لئن كانت قصّة الصبي حيدر جاسم محمد تلخّص حياة مئات أو ربّما آلاف من أطفال العراق، إلا أنّها من دون شكّ تسلّط مزيدا من الأضواء على محنة أن تكون حدثا في بلد تتقاذفه آلات الحرب، وتتنازعه مشاكل العنف الطائفي وقلة ذات اليد.
وقصّة حيدر، التي نقلتها وكالة الأنباء الإنسانية، IRIN، بسيطة جدا في بدايتها..
فحيدر، هو صبيّ عراقي أراد مساعدة عائلته على التقاط لقمة العيش، من خلال بيع المناديل عند مفترقات الطرق.
وفي أحد الأيام، وعندما تحوّل لون الإشارة الضوئية إلى الأحمر، أسرع حيدر الخطى صوب السيارات المتوقفة لتوسّل ركّابها على شراء شيء من بضاعته.
ثوان إثر ذلك، انفجرت عبوة ناسفة استهدفت موكبا لدورية تابعة للجيش الأمريكي، فحمد حيدر الله على السلامة، ولكنّه وجد نفسه في غضون دقائق معتقلا.
وقال حيدر، ذو الثلاثة عشر ربيعا: “لقد انتهى بي المطاف برفقة سبعة آخرين معتقلين من قبل القوات الأمريكية للاشتباه في تخطيطنا للهجوم مع المسلّحين المتمردين، وقضيّنا بسبب ذلك نصف عام في سجن ببغداد، وآخر بالبصرة.”
ووجّه الجيش الأمريكي لحيدر تهمة التعاون مع المتمردين بإبلاغهم بالموكب العسكري الأمريكي الذي تعرض للهجوم الذي وقع عام 2006.
غير أنّ السلطات العسكرية الأمريكية لم تنجح في إثبات الدليل على حيدر، فأطلقته لاحقا، ولكن “بجرح لن يندمل” مثلما قال الصبي، تماما مثل أتراب له وجدوا أنفسهم في ظروف مشابهة.
وفي الوقت الذي تكون فيه الضحية واحدة، وهي الطفل، تتعدد هوية الجلاد.. ومن المفارقات أنّ الجيش الأمريكي ليس وحده الذي ربما يلعب هذا الدور، وإنّما، وبطريقة أفظع، الجماعات المسلحة الناشطة في العراق.
ففي 26 مايو/ أيار، أعلن الجيش العراقي أنّه عثر على ستّة أحداث تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاما، في قبو منزل مهجور في الموصل، بعد مقتل شخص سعودي كان يدربّهم على القيام بهجمات انتحارية.
ووفق ضابط عراقي، أُجبر الأطفال الستة على تلقي تدريبات تحيلهم إلى انتحاريين محتملين، تحت تهديدات الرجل السعودي باغتصابه أمهاتهم وشقيقاتهم وتدمير منازلهم في حال رفضوا الانصياع لأوامره.
وتعتقل القوات الأمريكية منذ بداية الغزو عام 2003 نحو 2400 طفل عراقي، بعضهم لا يتجاوز العاشرة من العمر، وفق منظمة هيومان رايتس ووتش.
وقالت المنظمة في بيان لها في 21 مايو/ أيار، إنّ عمليات الاعتقال التي تستهدف الأطفال في العراق تزايدت بكيفية واضحة عام 2007، بحيث بات معدلها يقارب 100 عملية اعتقال مقابل 25 فقط عام 2006.
وحتى 12 مايو/أيار، مازالت القوات الأمريكية تعتقل 513 طفلا عراقيا على أساس أنّهم “تهديدات حتمية للأمن”، وفق المنظمة.
ويقيم هؤلاء في سجني كروبر ببغداد وبوكا بالبصرة، الذين تديرهما القوات الأمريكية، من دون أن يكون لهم الحقّ في الحصول على محامين للدفاع عنهم، ولا مراجعة أوضاع اعتقالهم، التي عادة ما تتم أسبوعيا وشهريا، وليس لهم سوى اتصال لا يكاد يذكر بعائلاتهم، وفق جماعات حقوقية.
واعترف حيدر، بأنّه تلقى معاملة جيدة من قبل الأمريكيين فيما يتعلق بالأكل، وأضاف: “ولكنّني كنت عرضة لبعض المضايقات من وقت إلى آخر من أطفال آخرين، وهو أمر لا يستطيع الأمريكيون وضع حد له.”
وأوضح قائلا: “لقد كانوا ينتزعون مني بطانيتي ويجبرونني على النوم على الأرض.”
وأضاف “لم أر والدتي سوى مرة وحيدة أثناء فترة اعتقالي، التي لم يتمّ فيها استجوابي بشأن الحادث.”
وتؤكد رئيسة اللجنة البرلمانية للنساء والأطفال، سميرة الموسوي، أنّ الأحداث المعتقلين يحتاجون إلى تربية خاصة وتدابير اجتماعية معينة لإعادة إدماجهم.
وقالت: “إنّهم يعاملون بكيفية جيدة فيما يتعلق بالغذاء وأماكن النوم، ولكن مراكز الاعتقالات التي يديرها الأمريكيون تفتقر إلى البرامج التي تلائم هؤلاء الأطفال على عكس المراكز العراقية.”
وانتقدت الباحثة المختصة بأطفال الشرق الأوسط في منظمة هيومان رايتس ووتش، كلاريسا بنكومو، الجيش الأمريكي لعدم قيامه بما دأب على الدعوة إليه أثناء النزاعات المسلّحة الأخرى.
وقالت في هذا الصدد: “عندما يتعلق الأمر بنزاعات ليست ضالعة فيه، كانت الولايات المتحدة مثالا في مساعدة الأطفال- الجنود، على إعادة إدماجهم في المجتمع. ولكن هذا النوع من الدور القيادي، مفقود للأسف في العراق.”
وأضافت: “الغالبية العظمى من الأطفال المعتقلين في العراق يعانون لشهور داخل الاحتجاز العسكري الأمريكي.”
ودعت بنكومو الولايات المتحدة إلى السماح لهؤلاء الأطفال بأن يتمتعوا بحقّ أن يكون لهم محامون ومراجعة قضائية مستقلة لاحتجازهم.”