قابل المحامي العراقي بديع عارف الرئيس الراحل صدام حسين خلال فترة احتجازه ومحاكمته وقبيل اعدامه عشر مرات علي الاقل في دائرة تلفزيونية ضيقة وضعها الامريكيون، كما قابله خلال المحاكمة مرتين علي الاقل وجاهيا. وقبل ذلك وقف المحامي عارف مع الرئيس صدام في عشرات المحطات طوال الثلاثين عاما التي شهدها حكمه، فقد كانت تربطه به علاقة خاصة منذ كان صدام نائبا لرئيس الجمهورية ومسؤولا عن الملف النفطي.
لذلك يمكن القول ان المحامي عارف، وهو احد المراجع القانونية في العراق يحتفظ بذكريات كثيرة عن مواقف وتحولات ومنعطفات لها علاقة بالعراق المعاصر قبل تخريب البلد، كما يقول، من قبل الاحتلال والطائفيين، وهي تحولات من المنتظر ان يوثقها الرجل بصيغة كتاب يقدم فيه شهادته وذكرياته علي المرحلة والحالة العراقية قبل وأثناء الإحتلال، كما خلال وبعد المحاكمات الشهيرة في المنطقة الخضراء.
لدي عارف الكثير مما يقوله في اسرار وروايات ما حصل في العراق مؤخرا، بالاضافة الي ما جري في الماضي. وقد مكنه وضعه القانوني كمحام لعائلة صدام اولا ولطارق عزيز ونخبة من عائلات كبار أركان الحكم السابق ثانيا، من الاطلاع علي الكثير خلف كواليس المحكمة التي شكلها الاحتلال لمحاكمة رموز النظام العراقي السابق، وعلي ما يحصل بصورة محددة داخل المنطقة الخضراء.
يورانيوم الكردي وصدام حسين
اصبح رأس المحامي عارف مطلوبا الآن في العراق، فالرجل علي نحو او اخر مطارد، وانتهي به الامر بعد ان طرده القاضي من قاعة محكمة طارق عزيز مع عائلته في عمان بحثا عن قليل من الراحة والامان وسعيا كما يقول للكشف عن فضائح العدالة بنسختها العراقية الحالية في ظل الاحتلال.
وقد سرد المحامي عارف في حديث مطول لـ القدس العربي بعض تفاصيل ما لديه من معلومات وافكار وبعض حكاياته الشخصية المباشرة مع الرئيس الراحل صدام حسين وتحدث الرجل عن محطتين اساسيتين له مع صدام في بداية عقد السبعينيات تتعلق الاولي باكتشاف اليورانيوم في العراق والثانية بملف النفط.
وحسب رواية عارف جاءه عام 1971 شقيق زوجته واسمه زيد ياسين وتحدث معه عن عجوز كردي عمره ثمانون عاما واسمه الحاج توفيق برواري الذي يعود في اصله لمنطقة بروارة الشهيرة بزراعة التفاح حيث حصلت الحادثة قبل مرحلة النفط، وقال العجوز الكردي ان لديه مجموعة من احجار اليورانيوم رافضا عرضها الا امام نائب رئيس الجمهورية صدام حسين.
وجلس عارف مع العجوز الكردي للتباحث في امر احجار اليورانيوم في مطعم (العش الذهبي) في الساحة التي تسمي الان ساحة الفردوس وسط بغداد وطلب العجوز من عارف ايصاله بالسيد النائب لعرض الاحجار التي يحملها باعتبارها من خام اليورانيوم، فيما روي لاحقا قصته مع هذه الاحجار وتعود جذورها لعام 1954، حيث حضرت لمنطقة الشمال بعثة انكليزية لتنفيذ حفريات بالجبال وبسبب عدم وجود فندق في المنطقة كان افراد البعثة ينامون عند الحاج برواري مقابل قليل من المال ولاحظ في الاثناء انهم يجمعون بعض الاحجار ويهتمون بها ويخبئونها.
وفي الليل يقدم برواري لضيوفه الانكليز مشروب العرق فيسهرون وينامون ثم يندفع المضيف لسرقة بعض الاحجار. وفي احد الايام قال الانكليز لمضيفهم الكردي انهم بصدد اقامة مطار في المنطقة.
ويروي عارف أنه اتصل بصدام حسين واعطاه نبذة عن الموضوع فطلب الاخير تأجيل الامر الي ان يعود عبد الرزاق من سفرة له الي اوروبا. ولم اكن اعرف من هو عبد الرزاق وقتها، لكن في اليوم التالي ذهبنا جميعا لمقابلة صدام انا والعجوز الكردي ونسيبي الذي لم يسمح له بالدخول ووجدنا صدام في المجلس الوطني العراقي حيث مكتبه الدائم يتناول طعام الافطار برفقة قيادي بارز في ذلك الوقت، ودخلنا لقاعة الاجتماع بالترتيب مع سكرتير صدام علي العبيدي وبدون تفتيش.
وبسرعة استقبل صدام الشخص الكردي بحفاوة وعالجه بأحاديث خاصة عن التاريخ بهدف احتواء انفعاله ثم قال له فجأة: كاكا توفيق هاي الاحجار شنو ؟ وروي الكردي القصة التي سمعها عارف سابقا ثم قام باخراج الاحجار من جيوبه وفردها علي الطاولة امام صدام الذي رفض لمسها ثم بادر لتغيير الموضوع مع الضيف الكردي بحديث سريع عن تركيا والحدود معها، فيما حمل السكرتير العبيدي الاحجار وهو حي يرزق .
لم اتابع بعدها ـ يقول عارف ـ مصير ملف اليورانيوم بشكل محدد لكن بعد ايام جاءني العجوز الكردي وقبلني وابلغني بان الدولة ستحسب له راتبا شهريا مقداره 300 دينار وهي تقارب آنذاك 900 دولار وبان صدام قرر تعيينه مختارا في قريته وبين قومه، ثم علمت لاحقا بان نجل هذا المواطن الكردي اصبح عضوا في المجلس الوطني، ورغم ان اذاعة صوت امريكا كانت تتحدث عن اكتشاف اليورانيوم شمال العراق الا اني لم اعرف ماذا حصل لاحقا في هذا الموضوع، وكل ما عرفته في النهاية هو اتصال عبد الرزاق الهاشمي رئيس المؤسسة العامة للمعادن بي بعد عدة ايام واستقبالي بشكل فاتر حيث قال لي ان الاحجار عادية وليست يورانيوم فاستغربت آنذاك سبب استدعائي ما دامت المسألة عادية لكني عموما في وقتها لم اكن اهتم بهذه الاشياء كثيرا وكنت حريصا كبقية الشباب في سني علي المرح والمتعة.
.. مقابل الاعتراف بألمانيا الغربية
محطة ثانية يعتبرها المحامي عارف اساسية في خبرته بالرئيس الراحل صدام حسين ووقف عليها بعد قرار القيادة بتأميم النفط عام 1972 حيث قرر عارف الانسحاب من وظيفته في احدي الوزارات والعمل في سلك المحاماة، وجاءه شخص صديق وابلغه بوجود وفد الماني وبريطاني مشترك يضم ايضا شخصا لبنانيا يرغبون باللقاء به.
ويروي: قابلتهم في فندق كبير في بغداد وقالوا لي ان علي العراق حصارا وحظرا بعد تأميم النفط، وان احدا في السوق الدولية لن يشتري منا النفط وطلبوا مني ترتيب لقاء بينهم وبين صدام حسين علي اساس ان لديهم عرضا لشراء النفط قد يستمر لعشر سنوات، وقد كان المرحوم عدنان الحمداني مسؤولا مباشرا عن ملف النفط الذي يشرف عليه نائب الرئيس صدام حسين، فاتصلت به وابلغته بقصة هذا الوفد، وبعد نصف ساعة خابرني وقال بان صدام حسين ينتظرنا جميعا في المجلس الوطني .
ويتابع عارف: جلست عند عدنان الحمداني وناداه صدام مع اعضاء الوفد واجتمعوا لاكثر من ثلاث ساعات، ولم احضر هذا اللقاء وبقيت منتظرا في مكتب الحمداني الي ان غادرت. وفي نفس اليوم عصرا ابلغني الوسيط بان اعضاء الوفد يريدون دعوتي علي العشاء فحضرت وقدموا لي هدية هي عبارة عن 15 الف دينار وطلبوا مني اختيار سيارة حديثة لكي يشتروها لي، وفعلا اخترت سيارة حمراء كانت قد اعجبتني سابقا ولم الجأ لاختيار سيارة فارهة بسبب ضعف اهتمامي بالمال والوجاهة، وكان سعرها 1300 دينار، وفوجئت بالالمان والبريطانيين وهم يتحدثون عن استعدادهم لشراء نفط بمبلغ كبير آنذاك يصل لـ475 مليون دينار عراقي (الدينار بثلاثة دولارات) علي مدي عشر سنوات وفوجئت اكثر عندما سألني الضيوف السؤال التالي: من برأيك اقوي عندكم النائب صدام حسين ام رئيس الجمهورية احمد حسن البكر؟.. بطبيعة الحال ارتبت بالسؤال وقلت ان هذا رئيس الجمهورية وذاك يمثل الحزب، وتهربت من نقاش سياسي تحت هذا العنوان، وحدثوني عن تخصيص 15 سنتا علي كل برميل نفط يشترونه كعمولة لي، واقترحوا تكليفي كوسيط رسمي، لكن عند هذه اللحظات انكمشت جدا عندما طرحوا علي سؤالا اخر.. ما هو الثمن الذي يريده العراقيون لقاء الاعتراف بألمانيا الغربية؟ قلت لهم لماذا لم تسألوا صدام حسين مباشرة عن ذلك؟ ثم قالوا ان الامور سيتم تسويتها. وسألوني بعد ذلك ما اذا كنت اعرف ناظم كزار مدير الامن العام الذي كان من الشخصيات المهمة والمتنفذة معربين عن استعدادهم لقاء الاعتراف بالمانيا الغربية تزويدنا بأجهزة تنصت ونظام مخابراتي وبوليسي علي المستوي العالمي، كما وجهوا اسئلة تتعلق بشخص اخر مهم جدا حينذاك اغتيل في وقت لاحق.
تصرفي الصحيح أنقذ رأسي
هذه الاسئلة أثارت ارتيابي وارتباكي ـ يقول عارف ـ فاتصلت بناظم كزار مدير الامن العام وبعدنان الحمداني وبأحد اعضاء فرع قيادة حزب البعث في بغداد ووضعتهم بصورة مفصلة عن الحوار ثم وضعت المبلغ الذي منحوني اياه بين يدي مدير الامن العام فقد خفت من اساءة تفسير ما حصل.
وبعد عشرة ايام استدعاني النائب صدام حسين وقال لي بالحرف: بديع انت رجل سأعتز بك دائما وسأحترمك، وارجو ان تتصل بي اذا احتجت لاي شيء. ثم سمعته وهو يتحدث علي الهاتف مشيرا لوجود مواطن لبناني ضيف علي الدولة مع الاجانب لا بد من مراقبته بسبب وجود خطر علي الدولة، وفهمت لاحقا من هو هذا اللبناني فقد كان تاجر اسلحة مشهورا ونطق اسمه الرئيس صدام بعد سنوات خلال الحرب مع ايران حيث قال في خطبة له مع اعضاء القيادة ان هذا الرجل اللبناني الذي كشفه لنا بديع عارف يزود ايران بالاسلحة، وهو لبناني من عائلة مشهورة، وقبل ذلك كان الضيوف الذين تحدثت عنهم قد عرضوا علي عقدا وراتبا شهريا لكني رفضت، فاهتمامي منصب في الواقع علي ما يهتم فيه الشباب من متعة ومغامرات، ومستوي الارتياب من هؤلاء الضيوف مقلق، وقد كنت صادقا في ارتيابي، فبعد عامين جلست في نادي المنصور في سهرة خاصة مع جماعة ولاحظت بان احدهم يتقرب مني ويتودد الي ولا اذكر اسمه الان لكنه قال لي عبارة لا انساها وهي (كنا نراقبكم وصدام حسين ابعد الالمان والبريطانيين واللبنانيين) وحمدت الله كثيرا علي اني تصرفت بالطريقة الصحيحة والا لما كنت موجودا حتي اللحظة.
القاضي الفرد وتيارات المحكمة
ومن الماضي ينتقل بديع عارف للحديث عن واقع المحاكمات التي تجري في المنطقة الخضراء قائلا: اننا قانونيا ووطنيا واخلاقيا امام محكمة تختلف عن كل المحاكمات السابقة التي عهدناها في العراق من حيث الشخوص والأداء، ومن حيث الوضع السياسي، فقد بدأت في المحكمة مؤخرا محاولة تصفية رموز التيار الصدري، وهناك اجنحة وتيارات متصارعة داخل اطار المحكمة وبين قضاتها والعاملين فيها، فالغرفة القضائية المخصصة للتجار مثلا تتنازعها عدة تيارات من بينها التيار الصدري والمجلس الاعلي للثورة وتيار المهنيين والتيار الكردي .
ومن الواضح لعارف ان القاضي الشهير رؤوف رشيد عبد الرحمن الذي حكم باعدام صدام حسين لا يتأثر كثيرا بالضغوط التي تخضع لها بقية الاجنحة في المحكمة، والسبب بسيط، هذا الرجل لديه منطقة آمنة في الشمال يمكنه العودة اليها ويستطيع الاستغناء عن البقاء في المنطقة الخضراء المحمية وهو امتياز اساسي في الواقع لا يملكه بقية من يعمل في دائرة المحاكم داخل المنطقة الخضراء، فكل ممثل لاي جناح او تيار يهتم بالبقاء في المنطقة الخضراء ويعتقد بان حياته مهددة في حال الخروج منها، الامر الذي يغذي جذوة الصراع .
ويؤكد المحامي عارف وجود جناح يمثل البعثيين السابقين مقابل وجود تيار يقوده قاضي التحقيق محمد العريبي الذي يطالب بنقل المحسوبين علي التيارات الأخري، والعريبي نفسه ينظر الان بملف احداث انتفاضة الجنوب التي تسمي بالانتفاضة الشعبانية وهو نفسه شارك في قتل بعض الضحايا في هذا الامر. ولدي المحامي عارف وثيقة موجهة من فدائيي صدام الي العريبي تدعوه للتحقيق مع اثني عشر شخصا بتهمة الانتماء لاحزاب دينية مناهضة لصدام حسين، وقد كان الرجل قاضيا للتحقيق في الامر واصدر بشكل موثق القرار التالي: يلقي القبض علي المجرمين التالية اسماؤهم ثم ينفذ حكم الاعدام بحقهم حيث ذبح هؤلاء بقرار من القاضي نفسه في اليوم التالي ولاحظوا ـ يقول عارف ـ استخدامه لتعبير المجرمين قبل تجريمهم، وهذا يعني ان العريبي يجب ان ينزل عن منصة الحكم ويدخل للقفص في القضية التي كلف بالتحقيق فيها .
وبالنسبة للقاضي رؤوف تثقل كاهله نفسيا واخلاقيا مسألة اعدام الرئيس صدام حسين والوضع عموما داخل المحكمة عشوائي ولا مجال لاثارة قضايا العدالة والقانون بسبب هذا الوضع العشوائي . وبرأي عارف فان المساحة المتاحة هي فقط اثارة القضية امام الرأي العام العالمي.
وفي المحكمة هناك جناح جعفر الموسوي الذي اعلن بان المحكمة يسودها الفساد الاخلاقي والقانوني الامر الذي ينبغي ان يدفع باتجاه تحريك دعوي ضده لو كانت الاجواء سليمة من الناحية القانونية .
أمراض كثيرة وعلاجات قليلة
الإقامة في المنطقة الخضراء بالنسبة لشخص من طراز المحامي بديع عارف أشبه بالإقامة في الجحيم وعند الشيطان ووسط الكارثة والفضيحة وهي بكل الأحوال إقامة متنازع عليها عند المحامين والعاملين والقضاة في المحكمة لان الخروج منها يعني الإستعداد لمواجهة الموت والتصفية .
يقول عارف: أسوأ ما يمكن ان يحصل للمرء هو الإضطرار للإقامة في السجن الكبير الذي يحمل إسم المنطقة الخضرا.ء بصراحة كل زقاق وجدار ومرفق في المكان يذكرني بالرئيس صدام حسين، فالمكان يحمل روحه وعلاماته وإشاراته مما يعني ان إقامة رجل مثلي في هذه الظروف مسألة معقدة تماما، فبصمات صدام وصوره تقفز للجميع خلال التنقل في المكان خصوصا عندما تشاهد القصور الرئاسية ومن يجلس فيها الآن ومرافق الدولة العراقية .
وأكثر ما يغيظ المحامي عارف هو الإمتناع القصدي عن تقديم خدمة طبية إنسانية لمن يقيم في المكان، فالمعتقلون والأسري وممثلوهم القانونيون يخضعون للفحص عند طبيب عام، ولا يوجد أطباء إختصاص والخيار الوحيد لتلقي فحص طبي متخصص هو المغادرة للكويت او لعمان او للدوحة.. هذا ما يقوله لنا الفريق الطبي المتواضع الذي يلجأ دوما للمسكنات والمخدرات بسبب عدم وجود تشخيص فعلي لأي مرض حتي ان طبيبا وضع في فمي حشوة من المخدر لتمكيني من إحتمال آلام أحد أسناني وإكتشفت بان معالجة السن مسألة صعبة في منطقة خضراء معزولة يشرف عليها الأمريكيون في بلد تميز بالطب وبين أبنائه عمالقة في عالم الطب .
هذا الوضع الطبي السيئ أصبح عنوانا للمعاناة بالنسبة لمن تبقي من أركان الحكم العراقي السابق وأقرباء الرئيس صدام حسين ورجال الدولة العراقية السابقين، فهناك الكثير من الأمراض والقليل جدا من العلاج.. يقول عارف وهو يتنهد مستذكرا وحش السرطان وغيره من الأمراض المستعصية التي فتكت بشخصيات عراقية بارزة قبل ان تخرج من خلف القضبان بدون علاج وبدون إفراج عملا بتعليمات وقوانين التعاهدات الدولية والصليب الأحمر.
ويستذكر قائمة بأسماء عراقيين بارزين قضوا داخل المعتقلات بسبب عدم وجود علاجات أو في طريقهم للموت والهدف واضح ان يموتوا في الزنازين كطارق عزيز مثلا.. ثم وزير التجارة السابق محمد مهدي صالح وهو رجل فاضل ومحترم وموكلي أصيبت إحدي عينيه بالعمي والثانية ضعفت وعلي شفا ان يفقدها والرجل يوجه نداء لأي طبيب عيون متبرع يمكن ان يقدم له المساعدة.. غازي العبيدي وهو قيادي مهم توفي بالسرطان بعد سنة من الإفراج عنه إثر إعتقاله بدون تهمة محددة. وداخل السجن توفي محمد الجبوري بالسرطان بعد إعتقاله لإنه كان مديرا في جهاز المخابرات أيام صدام حسين، فيما يعاني فاضل عباس العامري أحد كبار موظفي هيئة التصنيع العسكري من متاعب سرطان القولون داخل سجنه.. وهناك أصيب داخل السجن رئيس الأركان الأسبق الجنرال سعدي طعمة بمرض السرطان وأصيب مدير الإستخبارات العسكرية الأسبق زهير النقيب بحالة عمي كلية وأصبح ضريرا داخل السجن .
وبرأي عارف فان هؤلاء جميعا بالمعيار الدولي والقانوني والأخلاقي كان ينبغي الإفراج عنهم او توفير العلاج الطبي المعقول لهم لكن هذا الوضع مفتعل ومقصود بحد ذاته ولا يمكن قراءته إلا في سياق الرغبة في الإنتقام والتصفية عند حكام العراق الجدد.
صدام لمحاميه: لا تغضب من رغد
يعرف المحامي بديع عارف الكثير عن تفاصيل وخلفيات وحوارات التمثيل القانوني التي برزت عندما بدأت محاكمة الرئيس الراحل صدام حسين. في وقت مبكر كان صدام قد إختار محاميا محددا لتمثيله في المحكمة هو صديقه الشخصي المحامي طلال فلير الفيصل الذي رفض الطلب وإبتعد عن المحكمة برمتها. ومن بين جميع أعضاء هيئة الدفاع عن صدام وكبار أركان حكمه لوحظ ان الرئيس الراحل كان يثق بالمحامي بدر العواد البندر الذي كان يمثل والده أيضا، لكن صدام لم يكن يرغب في تهديد حياة اي محام عراقي يتقدم للدفاع عنه وبنفس الوقت رفض اي تمثيل اجنبي من الناحية القانونية وأصر علي وجود تمثيل عراقي اولا .
وللخروج من المأزق تقرر إستقدام طلبات للدفاع عن صدام حسين في مقر نقابة المحامين العراقيين ومن قبل هيئتها بعد الإحتلال، فتقدم للمهمة الصعبة 23 محاميا فقط وجرت قرعة وكان الأساس إختيار واحد فقط، فحملت ورقة القرعة في النقابة إسم المحامي خليل الدليمي.
آنذاك كان صدام معزولا تماما عن العالم ويتحمس لأي إتصال من أي نوع بأي شخص عراقي، ووجد في المحامي الدليمي الذي قبلته المحكمة فرصة طيبة لممارسة الإتصال بشخص عراقي ووضع مصيره بين يدي محاميه الشاب. وبين الحين والآخر كان المحامي بديع عارف يدخل في سجالات قانونية بين صدام والدليمي عندما تتوفر الفرصة.
يشهد عارف بأن صدام رفض لقاءه في إحدي المرات بعد ان طلبه هو للقاء بدون محاميه الدليمي مع ان اللقاء الفردي كان يحتاج لتوكيل خاص موقع من صدام لعارف وهو توكيل لم يحصل عليه الطرفان لأكثر من شهرين ويشهد الأخير بأن صدام وفي وقت مبكر وضع خيار المغادرة بين يدي الدليمي إذا كان خائفا علي حياته كما دافع عن الأخير عندما حاول البعض دق أسافين بينه وبين محاميه الدليمي قائلا بأنه لا يطلب من احد التضحية بحياته من أجله ويتفهم الظروف الصعبة التي تحيط بعمل المحامين.
وفي إحدي المرات وصلت لصدام أخبار نقاشات ساخنة قليلة بين الدليمي وإبنته في عمان رغد فقال صدام للدليمي أرجوك لا تغضب من أم علي وتفهم الضغط النفسي عليها .
حوار طريف في المحكمة
يروي عارف تفاصيل حوار طريف دار في المحكمة بينه وبين صدام حسين: قلت له أني سأغادر للشمال لمقابلة مسعود البارزاني فسألني بإستياء بالغ عن سبب الزيارة وعن حاجتي لمقابلة البارزاني مع إشارات إستنكار، فأبلغته بأن الزيارة لها علاقة بوكلاء لي هم أفراد عائلة المرحوم عدنان خير الله، فهؤلاء لهم بيت وحيد سيطر عليه أفراد حزب البارزاني وعندي امل بتفكيك البيت وإعادته للعائلة… ثم قلت لصدام : سأقابل البارزاني، فهل تود إرسال اي رسالة له عبري؟.. فقال صدام: إسمع يا بديع لن أرسل رسالة لأي مخلوق في الأرض ما لم أكن حرا طليقا. وفي حادثة أخري إستقرت في وجدان المحامي عارف لها علاقة بجلال الطالباني الذي عرض علي إبنة صدام رغد الإقامة في منطقة الشمال الكردي حيث ناقشتها أنا ـ يقول بديع ـ في الأمر، وكان ردها قاسيا جدا حيث إستخدمت كلمات قاسية وأبلغت صدام حسين في السجن بأني تحدثت مع أم علي بشأن عرض الطالباني لها فسألني بشغف: ماذا قالت بصورة محددة؟.. وأجبته بالعبارة التي قالتها، فإبتسم صدام حسين وقال لي وهو في حالة إسترخاء: الآن أستطيع الموت وانا مرتاح الضمير. وأضاف: انا أعتز بكل نساء العراق لكن أم علي أثلجت صدري وأحسبها بآلاف الرجال.
ويؤكد عارف ان صدام طلب منه الرأفة بمحاميه خليل الدليمي لإنه يخشي علي حياته بعد أن أثيرت تسريبات حول إحتمال مغادرة المحامي بعد قرار إعدام صدام حسين. ويشير عارف الي انه غادر خلال المحاكمة للتفاوض مع جلال الطالباني وعامله الأكراد بلطف شديد وبعضهم كان يرسل عبري الرسائل الودية في الطائرة والشارع للرئيس صدام حسين .
وكشف المحامي عارف النقاب عن أنه أصلا أول من فكر بتأسيس هيئة للدفاع عن الرئيس الراحل ورفاقه من قادة العراق وكبار مسؤولي وأركان الحكم، وانه يمثل عائلة الرئيس قانونيا من عدة سنوات، مشيرا الي انه بقي علي تواصل مع بنات صدام وعائلات المحتجزين جميعا وقدم نصائحه ومشاوراته دائما بكل امانة ووفقا لما يقتضيه الواجب، معتبرا ان سوء فهم مع المحامي الأردني زياد الخصاونة الذي كلف برئاسة هيئة الإسناد ساهم في إبعاده عن الهيئة في البداية، وإن بقي متواصلا مع الهيئة في كل التفاصيل ومستعدا للمساعدة عندما تطلب منه. ہوما هو سبب سوء الفهم هذا؟ إعترض الأخوة علي رسالة وجهتها لإياد علاوي عندما كان رئيسا للوزراء وقد كان صديقا لي في الماضي وقالوا بان هذه الرسالة بمثابة إعتراف مني بحكومة وضعها الإحتلال، وقدرت وقتها بأن الإبتعاد قليلا عن تقديرات من هذا النوع قد يكون الأفضل ليس لي ولكن للهيئة ولعائلة الرئيس ولصدام نفسه، فقد قمت بواجبي في النصيحة وركزت علي بقية الموكلين الذين قبلت التوكل عنهم.
ويصف عارف الرئيس صدام بانه دقيق ومتواضع وشفاف وصادق حتي في أحلك ظروف الإعتقال والمحاكمة، وبعد قرار الإعدام إضافة الي انه تصرف بإحترام شديد مع الممثلين القانونيين له ولم يسئ لأي منهم، وانه كانت لديه إهتمامات خاصة جدا في الكتابة وتلاوة القرآن الكريم وتوثيق بعض الملاحظات . ومن المفارقات التي يستذكرها عارف إهتمام صدام خلال سجنه بإعادة نفس الساعة التي كان يلبسها وأرسلها مع المحامين لعمان لإصلاحها ورغم عرض ساعات اخري عليه إلا أنه رفض مصرا علي إستعادة الساعة التي كان يحملها.
عن ”القدس العربي”