وجدان عبدالعزيز
تبقى المحاولات مستمرة في افتراض الدخول إلى النص الأدبي ومحاولة كشف ماهو باطني بطريقة تفكيكية بدوال(القناعة التي مؤداها إن ما يظهر “من النص” هو ليس كل شيء بل هناك شيء آخر ) # 1..
وحينما نروم الدخول إلى نص (ذاكرة البنفسج) للشاعرة فاطمة الشيدي لابد لنا إن نركب راحلة الإزالة ، لان النص يحمل الكثير من الأشياء الباطنية ولواعجا تختض فتخرج على نسق اللغة المعتاد إلى نسق يستوعبها ، وقد يكون أكثر باطنية كترتيل روحي في محراب الحب مغتسلا بأمطار ربيع اللقاء على هامش الزمن الذي يكاد إن يتماهى باللانهاية ناهيك عن بدايته المجهولة والتي جاءت كلحظة الشعر ..
من همنا نستطيع إن نقول إن الشاعرة حاولت افتراض المسافات رغم أنها محاطة بالكوارث تقول:
(اقتعد الأرض على بعد حجرين من الكارثة)
لماذا؟ لأنها تقول :
(استجير من الفوضى كلما لمحت وجهك من خلف نوافذ الزمن)
أي أنها اعتمدت الصورة الشعرية كضربة في نهاية جملتها الطويلة ، والحقيقة لولا بريق هذه الصورة لأصبحت الجملة سياق لغوي معتاد لا يثير شهوة الدهشة فينا ، ولكن هذا الاستخدام المتوهج جعلها في مصاف التميز والأسلوب الذي يكاد إن يكون منفردا حتى في حالة تصاعد لواعجها تقول :
(واشق جيب التجلد كلما قدني الوله
واشهق بك منك إليك)
شكلت بالصورة دائرة مغلقة غير أنها تشع بريق البحث واللهفة ومحاولة التواجد في ساحة البوح وهي منفعلة بل أكثر انفعالا من خلال أسئلة تتحرك في دواخلها وتجتاح مقاطع القصيدة كلها إلا المقطع الأخير تقول :
(أما تسمعني؟)
ثم تعطي جواب افتراضي بقولها :
(ها كلي نداء)
وتتألق بالصورة لتضيء البوح من خلال حديثها :
(احتاج صوتك الخمري كي أبيع السهاد
على مرامي الحيرة
واحتاج دفء يديك شهوة للمس)
أنا المتلقي ومن خلال القطع والإلصاق لصور فاطمة الشعرية قد أكون متمكنا من حالة الإزالة لعلي الوصول إلى إرضاء قناعتي من التمكن بإمساك الشيء الآخر الذي يضمره النص ، فهي تحاول استنطاق الكلمات والحروف حتى كي (تهتف بك) ثم (تصير حين المس شغافها) على أبواب ولادة حتمية وهي الكتابة قرار الصيرورة التي تشرق على الورق وقد تسمح بالبوح وهي مساحة الحرية والاختيار ، لذا نراها تتواصل في إنارة رغباتها بقولها :
(السماوات المتهالكة الخطى تتضح بالمنتهى
والوجع المتطاول يأكل الروح بشهية قادم)
بحيث تتحول لواعجها إلى حالات توتر وشد عاطفي ينتابه قلق فكري قائم على سلسلة الأسئلة المتواصلة ..
(أما تسمعني ؟) من المقطع الأول
(فمن ذا يجير جلادي السماوات؟)
( ومن للغياب المبهوت من حرقة الرؤيا؟)
(ومن للبكاء؟) من المقطع الثاني
و(فماذا؟) من المقطع الثالث
هذه الأسئلة المتوزعة على مقاطع القصيدة ارتكزت على المقطع الأخير بصور فاقت الرؤى لتستوعب الرؤية بخط بات واضحا انه خط فلسفي اختفت فيه حالات اللون المرئي بغير المرئي لأشياء خصخصتها الشاعرة بسطوة محاولة البوح تقول :
(يوما نباغت اليقين بأرتباكة القلقلة
ونوزع العشق في جفان الروح تسكبه على
بوابتها المتأججة الانتظار)
(ونسعف الحمى برعشات خضراء تصلح “شالا” للبرد)
(وعلنا نعري الوحشة التي تعوي داخلنا
ونقشع عري ذلك الخواء المستأنس
ونستأنف خفة العد للأعياد)
ثم تقول :
(علنا نغري اللغة التي جفلت من دمائنا الملوثة بالحزن
بقليل البهجة أو العتب)
وحتى لا أقع في غواية نقل جميع الصور اكتفي بدالة القناعة ، إني على أطراف النص أحوم شفيعي محاولة الوصول إلى إن هناك شيء قيل من قبل الشاعرة وهناك شيء أخر لن يقال حمّلني مسؤولية البحث عنه .
/قصيدة (ذاكرة البنفسج)
1 /كتاب البنيوية والتفكيك ص 157