كثرت الأحلام الوردية الإسرائيلية حتى قبل بدء الاستعداد للعدوان الصهيواميريكي البريطاني الظالم على الوطن المسلم العربي العراقي , لدرجة الإيمان المطلق بتلك الفكرة الصهيونية القائلة بان ” أي حدث او تغيير قد يتأتى عن هذا الغزو , سيغير الوضع في المنطقة وفي الكيان الصهيوني بالذات ” , وبالفعل فان الحقيقة التي لا يمكن الفرار من تصديقها , كونها قد تحققت على ارض الواقع من خلال عدد كبير من الدلائل والبراهين والوقائع , هي إن تلك الحرب الظالمة قد أتمت بالفعل المؤامرة الصهيواميركية المخطط لها سلفا لتغيير خارطة العالم ككل , والشرق الأوسط على وجه التحديد , والتي بدأت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م , ولن تنتهي – بحسب تلك المخططات الصهيواميركية المعلن عنها سلفا – سوى بتحقيق وتعميم الديمقراطية الصهيواميريكية المزعومة في كل أرجاء العالم , وخصوصا في المنطقة العربية 0
حيث إن التغيير – من وجهة النظر الصهيواميركية – لابد أن يشمل الجميع , باستثناء الدول والأنظمة والأفراد الذين سيتعاونون معها في تحقيق تلك المخططات بدون قيود او شروط , – وبمعنى آخر – أن لا يظل على رقعة الشطرنج الدولية , سوى الأحجار التي ستتبع الخارطة الجيواستراتيجية الصهيواميركية , وفي هذا السياق يقول الصحفي اليهودي بيل كريستول ( إن الحرب على العراق جاءت استجابة لإدراك أمريكا بان عليها أن تبادر الى تصميم عالم على صورتها , قبل أن يصممها العالم على صورته ) 0
لذلك وجدت المستعمرة الإسرائيلية الكبرى من خلال الأذرع الصهيونية او اللوبي المتواجد في مواقع القرار الرسمي بالولايات المتحدة الاميركية , كمنظمة ايباك – اللجنة الاميركية الإسرائيلية للشؤون العامة , على سبيل المثال لا الحصر, وسيلة مناسبة لها لنيل حصتها من تلك الضحية الضعيفة التي كثر قصابوها قبل وبعد سقوطها , فبالعودة الى ( خيوط التدخل الصهيوني فيما يخص مشكلات المنطقة والتحديات التي تواجهها , ولا سيما في المسالة العراقية , يلاحظ بعض المحللين , إن الحرب على العراق بدأت حقا في 20 / سبتمبر / 2001 م , وليس في مارس 2003 م , وذلك عبر الخطاب المفتوح الذي وجهه الى الرئيس بوش في التاريخ المذكور , 41 شخصا من ابرز مجموعة المحافظين الجدد الذين كان اغلبهم من يهود , بل إنهم من غلاة الصهاينة , ومن القابضين على أهم المناصب الحساسة في وزارة الدفاع الاميركية ) 0
وهكذا كانت تلك الأمنيات والأحلام الوردية الصهيونية , حاضرة حتى قبل انطلاق الرصاصة الأولى في خاصرة البطل العراقي العظيم , كون العراق كان ولا زال وسيظل احد ابرز واهم الخطوط المناعية القومية التاريخية التي واجهت الصهيواميركية العالمية في المنطقة العربية , ولذلك كان سقوط العراق بمثابة الجائزة الاميركية المقدمة لكيان المستعمرة الصهيونية على طبق من ذهب , وذلك بهدف تمكين التغلغل الصهيوني في المنطقة العربية ككل , وفي ارض العراق العظيم على وجه التحديد , ( فإسرائيل لا تتوقف عن لعب الدور الذي حدده لها مؤسسها الروحي ثيودور هرتزل , وهو أن تكون حصنا متقدما للحضارة الغربية في مواجهة بربرية الشرق , وبرنامج إسرائيل هو تفكيك الدول المجاورة من النيل الى الفرات , بمقتضى ما جاء في نشرة كيفونيم الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية سالفة الذكر ) , انظر : القوة والإرهاب – جذورها في عمق الثقافة الاميركية لنعوم تشومسكي 0
والمتتبع لما يحدث على ارض الرافدين منذ اللحظة الأولى للعدوان الثلاثي الثاني على ارض عربية مسلمة والى الآن , يشاهد تلك الأيادي القذرة وهي ترسم مصالحها بشتى الوسائل والأساليب المعروفة لدى أمثالها من الطفيليات التي تقتات على ما يتبقى من فتات الآخرين , وذلك بالطبع تحت أنظار وبمساعدة غير محدودة من قبل الإمبراطورية الاميركية وحلفاء الصهيونية العالمية , وهو ما يثبت أن هذه الأخيرة لم تدخل العراق المسلم العربي الحبيب , من اجل أهدافها الإنسانية المزعومة , والتي طالما عزفت على أوتارها المسمومة , كالديمقراطية والعدالة وتحقيق حقوق الإنسان ومحاربة الديكتاتوريات , بحسب ما ادعته كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية يوم الخميس الموافق 29/ 5 / 2008 م , تعليقا على كتاب سكوت مكليلان المتحدث الصحفي السابق باسم البيت الأبيض , والمعنون “بماذا حدث.. داخل البيت الأبيض في فترة بوش والخداع الثقافي لواشنطن” , والذي فضح فيه المقاصد الصهيواميركية من احتلال العراق بقولها : (فعلنا بعض الأشياء بشكل جيد , وبعض الأشياء بشكل غير جيد , الشيء الذي أنا متأكدة منه أنها لم تكن خطأ بل كانت لتحرير شعب العراق من صدام حسين ) 0
بل كان ذلك لهدف واحد فقط , وهو ما تؤكده الأحداث اليوم وفي كل يوم , – ونقصد – تامين الأمن والاستقرار للمستعمرة الإسرائيلية الكبرى , وذلك من خلال تحطيم احد أهم الخطوط الدفاعية والمناعية العربية في مواجهة العدو الصهيوني , وبالتالي تمكينه من تحقيق مخططاته الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية المعروفة لدى الكثيرين في هذه البقعة الحساسة من العالم , وهو ما يؤكده الكاتب الأميركي ستيفن سينجوسكي في وثيقة تحليلية استند فيها إلى مواقف وأفكار دبلوماسيين ومحللين سياسيين أميركيين وإسرائيليين , والتي يشير فيها الى أن أحد أهم الأهداف الرئيسية للحرب الأميركية على العراق هو حماية إسرائيل , وتحدث سنيجوسكي عن الدوافع التي تجعل دولة عظمى تخوض حرباً من أجل حماية ( دولة ) لا يكاد يكون لها وزن على الخارطة ، وتحدث أيضاً عن المحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية , وكيف انشقوا عن الديمقراطيين في ستينات وسبعينات القرن الماضي وجعلوا منالدفاع عن إسرائيل , مبدأً أساسياً وهدفاً محورياً في سياستهم , وتحدث الكاتبالأميركي في هذه الوثيقة عن أهم ما جاء فيها من حلقات عن علاقة أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001 بغزو العراق.
ويثبت تلك التوجهات كذلك تسلسل الأحداث والوقائع التاريخية التي تلت ذلك العدوان الظالم مباشرة , فبداية وبكل وقاحة يعلن مارك جروسمان وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية في 21 / 3 / 2003م , وهو المسئول عن وضع خطة سيناريو المستقبل بالنسبة للعراق، ما مفاده :- أن الولايات المتحدة الاميركية تتوقع أن يكون الاعتراف ( بدولة ) إسرائيل من بين الإجراءات الأولى للحكومة العراقية الجديدة ، والتي ستعمل واشنطن على تشكيلها عقب الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين؟! , وان إقامة العراق علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، دليل على ديمقراطية هذه الدولة العراقية المستقبلية , كذلك اتضحت تلك الأهداف الصهيواميركية المخطط لها سلفا , وليس من باب المصادفة من خلال تعيين الجنرال جي جارنر الصهيوني والليكودي التوجه كما يصفه مرشح الرئاسة الأمريكي لعام 2004 لاروش لتولي شؤون العراق في فترة الاحتلال الأمريكي له 0
وها نحن اليوم وبعد مضي نصف عقد على دخول تلك القوات الصهيواميركية المعتدية في ارض الرافدين , نزداد يقينا وعلما بتلك المخططات القذرة , ويزداد جدار التكتم والتواجد الخائن في ارض العراق وخارجها ثقوبا وشروخا ورتوق , ليكشف حقيقة ما أخفاه أعوان الاحتلال وأعداء العراق الحبيب من مؤامرات وانتهاكات صهيونية , منذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا , بداية بسرقة نفط العراقي – انظر مقالنا : إسرائيل ومعادلة النفط العراقي , ومرورا بسرقة ثرواته التاريخية والحضارية ومدخراته وتراثه , وليس انتهاء بمحاولات تفتيته وتقسيمه وتجزئته , وتوسيع دائرة التواجد الاقتصادي والسياسي والعسكري والاستخباراتي الإسرائيلي في العراق من خلال الموساد وشركات السلاح والمخدرات وغيرها 0
وهكذا تتضح اللعبة المكشوفة رغم إصرار الكثير من ذيول الاستعمار وأعوانه بالداخل العراقي وخارجه وتكتمهم على ذلك التواجد والتغلغل الصهيوني وأهدافه حتى اليوم , والتي فضحها الاستعجال على نيل الجائزة من سقوط العراق او انهياره او ضعفه , – فللأسف – ما زال هناك العديد من الخونة لقضايا الأمة , يقتاتون كحال تلك المستعمرة وأعداء هذه الأمة من وراء لحوم أبناءها ودماءهم , فهم بذلك كالحرباء التي تتلون بعشرات الألوان بهدف التخفي , فكذلك هم يتلونون بأكثر من ذلك , بهدف تحقيق مكاسب شخصية خاصة , متناسين أنهم بذلك يتسببون في ضعف هذه الأمة , ويساعدون أعداءها والمتربصين بها على تحطيمها وإضعافها 0
الأستاذ / محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية – سلطنة عمان