محافظة الأنبار ، من المناطق الجغرافية ، التي تُشكّل الخاصرة الغربية الوسطى للعراق ، وتستوضع المدن والقرى العديدة لهذه المحافظة على الصعيد السكاني والبناء المدني ، الشريط المحاذي لمجرى نهر الفرات ، عملاً بالقاعدة الطبيعية ، التي يقوم عليها التشكيل الاجتماعي للتجمعات الإنسانية ، في التقرب من مصادر المياه والأراضي الزراعية .
غير أن العقل التحليلي المختص بشؤون التنمية المجتمعية والحضرية ، لا يتناسى بأنَّ هذه المحافظة ، هي المحافظة العراقية الوحيدة الأكثر عرضة لمخاطر التصحر ، والأكثر قحلاً عمَّن سواها من المناطق والمحافظات العراقية الأخرى ، بسبب مجموعة مشكلات إستراتيجية ، يحاول كثير من المعنيين والمسؤولين المحليين تجاهلها اليوم ، وغض البصر عنها ، تحت ذرائع وهمية ، ومصالح انتهازية ، محسوبة على النظرة السياسية الضيقة ، وعلى الأكاذيب التي يسوق لها سياسيو المصلحة الذاتية وأصحاب فكرة رأسمالية الكازينو ، دون المصلحة السكانية العامة ، وهي :
– غياب مشاريع التنمية والإعمار ، وتلاشي فرص القضاء على البطالة المحلية ، بسبب سياسات الاحتلال الأمريكي ، وما أصاب هذه المحافظة من تعطيل للحياة السكانية والتنمية المعاشية والمدنية ، على مختلف الصعد والمجالات ، من جراء ذلك الاحتلال .
– الفساد الإداري والمالي الذي أكل القدرات المؤسسية للمنظمات والدوائر الحكومية ، وعطل عطاءها الخدمي العام ، وهذا يُمثل طاحونة التدمير اليومي والموسمي ، لكل الطاقات التنموية العامة المنشودة ، بحيث أسهم ذلك الفساد في ظهور عشوائية الأهداف ، وضياع الإمكانيات ، ونهبها لصالح الأشخاص والأسماء ، وزيادة التكلفة في الفرص البديلة ، واشغال الجهود المؤسسية في نشاطات وقتية ، فاقدة للمنظور الإستراتيجي ، الذي من المفترض أن يكون مرتبطاً بتحقيق ( سياسة الرفاهية Welfare Policy ) بعموم المجتمع السشكاني في الأنبار .
– غياب قادة التنمية والإصلاح الحقيقيين ، كسياسيين وحكوميين ، وهرولة بعض العقول العلمية والجامعية المختصة بهذا المجال ، خلف الأجندات السياسية والحزبية ، من خلال إقامة ندوات غير جادة وغير رصينة ، تروج لمفاهيم جديدة مثل : الفيدرالية والإقليم ، والقدرة المحلية على التقدم والتطور ، وتواجد فرصة اخضرار الصحراء ، وإيهام الناس بأن المنطقة بمقدورها الاكتفاء الذاتي ، وأن الإقليم يمكن أن يجعل من صحراء الأنبار ، جنة للسياحة والفلاحة والتجارة والصناعات النفطية وغير النفطية ، دون بيان حقيقي لركيزة ( حماية البيئة Environment Protection ) ، وما قد تفرضه حقاً متطلبات ( سياسة التمدن Urban Policy ) وأولويات مفهوم ( المجال العام Public Realm ) ، ومثل هذه الأكاذيب أصبحت مكشوفة ، وأثمانها معروفة ، من خلال الأراضي المقاطعاتية المجانية ، التي وزعت كرشوة لهذا المدير أو ذاك المسؤول ، أو هذا العميد أو ذاك الجامعي ، ليؤيد بمنتهى الغباء فكرة الإقليم المستقل ، وتسويق مقاهيمه الممائلة .
– الغياب القطعي لجهود معالجة حالات التلوث البيئي والطبيعي ، وخلخلة التربة وحدوث الإنهيارات والفجوات الأرضية ، وانتشار الطحالب المائية ، التي يُحدِثها مجرى نهر الفرات على الضفتين ، بشكل يُهدد المدن الرئيسية القائمة عليه ، كالفلوجة والرمادي وهيت وغيرها من المدن الأخرى ، ويجعل من المشاريع الفضفاضة حول إنشاء مدن صحراوية بديلة ، مدعاة للهرب من تحمل مسؤولية مواجهة الأزمات الحالية والمشكلات المستقبلية ، التي تهدد البيئة والسكان معاً ، خاصة وأنَّ أماني إنشاء مدن صحراوية ، لن يكتب لها النجاح والحياة ، لكونها تخالف القاعدة الطبيعية ، التي يقوم عليها التشكيل الاجتماعي للتجمعات الإنسانية ، في التقرُّب من مصادر المياه والأراضي الزراعية ، فضلا عن تزايد حالات تسمم نهر الفرات ، بسبب الملوثات العديدة الداخلة إلى مياهه .
إن مجتمع منطقة الأنبار ، من المجتمعات الزراعية كما هو معروف ، وقد أصيب هذا المجتمع بشلل تام في ممارسة شؤون الزراعة والري ، بعد أن حل الاحتلال في البلد ، إلى الدرجة التي أصبحت فيه جميع المحاصيل الزراعية والحيوانية مستوردة من الجارة الشقيقة سوريا ، الطماطة – الخيار– البطاطا – الفلفل – الرقي- البطيخ – الباذنجان– الفاصوليا الخضراء – والفواكة بأنواعها والألبان ، وحتى الشامية والذرة ومختلف مأكولات الأطفال والحلويات والموطا وشعر البنات …!
لقد أنهى المواطن الأنباري
حياته منتجاً إيجابياً للموارد المحلية ، ليصبح مستهلكاً سلبياً للموارد المستوردة ، ترك أرضه الخصبة للتحجر واليباس ، وراح يلهث خلف العولمة السياسية ، وسارقي المال العام ، ويتحول إلى مواطن مسيس مع وقف التنفيذ ، ومنهمك بالخلوي والسيارة والكرزات ، دون أن يجد صحافة تهيبُ به العودة إلى وضعيته الوطنية المنتجة ، ودون وجود جمعيات تعاونية تتوفر فيها وسائل الدعم اللازم لما يفضي إلى تعزيز الموارد الوطنية الذاتية ، ودون تحمل المسؤولين لدورهم في خدمة المصالح العامة ، ودن تحمل الجامعة لمسؤوليتها في مصافحة المجتمع المحلي ، والعمل على استعادة القيم الوطنية النبيلة ، وبث بذرتها مجدداً في نفوس الناس والشرائح ، وفوق هذا وذاك ، اضطلاع كل من هبَّ ودبَّ ، ليصبح منظراً أو مفكراً في قضايا التنمية والإعمار والتخطيط الحضري والعمراني دون هوية تخصص علمي ، ولا أحقية أكاديمية يمكن التعويل عليها ، والمصيبة أيضا في بعض أولئك الصحفيين المنافقين المأجورين ، الذين تكتب تحت يافطة أسمائهم ، أقلام مستأجرة لقيطة ، لا يعرف فاعلها من مفعولها ، كلاماً ليس له ضمير ولا وخزة ، بخصوص الخير القادم على الأنبار والديار ، عوضاً عن الغبار والتتار وقيامة العواصف وحالات الاختناق .
حياته منتجاً إيجابياً للموارد المحلية ، ليصبح مستهلكاً سلبياً للموارد المستوردة ، ترك أرضه الخصبة للتحجر واليباس ، وراح يلهث خلف العولمة السياسية ، وسارقي المال العام ، ويتحول إلى مواطن مسيس مع وقف التنفيذ ، ومنهمك بالخلوي والسيارة والكرزات ، دون أن يجد صحافة تهيبُ به العودة إلى وضعيته الوطنية المنتجة ، ودون وجود جمعيات تعاونية تتوفر فيها وسائل الدعم اللازم لما يفضي إلى تعزيز الموارد الوطنية الذاتية ، ودون تحمل المسؤولين لدورهم في خدمة المصالح العامة ، ودن تحمل الجامعة لمسؤوليتها في مصافحة المجتمع المحلي ، والعمل على استعادة القيم الوطنية النبيلة ، وبث بذرتها مجدداً في نفوس الناس والشرائح ، وفوق هذا وذاك ، اضطلاع كل من هبَّ ودبَّ ، ليصبح منظراً أو مفكراً في قضايا التنمية والإعمار والتخطيط الحضري والعمراني دون هوية تخصص علمي ، ولا أحقية أكاديمية يمكن التعويل عليها ، والمصيبة أيضا في بعض أولئك الصحفيين المنافقين المأجورين ، الذين تكتب تحت يافطة أسمائهم ، أقلام مستأجرة لقيطة ، لا يعرف فاعلها من مفعولها ، كلاماً ليس له ضمير ولا وخزة ، بخصوص الخير القادم على الأنبار والديار ، عوضاً عن الغبار والتتار وقيامة العواصف وحالات الاختناق .
فالأنبار تواجه تدمير ذاتها بذاتها ، هكذا أراد المحتلون أن يجعلوا مصيرها ، مرتهناً بين أوهام التعمير وحقيقة التدمير ، في خضم العربات والهمرات وسرفات الدبابات وقصف الطائرات ، وهكذا أراد المحتلون أن يجعلوا من الأنبار ، محافظة تحوم في إرهاصات كثيرة وصراعات كثيرة ودعاوى كثيرة .
فليس ثمة أمل بأنَّ الأنباريين بمقدورهم أن يكونوا مكتفيين ذاتياً بعد اليوم الذي خيم فيه الاحتلال الأمريكي على عموم العراق ، ويكذب كل من يدَّعي مثل هذه الدعوات الخرقاء ، فالأنبار توءم الصحراء ، وأهلها مجاورون تخون النهر وضفتيه ، وهذا ملاذهم المُخلص لهم من فتك الطبيعة القاسية ومن جبروت الصحراء وعزلتها الخانقة ، فليس لهم سوى الزراعة والفلاحة ودعم الدولة ورعاية الحكومة ، وليس لهم إلاّ إسترداد الأموال العامة ، التي يسرقها الكذابون واللصوص والحرامية من أهل البلد ، ليقيموا من خلالها ما يمكن أن يسد فجوات الخلل المؤثرة على حياتهم ومستقبل معاشهم وأمن أجيالهم .
فليس في صحراء الأنبار نفط ولا خاتم سليمان ، ولا يمكن استنساخ دبي ثانية فيها ، لتكون ضمن ثقافة أهلها وكرامة عشائرها على الطريقة الأمريكية ، وما يروج له بعض أدعياء الخصخصة الوهمية ، ورجال الأعمال الأشباح ، خاصة وأنَّ غالبية المجتمع الأنباري ينزعون نحو توظيف أبنائهم ضمن دوائر الحكومة والقطاع العام ، فأين هي تلك الشواهد التي ستجعلهم يثقون بأن التجارة الحرة والمشروعات الخاصة وإدارات الأعمال ومنظماتها ، ستكون المنطلق الاقتصادي الجديد للمنطقة ، والمؤشر الفعلي للنمو المجتمعي المستقبلي . ؟
إنها حالة الموت المبكر ، ومع الأسف فإنَّ منطقة الأنبار تنوء بأعباء حياتية كثيرة ، ولا إعانة حقيقية جادة بكل معنى الأخلاق والمسؤولية والضمير ، تلتفت إليها لإنقاذها من خريف الأحلام المُر ، الذي تعرش بين أراضيها وسهولها ومياهها ، وبين عقلية أهلها ودعاتها وحماتها والقيمين على مصالح أبنائها ، فالأنبار تعيش ظلام جباتها المتطفلين على تخريب بقية مناطقها الأمنة ، وتلويث أجوائها بالسموم والصناعات العشوائية المضرة بأكثر من النفع ، والضالعين في حالة إمتصاص الموارد العامة .
فلا تحاولوا أيها المرتزقة الجدد أن توهموا الأنباريين بأنَّ الصحراء مدرارة بالذهب ، فهذا معمل الزجاج عاطل عن العمل …! ويشكّل علامة فارقة وفاضحة بين المواطنين وبين أحلامكم المدمرة ، والمدن التجارية أو السياحية الناجحة في منطقة الأنبار ، هي تلك المدن التي يمكن قيامها قرب المسطحات المائية في الحبانية أو الثرثار ، وليس في الصحراء …!
لا تحاولوا يا بعض الجامعيين الانتهازيين ، أن تكونوا من دعاة باعة الهواء والأحلام والخراب ، لأنكم ستكونون أول المشترين والمحترقين والواقعين بما صنعت أيديكم من الحفر والأخطاء والأكاذيب ، وستحل لعنة ابن خلدون عليكم في كون المدن جاذبة للصحاري ، وليس العكس مما تحسبون وتروجون مخالفين العقل العلمي والعقل المدني والفطري أيضا .
لا تحاولوا أيها الصحفيون الحقيقيون أن تكونوا ضمن دائرة بزنزة الأخلاق ، فالواجب أن تكونوا مع عامة الناس وملامسة أحلامهم اليومية البسيطة في الحال والترحال والمعاش ، فالأنبار منطقة تاريخية في الرعي والزراعة والصيد ، وهذا واقعها الأكيد ، فلا تُلّبِسونَها ثوباً وهمياً جاعلين منها منطقة للصناعة والبورصة والمضا
ربة ، ولا شيء أكيد من هذا الملبس مقيم على أرضها وصحرائها وتضاريسها أصلاً .
ربة ، ولا شيء أكيد من هذا الملبس مقيم على أرضها وصحرائها وتضاريسها أصلاً .
الأنبار أرض البراءة والنصاعة والبياض ، وهي أرض العشائر والكرامة والحضور ، أرض المساجد والدلال والمضائف العراقية والقهوة العربية ، ليست أرض بوش ولا المارينز ولا الهمرات ولا ناطحات السحاب ، كما هي ليست أرض الانتهازيين والكذابين ، ولا مقاطعة مملوكة لهذا المسؤول أو ذاك .
وأهل الأنبار أفكارهم ممتدة إلى الأفق نحو كل المحافظات في العراق ، فليس هم من زبانية الأفكار العمودية ، التي تهبط على العقول من وراء الغيوم والمجاهيل والأعتام ، لتُقيم المتاريس بينهم وبين عراقيتهم ، فلقد شهد السياب ( رحمه الله ) طيبة الأنباريين وحراكهم البريء عبر السوق القديم ، واستنشق البياتي ( رحمه الله ) حرص الأنباريين في محبتهم للبلاد وحفظهم لأنشودة الوطن ، وأقام بينهم الأستاذ المحترم حسن العلوي مُعلماً ووجيهاً يحظى باحترام الذاكرين والمتعلمين .
وعليه .. ليس في الأنبار نفط ولا تنمية ولا دعاة مخلصون ، ومع ذلك ففي الأنبار ثمة أناس أتعبتهم دنيا الغزاة والاحتلال كثيراً ، فمسَّت روحهم بالحيرة والجوع والخوف ، وبات هؤلاء يتحسسون شحة النهر وتلوث فراته وهرب أسماكه ، كما باتوا قلقين على أسس بيوتهم ودعائم مدنهم من ذوبان تربة أرضهم وما يحدثه تسرب المياه نحو ممتلكاتهم دون حماية بيئية صارمة ، وبذلك فليتخرَّصِ المتخرِصون بما شاء لهم التخرُّص ، غير أن الحقيقة ستبقى حقيقة وهي : أنَّ محافظة الأنبار في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق ، ستبقى تراوح بين أوهام التعمير وحقائق التدمير …! وإنَّ محافظة الأنبار بحاجة إلى مسؤولين دعاة وهداة ومخلصين ، وليس إلى تجار وسماسرة وجباة ، لا يفقهون من الوطن إلا ّما يدخل في حساباتهم الشخصية والمقاطعاتية الانتهازية ، إنَّ محافظة الأنبار بحاجة إلى أنباريين عراقيين بكل معنى الكلام ، وهذا هو الدرس الوطني الكبير ، الذي شئنا إيصاله إلى أهل محافظة الأنبار ، كمحاولة للخروج من أوهام التعمير وحقائق التدمير ، التي تعامدت عليهم فصولها بالقحل واليباب ، طيلة سنوات الاحتلال الأمريكي للبلاد .
فهل من مسترشد يعي كل ذاك الخراب .؟
فهل من ضمير حيّ يأخذ بالمسببات والأسباب ، ويطرح السؤال قبل الجواب .؟
نرجو وجود ذلك ونأمل قبل الإيغال بالعتاب ….!