ما أن انتقدت حزب الإصلاح الاسلامي اليمني كعضو انتمي اليه حتى تواردت الأنباء أني لم اعد إصلاحيا ،وكأن نقد الإصلاح خروجا منه وتنكرا لمبادئه كما يشاع .
جميعنا مسلمون ،على الإصلاحيين أن يقتنعوا بذلك، لا يعني أيضا أن من انتقد أو خالف خارجا عن كونه مسلم ،لقد فاحت رياح التحقير ضد كل من انتقدهم ،وكأن النقد ارتدادا ورجوعا إلى الوراء عن الاسلام ،إن تلك ممارسات “تكفيرية” كما أرى ملفوفة بعتب تحقيري فاضح لا يرضى به أي إصلاحي حقيقي شريف.
الانتماء إلى حزب الإصلاح لا يعني بالضرورة انتماء للإسلام، لأننا في الأصل مسلمون لا نحتاج إلى تزكية أحد ،ما زلت كما أظن أصلي الفجر وأؤدي الصلوات الخمس، كما يؤديها واحد منهم ،إلا إذا كان ارتياد محلات النت للقراءة والدردشة والتسلية أيضا في نظرهم ارتكاب معصية، لست متأكداً من ذلك فكثيرا ما واجهت عتابا لاذعا، لأني حد قولهم أخرج ليلا إلى النت وأسهر ،تلك حريتي الشخصية ما لم تمس أحدا بأذى ، قبل مدة اتصلت لأحد الاصلاحيين في منطقتي فبادرني قائلا :” كيف المؤتمري..؟؟”وبلهجة خليطة من -ضالعية وإبية- أردف “قالوا أنك خرجت من الاصلاح لماذا هكذا.؟!” عندها أيقنت أن ثمة تعميما حزبيا قد صدر في أوساط هؤلاء الاعضاء مفاده أني قد ارتددت وارتكبت إثما بسبب ما وجهته للإصلاح من انتقادات في بعض كتاباتي على أداءه السياسي والتنظيمي .
الإصلاح حزب سياسي يمني نشأ في بيئة يمنية متخلفة ،لذلك لم أعد ألوم منهم من يفتي أن الخروج نقده أو الخروج منه تنكرا للدين وفسقا أريد به غير وجه الله.لذلك الإصلاح محكوم بهذه البيئة.
الإسلام دين رقي وتقدم، القرءآن يحث على التفكير والتفكر وترك التقليد وإيمان المقلد إيمان “فارغ ” لا يقبله الله ..والله الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون قبل نقاش الملائكة وعرض ذلك في كتابة، ولم يخفيه حين قال في القرءآن ” قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم لا تعلمون” لم يقيم عليهم الحد ،لم يخرجهم من رحمته بل رد عليهم بما أقنعهم.
الذين يحملون مشروعا تغييرا لا يضيقون بالنقد ،ولا يرتدون نحو نهج التذمر وتلفيق تهم التضليل والتشويه لكل من واجه عثراتهم المستدامة وأدائهم العاقر بالتصحيح والنقد والإيضاح ،بل يفتحون صدورهم له ويكونون أكثر عقلانية وتقبلا لما قيل ويجعلون منه مرآة لعرض الذات عليه ،ولا يحاكمون نوايا من نقد بل يجب أن يعززوا الثقة بهم كونهم الأقدر على تلمس كوامن الخلل و الجمود في مسيرة التغيير المنشود ،ولن تستطيع أي فكرة أو حركة أو إرادة تحقيق الأفضل في مسيرتها نحو المستقبل ان تحقق ذلك إلا إذا كانت واعية لمسكوناتها وقارئة قراءة جادة لما يعتورها من خلال سيجعلها هي الأسوأ على الإطلاق..
لن نبني العقول ونحن عقولنا فارغة أو مجمدة، لن يفهم الآخر حديثنا إذا كانت إجاباتنا مراوغات وتهرب عن الإجابة! ولن أكون شاطحا في حكمي إذا صرحت أننا لا زلنا لم نبدأ البناء وأن مرحلة التعميم التي تبدو قاصرة عند الآخرين لم نطأها بعد كلية، وأن مناطق عدة من الإشكاليات والتساؤلات لازالت منحبسة في إطار العدم واللاوعي.
عقدان من الزمن الكامل يقاربان على الانتهاء من عام 1990-2008م وأقلامنا محبوسة عن البناء، وعقولنا مجمدة وكأنها توقفت عن الحياة… لن نبرر هذا بقلة الزاد وصلف العيش وضيق ما باليد وعدم التفرغ، فكل شيء نسبي في الحياة والإرادة تنسف الجبال والمشروع أكبر من أن توقفه لحظات عابرة على صعوبتها، ولكل مرحلة فقهها وتخطيطها، وفقه مرحلة الابتلاء يختلف عن فقه مرحلة النعمة ولكنه كله فقه بناء.أعضاءنا لم يصلوا الى مرحلة الولاء للقيم التي نرفعها وتجتالهم قيم القبيلة وحلقات الانتماءات الضيقة والعصبيات القاتلة .
صحيح أنني أعيد كلاما ملته الأنفس بعض الشيء وهي محقّة.. في أن النقد داخل-الحركات الإسلامية- كثيرا ما لقي عقبات وجدرانا، وأن الرأي المخالف كثيرا ما وجد راحته خارج أسوار التنظيم، ولا يعجب المرء حين يرى الكمّ الهائل من المفكّرين والمبدعين والعلماء، الذين استطاعوا أن يخطّوا كتابات رائعة ويثروا المكتبة الإسلامية والإنسانية بمؤلفات وتنظيرات صائبة ورائدة، وهم خارج غرفة التنظيم.. بل أنك تجدهم في حالة موت وانسحاب.. حتى إذا رموا بغشاوة التنظيم جانبا ورأوا أنوار الحرية والاستقلالية خارجه تفتقت مواهبهم وخرجت للسطح عبقريات وظهر رواد ومدارس. مشكلة التنظيم وحبس حرية الرأي والفعل داخله، تبدو في بعض الثنايا منتهية عند البعض ومازالت سارية المفعول عند البعض الآخر…وعلى الإصلاح في هذه المسألة أن يراجع نفسه.