قال الكاتب الكبير «محمد حسنين هيكل»: إننا مقبلون علي فترة من أصعب الفترات في تاريخ مصر، وسوف تشهد البلاد ما لم تشهده من قبل من حيث الشدة ضد الحريات وخاصة حرية الرأي والتعبير، منتقدًا القرار الأخير بمد حالة الطوارئ لمدة عامين، والذي قال إنه العلامة علي سوء المرحلة المقبلة.
وأضاف أنه ليس متفائلاً علي المدي القريب في حدوث إصلاح وتغيير ولكنه متفائل تاريخيًا ولديه أمل في التغيير قائلاً: لا أتصور حياة بلا أمل فأنا أتابع ما يجري وما يقوم به الشباب علي الإنترنت علي «البلوجز» و«الفيس بوك» كوسيلة للتعبير عن الرأي وهذه طريقة مختلفة لجيل جديد يعبر بطريقة مختلفة في المجتمع المصري، لذلك فلدي تصور في أعماقي بأن هناك قوي كبيرة سوف تظهر في الأجيال القادمة.. مضيفًا: لكن المشكلة تكمن في أن هناك نظمًا لديها من وسائل التكنولوجيا العالية ما تسخره للقمع، فتترك شعبها يعترض ويتظاهر لكنها تنفذ ما تريده هي، وهذه نظرة معادية للتاريخ، والوضع الآن في العالم أن هناك قدرًا من الاختراق عن طريق هذه التكنولوجيا لم يحدث من قبل في التاريخ، فأنا أعرف مثلاً في إنجلترا، ليست هناك مكالمة تليفونية علي موبايل أو رسالة علي الإنترنت إلا وترصد وتسجل، فوسائل المتابعة والملاحقة متعددة حتي أصبحنا أمام تكنولوجيا للقمع لم نواجهها من قبل.
وأكد «هيكل» أن الصحافة المستقلة في مصر نجحت في أن تخلق حالة من اليقظة والوعي الحقيقي في المجتمع.
كان هذا في لقاء الكاتب الكبير «هيكل» أمس الأول – الثلاثاء – مع أعضاء مجلس إدارة نادي قضاة مصر وعدد كبير من رجال القضاء والصحافة والإعلام ومجلس الشعب وبينما تحرج «هيكل» من الإجابة عن التساؤلات الخاصة بالشأن الداخلي في مصر والذي لم يتحدث عنه إلا قليلاً وتحفظ في الرد علي الأسئلة التي وجهها له القضاة بشأن نادي القضاة واستقلال القضاء، وقد نفي المستشار أحمد مكي ما تردد حول أن اللقاء كان محددًا بالحديث فقط عن الشأن الخارجي، وأضاف: لقد كانت حرية اختيار الموضوع متروكة لكاتبنا الكبير وغير مشروطة بأي شيء.
قال «هيكل» في بداية حديثه: إنه كان منذ زمن طويل متشوقًا لزيارة نادي القضاة إلا أنه قاوم هذه الرغبة وظل يؤخر زيارته هذه لأسباب كثيرة منها أن النادي أصبح لسبب أو لآخر منطقة لغم، وهو يحسب علي أنه لغم، فوجود لغم في حقل ألغام مشكلة كبيرة جدًا حتي جاءت الدعوة هذه المرة فقام بتلبيتها.
وتناول حديث الكاتب الكبير جميع ما يجري من أزمات في العالم العربي، حيث وصف ما يجري بالعالم العربي الآن من تمزق وتفتيت وتجزئته بما حدث في الأندلس حينما فتح العرب الأندلس كغزاة وأقاموا دولة قوية، وقال: إن هذه اللحظة في العالم العربي تذكرني بتجربة الأندلس وتجربة الفتح، حتي حدثت الغيرة والخلاف بين القادة السياسيين والقادة العسكريين، وواجهت الأندلس أزمة منذ أن ظهرت الغنائم وظهر التهافت علي زواج الإسبانيات، وحدث نوع من أنواع الإلهاء والترف في بناء القصور الضخمة.. كانت تلك أسباب تشقق الأندلس وهذا هو ما يحدث الآن، نحن أمام تهافت علي الغنائم وانبهار بالأجنبي وغفلة عن الحقائق وأنانية شديدة وضعف و….
وأبدي «هيكل» خشيته علي المنطقة العربية مما جري في الأندلس، حيث استعرض ما يدور في بلدان العالم العربي مستهلاً بما يحدث في السودان، وقال: هذا الكيان الموجود في الجنوب غير قابل للبقاء كما هو عليه الآن، فهو كيان جغرافي جمعته فتوحات وقت محمد علي والخديوي إسماعيل، لكن ليس هناك رابط بينهما، وقسم السودان إلي أربع مناطق شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، ففي الشمال كانت مصر تلعب دورًا، أما الجنوب فيجذبه الشرق الأفريقي، والشرق يجذبه إثيوبيا، والغرب تجذبه تشاد أو ما يسمي قبائل فرنسا الاستوائية.. وفي النهاية هذا هو السودان.. وقال: أعتقد أن السودان مشاكله لن تحل بالطريقة القائمة، فبعض المشاكل السياسية التي يطول إهمالها لا يجدي معها في النهاية إلا الجراحة.
انتقل «هيكل» إلي الوضع في لبنان وقال: أعتقد أن لبنان اجتاز أزمة خطيرة جدًا كان من الممكن أن تعصف بهذا البلد، وقال: صحيح مفيش ديمقراطية في لبنان لكن هناك شيئًا أهم وهو الشرعية، فإذا كان هناك اتفاق علي وضع خاص للمسيحيين في لبنان يحقق لهم رئاسة الدولة، فهذا الوضع لا يتحقق بالديمقراطية وإنما بالتراضي، فالشرعية أهم من القانون والقانون لا يمكن أن تقوم له قائمة إلا إذا كان مرتكزًا علي الشرعية.
واستطرد: دخل لبنان حروبًا أهلية انتهت الحرب ثم باتفاق الطائف، وقال لي رفيق الحريري في باريس – أمام مستشاره غسان سلامة -: إ رئاسة الوزراء في لبنان كلفته مليار دولار.
وقال «هيكل» أنا لا أحسب رفيق الحريري شهيدًا، فالشهداء هم الناس الغلابة الذين يموتون في سبيل قضيته، ولكن أن يصبح مليونيرًا شهيدًا فهذا شيء صعب، ولكن الحريري كان سياسيًا ماهرًا وضحية ظروف كثيرة، إلا أنه استطاع أن يمسك بطريقة أو بأخري بزمام هذا البلد، حيث كان يعمل في ظروف بالغة الصعوبة.
ووصف الكاتب الكبير لبنان بأنه بلد ذات تركيبة صعبة جدًا في حد ذاتها، لكن رفيق الحريري استطاع أن ينجز عملاً عظيمًا في الطائف، إلا أن بعض البلدان العربية مع الأسف تورطوا وعملوا أخطاءً مروعة في لبنان، وتحدث هيكل عن حزب الله والسيد حسن نصر الله قائلاً: أعتقد أننا ظلمنا ناسًا كثيرًا في العالم العربي، وظلمنا بشدة السيد حسن نصر الله ولا أعلم سر الهجوم علي هذا الرجل، هذا الرجل تصرف كلبناني وليس كعميل، وحزب الله دخل معركة حياتية هائلة في ظل جو من التوتر، ولولا كثيرون في مقدمتهم حزب الله لأنفلت الكيان اللبناني كله، حتي جاءت الأزمة الأخيرة والتوتر الموجود بين التيارات اللبنانية، في حين تصور كثيرون أن بداية الأزمة هي يوم تدخل حزب الله ولكن هذا غير صحيح، فحزب الله تدخل حينما علم بتدخل عناصر مدربة من خارج لبنان، وكانت اللحظة الحرجة في الأزمة لحظة أن اغتيل «عماد مغنية» الرجل الذي أشرف علي الحرب أمام إسرائيل، وللأسف تواطأ في قتله ثلاثة أجهزة أمن عربية، فكيف يُقتل رجل خاض لسنوات طويلة معارك مشرفة؟! لذلك رأي حزب الله أن يحسم الأمور بسرعة، أما بالنسبة لــ «وليد جنبلاط» فهو رجل مزاجه متقلب نصف سياسي ونصف شاعر ونصف فنان، عاش في ترف، لكنه يري أنه كان في مواجهة مع حزب الله وتوعد بضربات قاسمة، حيث كان يراهن علي وجود «ساركوزي» و«بوش» في المنطقة لكن رهانه كان خاسراً وحسم حزب الله السيطرة علي بيروت في 24 ساعة.
وحذر «هيكل» من المساس بحزب الله وسلاحه وقال: أعتقد أنها مسألة مهمة جداً أن يُحافظ علي حزب الله، وأن مجلس الوزراء أخطأ بقراره الإعلان عن شبكة اتصالات حزب الله، ولكن لا ينبغي أن يقع لبنان رهينة لحزب الله، إنما ينبغي أن يكون وجوده واضحاً ومهماً في المنطقة.
ثم انتقل الكاتب الكبير للحديث عن القضية الفلسطينية، مشيراً إلي لقائه مؤخرآً محمود الزهار ووفد من حماس، وقال: القضية الفلسطينية اليوم في مأزق ولا أحد يتصور سوء الأحوال في غزة، ويعز علي أن يقال لي إن من حاصر وجوع الشعب الفلسطيني ليس إسرائيلي، وإنما الشيء المؤلم هو أن من حاصر الفلسطينيين وقام بتجويعهم هم العرب أنفسهم.
وحذر «هيكل» من خطورة المرحلة التي نمر بها في الصراع العربي – الإسرائيلي، واصفاً إياها بالمرحلة بالغة الخطورة في المنطقة، خاصة علي مصر، مؤكداً أن الأجندة الوحيدة المطروحة علي الساحة هي الأجندة الإسرائيلية وأن إسرائيل تمضي في طريقها ومخططها نحو دول المنطقة، وليس هناك ما يعوقها بل علي العكس فهي نجحت في أن تجذب العالم العربي للدخول في حروب فرعية بعيدة عن صراعها الحقيقي بالرغم من وضوح العدو الرئيس أمامها «ويقصد إسرائيل»، وأكد «هيكل» عدم جدية ما يجري من مفاوضات بشأن القضية الفلسطينية، مشيراً إلي أن الوضع يحتاج لتغيير موازين القوة في البداية قبل الحديث عن أي مفاوضات.
وانتقد «هيكل» هجوم بعض الدول العربية وفي مقدمتها مصر علي إيران قائلاً: أنا لا أعرف لماذا ندخل في عداء مع إيران؟ وحتي هذه اللحظة لا أستطيع أن أفهم لماذا نحن في هذا البلد لم نعترف بها منذ أول يوم؟ لا أجد سببًا لهذا علي الإطلاق، وأذكر حين قابلت الخوميني لأول مرة في باريس عام 1979 وقال لي: لماذا تعاديني مصر؟
وأضاف: إيران دولة مهمة جدًا في المنطقة ولها مواقف في قضايا مهمة جدًا، وبالرغم من أنني لا أقبل ولاية الفقيه، لكني لا أتصور أن أنهي علاقتي بإيران بسبب ولاية الفقيه، أو أن يكون موقفنا متضامنًا مع إسرائيل ضد إيران! ومع هذا إيران لا تزال بعيد جدًا عن امتلاك قنبلة نووية ولو استطاعت أن تصل خلال ثماني أو عشر سنوات لتصنيع قنبلة يبقي حاجة عظيمة، وأنا لا أتصور أن أمن مصر يمكن أن تهدده قنبلة نووية ممكن أن تصنع في إيران بعد عشر سنوات ولا تهدده 150 قنبلة موجودة فعليًا في إسرائيل!!
وقال «هيكل» نحن كمصريين وعرب لا نعرف من نحن؟ وماذا نريد؟ وأين نتجه؟!
وشدد علي أن مصر هي المسئول الأول عما يجري في المنطقة قائلاً: ما يجري في العالم العربي هو انعكاس لما يجري في مصر، فهذا بلد محوري لما يجري في المنطقة، والدور المصري هو الدور المحوري والأكبر.
وفي سؤال من أحد القضاة للأستاذ «هيكل» حول عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية وعن تصوره في حال خلو هذا المنصب خلال هذه الفترة وتصوراته عن الانتخابات الرئاسية القادمة في 2011، اكتفي «هيكل» بالرد قائلاً: مد حالة الطوارئ لعامين قادمين يفسر ويبين أشياء كثيرة دون التعرض لها!
وفي سؤال آخر حول إمكانية توجيه ضربة أمريكية لإيران واستمرار وجود القوات الأمريكية في العراق، قال: استبعد فكرة ضرب إيران، أما بالنسبة لبقاء القوات الأمريكيين في العراق، فأمريكا لن تخرج من العراق قبل 12 سنة قادمة، فهي استطاعت أن تحتوي أكبر موقع ومصدر للبترول في العالم، فكيف تتركه؟ فالعراق مصدر للطاقة التي هي أكبر كنز في العالم، فالمسألة تكمن في السيطرة علي منبع هذا الكنز.