تابعت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير موسع مراحل نشأة (الصدر) ودراساته الأولى عبر شهادات أصدقائه وزملائه والمقربين منه أو عبر “شهادات خصوم له” يروون الحقائق مجتزأة أو “مسيَّسة” لأغراض في نفوسهم. لكن “الأسرار” التي تتكشف ربما لأول مرة في هذا الجانب أو ذلك من سيرة رجل دين شاب “ملأ الدنيا وشغل الناس”، ويقترب شيئاً فشيئاً من مرحلة جديدة لنيل مرتبة الاجتهاد الديني، وهي محور المعالجة في الجزء الثالث والأخير من هذا التقرير المتتابع.
وتقول الواشنطن بوست إن (مقتدى الصدر) هو الثالث لأربعة أخوة ولدوا في النجف لواحدة من العوائل المسلمة الشيعية التي لها شأن كبير في المجتمع العراقي، فآية الله (محمد باقر الصدر) شخصية دينية محبوبة وهو مؤسس مدرسة الفكر السياسي الديني التي جعلت حركة الصدريين تلتزم بفكرة أن رجل الدين يجب ينشغل بالقضايا السياسية بشكل فعال ونشيط لمساعدة “الجماهير الشيعية المظلومة”.
وعندما عُذب (محمد باقر الصدر) وقتل سنة 1980 من قبل حكومة الرئيس السابق (صدام حسين) كان آية الله (محمد صادق الصدر) أبو (مقتدى) قد نهج منهجه في البحث وفي التوجهات الميدانية السياسية الجريئة وضمن مسار التيار نفسه، وأصبح شيئاً فشيئاً من أشد خصوم نظام (صدام) الرئيسين.
وكان (مقتدى) يواظب لأول وهلة في متابعة دروسه في المدارس العامة، لكنه عندما أصبح في الثالث متوسط تحول الى الحوزة العلمية في النجف وهي تقريباً مركز التعليم الشيعي بالنسبة للمجتمع الديني في العراق. وواجه (مقتدى) بعض المصاعب في دراساته الحوزوية.
وفي حديثه للواشنطن بوست يزعم شخص سمّى نفسه (أبا حوراء) 47 سنة ولم يعط اسمه الكامل خوفاً على حياته، وهو تاجر في “حي الحنانه” المكان الذي نشأ فيه أولاد (الصدر)، يزعم أن (مقتدى) لم يكن يهتم بدراسته، وأنه كان مصدر القلق الكبير لوالده. وقال إن ( أخويه (مصطفى ومؤمل) كان يعتبران وريثي تراث عائلة (الصدر) على ما يبدو. وقد اعتاد أبوهما على اعتبارهما يديه. وأضاف (أبو حوراء) قوله: “أما مرتضى الأخ الرابع فهو يعاني كما يقال من مشاكل صحية لازمته طويلاً”.
ويقول صديق لـ (مقتدى) إنه دائما كان يتصف “ممازحا ” في طرق هي قاسية ولكنها غير مؤذية في الوقت نفسه. وذات مرة أظهر رغبة كبيرة في عرض قنينة سفن أب لطالب عرف فيما بعد أن (الصدر) ملأها القنينة بالماء. وفي حادث قريب جداً، أرسل الى (الشيباني) أحد مساعديه نص رسالة لقتله، لكنه الأخير اكتشف فيما بعد أن الرسالة لم تكن إلا مزحة قوية من صديقه (مقتدى ).
ويقول آخرون أن (الصدر) عرف في حداثة سنه بشغفه بأكلة الفقراء التي تسمى “الفلافل”، ولم يكن ليظهر عليه أي اختلاف بينه وبين أصدقائه التلاميذ، طبقاً لما يقوله جيران له. وفي أواخر التسعينات، أرسله أبوه للإشراف على إدارة حوزة الصدر الدينية التي افتتحت حديثاً. وفي العشرينات من عمره، تزوج (مقتدى الصدر) بنت (محمد باقر الصدر) لكن الزيجة لم ترزق بأطفال.
وتولى (مقتدى) المسؤولية الأمنية لوالده والذين يحضرون صلاة الجمعة، طبقاً لـ (ضرغام بكر الزبيدي) الذي درس مع (الصدر) ومع (أبيه) ويرأس الآن مؤسسة ( محمد باقر الصدر الإسلامية) في مدينة الكوفة، القريبة من النجف. و(الزبيدي) والآخرون يستعيدون في ذاكرتهم كيف أن (مقتدى) وقف أمام سيارات وكلاء الأمن في فترة الرئيس السابق (صدام حسين) الذين كانوا يحاولون منع موكب أبيه من المرور.
ويؤكد الزبيدي: “أنا سمعت الشهيد محمد صادق الصدر يقول: مقتدى شجاعتي”. وفي شباط 1999 اغتيل أبوه وأخواه (مصطفى) و(مؤمل) من قبل رجال مسلحين يحملون بنادق آلية. وبعدها تولى (مقتدى الصدر) المسيرة من بعدهم .
ويتجمّع الصدريون حول (مقتدى) كوريث لتراث أبيه. يقول (صلاح العبيدي) أحد كبار مساعديه: “الناس تفهم أن مقتدى هو الأكثر قرباً الى ضياء أبيه الشهيد الصدر، لذا فهم يتبعونه لذلك السبب”.
وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة سنة 2003، لم يكن معظم المسؤولين الأميركان يدركون أن الكثيرين من أتباع التيار الصدري (الحاقدين على القوات الأميركية المحتلة) قد انضموا الى قوات الحكومة التي شكلها الأميركان.
وبشكل سريع بدأ (مقتدى الصدر) يظهر كقطب معارض لـ (عبد المجيد الخوئي) رجل الدين الشيعي المنافس الذي دعم الغزو الأميركي، والذي قطـّع حتى الموت في النجف خلال شهر نيسان 2003. وكان (الصدر) قد اتهم بإعطاء الأوار لقتله، لكن مساعديه أنكروا تورّطهم وكانت محكمة عراقية قد برأت ساحة إثنين منهم كانا معتقلين على ذمة هذه القضية.
ثم بدأ (الصدر) بالحديث الصريح ضد الاحتلال، وشرع بتشكيل ميليشيات جيش المهدي أواسط سنة 2003. وكانت هذه الميليشيات قد أسست طبقاً لمفهوم ثيولوجي “لاهوتي” من قبل والد (مقتدى) الذي قال أن جيش المؤمنين سوف يقاد من قبل الإمام المهدي، الشخصية التي يؤمن الشيعة بظهورها لإنقاذ البشرية.
وشارك جيش المهدي في انتفاضتين كبيرتين ضد الجيش الأميركي في سنة 2004، جعلتا (الصدر) مشهوراً كشخصية مقاومة، وأظهرتا العدد الهائل لأتباعه المقاتلين. لكنّ المعارك التي خاضها جيش المهدي أظهرت (الصدر) بنظر بعض العراقيين طبقاً لما تقوله الواشنطن بوست كـ “سياسي مشاغب”.
وترى الصحيفة الأميركية أن سمعة جيش المهدي حصلت على الدعم الشيعي وعوضدت بعد أن دمّر المتمردون ضريح سامراء ذا القباب الذهبية المقدس لدى الشيعة سنة 2006 وانتقم الصدريون –حسب زعم الصحيفة- بقتل وتعذيب الألوف من السنة. وتسببت دورات الانتقام بنوبات تطهير طائفي دفعت البلاد الى حافة الحرب الأهلية.
ويقول مساعدون عديدون كبار لـ (الصدر) إن الأعمال البشعة ارتكبت من قبل شيعة تظاهروا بأنهم من الصدريين، لكنهم أيضا اعترفوا –تقول الواشنطن بوست- أن أعضاء في جيش المهدي كانوا متورطين في عمليات القتل الطائفي.