران في جادة مارسو قبل وقف نشاطها في 2002.
وكان هذا المصمم بارعا في استخدام الالوان وكان الاسود “ملجأ” بالنسبة له.
وكان شغوفا بالرسم وجمع القطع الفنية. وتحدث غالبا عن ولعه بنقل اللوحات الى تصاميم فساتين او سترات: موندريان (1965) وبيكاسو (1979 وماتيس (1981) او فان غوخ (1988). كما كانت اسفاره مصدرا اخر للالهام (افريقيا في 1967 وروسيا في 1976…).
وفي 1971، وقعت “الفضيحة” مع مجموعته “40”، في اشارة الى سنوات الحرب الحالكة. في السنة نفسها، ظهرت صورة سان لوران عاريا في الاعلانات الدعائية لاطلاق عطره “اوم”. وبعد ست سنوات، اطلق عطره الشهير “اوبيوم” ليثير فضيحة اخرى ونجاحا اخر.
وفي موازاة ذلك، وضع سان لوران الذي كان شغوفا بالاوبرا والمسرح، رسوم ديكورات وملابس لمسرحيات او عروض تحمل تواقيع مثل ادمون روستان ومارغريت دورا وجان كوكتو او رولان بوتي.
وكتب عنه بيار بيرجيه في 1996 “ايف خط بمهارة احدى اجمل صفحات الابداع الفرنسي. هذا يفترض ان يجعله سعيدا، لكن الاعتقاد بذلك يعني جهل ان الابداع يحتفل دوما بعرس الموهبة والمعاناة”.
ولدى وداعه عالم الازياء في 2002، اعترف سان لوران بانه عرف في حياته “الخوف والوحدة المريعة والاصدقاء المزيفين المتمثلين بالمهدئات والمخدرات، وسجن الاكتئاب والمراكز الصحية”.
ومنذ ذلك الحين، نظمت داره التي اصبحت مؤسسة في 2004، معارض تلو الاخرى وهي تضم خمسة الاف زي صممها هذا الفنان اضافة الى اكثر من 15 الف رسم واغراض مختلفة.