ميساء البشيتي
ماذا تبقى لي يا حبيب العمر ؟ ماذا تبقى لي ؟
ماذا تبقى من عمر الورود وعطر البرتقال وعبق الرياحين ؟ ماذا تبقى من ضحك العذارى وهمس القوافي وشدو الحساسين ؟ ماذا تبقى لي ؟؟؟
ماذا تبقى لي ؟ بضع قطرات من الزيت العكر تغلي في صدر هذا القنديل ؟ بضع خيالات متكسرة على أجنحة العتمة في ليالي الشتاء الحزين ؟ بضع تنهيدات تئن من أرق الذاكرة ووجع الماضي وهذيان الحنين ؟
ماذا تبقى لي ؟ وهذا الكون يضيق من حولي وتهبط سماؤه فوق حاجبي وتسائلني سنين العمر بحدة : لم َ بعثرت في ذيل ثوبك تاريخا ً منقوشا ً على الرمل ومحوت خطوات أبائنا الأولين ؟
ماذا تبقى لي ؟ وهذا الخليج المالح يحاصر أنفاسي اللاهثة خلف سفنه المتهادية على الشطآن استعدادا ً لرحيلها عبر أزمنة وعواصم تغفوا في مخيلتي وتصحوا على وخز الأنين ؟
يا حبيب العمر…
هل نوقف مسيرة الدموع في خارطة العمر المنهكة كي لا تخالطها دموع التماسيح المنهمرة على سفوح الشرفات وتلال الشمس وجدائل الياسمين ؟
هل أقع الليلة على همسك الشارد في كل هذا الفراغ منثورا ً على صفحات قلبي كعناقيد العنب وأزهار اللوز والدحنون ؟
هل أرتطم بجدار يحمل رسم طيفك المصلوب في إحدى الزوايا المهملة منذ ألاف السنين يلوح لي بشارة النصر ويطلق زغاريد الفرح ويكتب قصائد العشق على سطور الجبين ؟
يا حبيب العمر …
هل تكفيني هذه القطرات الشحيحة لإضاءة سنين عمري الكالحة وإنارة فانوس الذكريات العتيق؟
هل تكفيني لتدفئة سراديب القلب وتتبع دفق الدم المخثر في الشرايين ؟
هل تكفيني لرسم طيفك في المساء وتتبع إثرك واصطياد خيوط الشمس من غيمات تشرين أو كانون ؟
ماذا تبقى لي يا حبيب العمر وهذه القطرات الشحيحة في صدر هذا القنديل الهرم العجوز
لن تكفي لصبغ أيام المشيب بالحناء وغرس جذور الفرح وشكل أكاليل الفل والياسمين ؟