بقلم: محمد أبو علان
العد التنازلي للنصف الثاني من العام 2008 بدء، ورؤية السيد بوش
بقلم: محمد أبو علان
العد التنازلي للنصف الثاني من العام 2008 بدء، ورؤية السيد بوش باتت بعيدة المنال، والاستيطان ينتشر في جسد الأرض الفلسطينية كالسرطان في مراحله الأخيرة، والمفاوضات بين السلطة الوطنية الفلسطينية ودولة الاحتلال قائمة على قدم وساق، منها اللقاءات السرية ومنها العلنية دون تقدم أو نتيجة، والاحتلال مستمر في مخططاته ضد البشر والحجر والشجر، ولا أحد من الجانب الفلسطيني يجرؤ على قلب الطاولة على رؤوس المفاوضين ويقول تباً لمفاوضات كهذه، كل هذا خوفاً من أن نُتهم بعرقلة عملية السلام غير الموجودة أصلاً.
وبعد الفشل في تحقيق سلام لبني البشر في فلسطين أخذوا يبحثون عن تحقيق سلام بين البقر، ولهذا الغرض سيعقد بين الثاني والرابع من هذا الشهر مؤتمر إقليمي في منطقة الأغوار يشرف على تنظيمه مركز بيرس للسلام وتحضره الأردن ومصر وإسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، والهدف المُعلن تحسين مستوى إنتاج حليب الأبقار في الدول المشاركة، ولكن من يطلع على تفاصيل برنامج هذا المؤتمر يرى أن الهدف الحقيقي هو الترويج للتكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة في هذا المجال وليس غير ذلك.
والمهزلة في هذا الموضوع تبدأ من الاسم المنعقد تحته هذا المؤتمر الإقليمي وهو “السلام يبدأ من الحظيرة”، ناهيك عن مكان انعقاد المؤتمر في منطقة الأغوار التي يعيش أهلها صراعاً مريراً ووحيدين ضد غول الاستيطان والمصادرة لأراضيهم الزراعية التي تشكل أخصب الأراضي الزراعية في فلسطين والتي تحولت لمستوطنات زراعية يتحكم فيها قلة من المستوطنيين على حساب السكان الأصليين للمنطقة، ناهيك عن الحواجز العسكرية ومعسكرات جيش الاحتلال ومواقع تدريبه التي تطوق هذه المنطقة من ك الجهات الأربع بهدف التضييق على من تبقى من سكانها بهدف تهجيرهم لاستكمال وضع يد الاحتلال على هذه المناطق الزراعية التي تمتاز بسعتها الجغرافية وقلة الكثافة السكانية فيها.
فماذا سيقول الوفد الفلسطيني المشارك في هذا المؤتمر عندما يمر على سكان منطقة الأغوار في بردله وعين البيضاء وكردله الذين صودرت أراضيهم من أجل تربية الأبقار لصالح المستوطنيين الذاهبون لتحقيق السلام معها؟، أم سيخفون وجوهم ويصمون آذانهم في قاطع الطريق المحاذي لهذه التجمعات الفلسطينية خجلاً ووجلاً.
وأين هي الأبقار الذي سيتحسن مستوى منتوجها من الحليب في فلسطين المحتلة بعد هذا المؤتمر؟، فالقطاع الزراعي الفلسطيني، والثروة الحيوانية تعرضتا لعملية إبادة وتدمير ممنهجتين طوال سنوات الاحتلال، فصودرت الأراضي الزراعية الأكثر خصوبة وحولت لمزارع استيطانية تدر دخلاً ليس بقليل على دولة الاحتلال، وفي المقابل أغلقت المراعي أما مربي المواشي الفلسطينيين لصالح معسكرات الاحتلال وحولت لمناطق تدريب بالسلاح الحي لجنوده، والمحصلة النهائية لهذه الممارسات أن أصبح قطاع الزراعة وقطاع الثروة الحيوانية مشاريع ليست ذات جدوى تجارية مما أدى لانحسارهما في بعض المناطق وتلاشيها نهائياً من مناطق أخرى في فلسطين ليتحول العاملين في هذه القطاعات لعاملين في المستوطنات المقامة على أراضيهم المصادرة.
فمتى ستنتهي هذه المهازل التي تنفذ تحت عناوين إقليمية ودولية بهدف خلق انطباع لدى العالم أجمع بأن العلاقات بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال علاقات طبيعية، فهاهم يعالجون قضايا البقر وكأنهم حلوا مشاكل بني البشر، مهازل تحمل اسم مؤتمرات وحلقات دراسية ومشاريع أورو متوسطية تهدف لدمج الاحتلال في هذه المنطقة وكأنة جزء طبيعي منها وليس جسيم غريب ودخيل عليها.
وأين مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية والوطنية ومناهضي التطبيع من الوقوف في وجه مثل هذه المشاريع والمؤتمرات في ظل دوام الاحتلال، وفي ظل جرائمه اليومية المستمرة، وإلى متى ستبقى مشاركتنا في هذه المؤتمرات المبرر والمدخل للآخرين من أجل توثيق علاقاتهم، ورفع مستوى التطبيع والتعاون مع الاحتلال، وخاصة أن بعض اللقاءات والاستثمارات باتت تعقد مع مستوطنيين وعلى أراضي فلسطينية مصادرة في المناطق المحتلة عام 1967 التي باتت تشكل السقف السياسي الأعلى لمطلب الكثيرين من الساسة وفصائل العمل الوطني الفلسطيني كحدود مقبولة للدولة الفلسطينية العتيدة.
ومن أجل مجموعة تسهيلات شخصية أو حفنة من الدولارات بتنا نسمع بالعديد من المشاريع والمبادرات السياسية والاقتصادية التطبيعية تقودها شخصيات سياسية فلسطينية جزء كبير منها بات على هامش الحياة السياسية وحتى الاجتماعية في الشارع الفلسطيني بالاشتراك مع شخصيات إسرائيلية دون حسيب أو رقيب، وإن كانت مجموعة كوبنهاجن من أوائل مثل هذه المجموعات والمبادرات لن يكون مؤتمر “السلام يبدأ من الحظيرة آخرها ما لم يكن لدينا موقف وطني واضح من هذه القضايا والقائمين عليها على المستووين الرسمي والشعبي.