عندما عبرت الولايات المتحدة الأمريكية المحيطات الشاسعة وجيشت معها معظم دول حلف الأطلسي ومن تستطيع أن تؤثر عليه لمصالح معينة واتجهت صوب العراق ووقف مسؤوليها في مجلس أمن الأمم المتحدة في أقذر كذبة من اعتى دولة تدعي إنها ترعى حقوق الإنسان والقانون الدولي والشرعية الدولية , ودون موافقة المجتمع الدولي بل وفي تحدي منها لرفضه الاعتداء على بلد آمن من بين الدول المؤسسة للمنظمة الدولية وأسقطت على شعبه المسالم مئات الآلاف من أطنان القنابل واستخدمت أنواع الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا وأزاحت نظام الحكم الوطني فيه وأسرت قادته واغتالت القسم منهم وشردت آلاف الأسر فماذا كانت تريد ؟ وهل إن العراق كان يمثل تهديدا مباشرا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية سواء في المنطقة أو غيرها ؟ وماذا كانت نتيجة العدوان ؟
إن العراق ومنذ قيام الحكم الوطني فيه وبالتحديد منذ قيام ثورة السابع عشر – الثلاثين من تموز المجيدة عام 1968 لم ولن يشكل مصدر خطر على أي دولة في العالم باستثناء الكيان الصهيوني المسخ لأنه وانطلاقا من مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي يؤمن إيمانا كاملا ومطلقا بحق شعبنا العربي في فلسطين بالحياة الحرة الكريمة على تراب وطنه وهذه مسألة مركزية لا يمكن أن تتبدل في نضال الحزب وسياسته , وللترابط الوثيق بين امن الكيان الصهيوني وأمريكا فان ذلك الإيمان كان يمثل تهديدا للأمن الأمريكي وقد أكد ذلك مسؤولي الطرفين على طول الفترة مما قبل النكبة العربية في فلسطين عام 1948 إلى ساعتنا هذه بحيث إن المرشح لا يجلس على كرسي البيت الأسود الأمريكي إلا بضمان امن الكيان اليهودي الصهيوني في فلسطين .
إن ثورة السابع عشر من تموز تجاوزت كل الخطوط الحمر التي وضعتها الإدارات الأمريكية للبلدان النامية في العالم الثالث في القفز إلى مصاف الدول المتطورة وصاحبة القرار الوطني والقومي المبني على الاستقلالية التامة فكانت منجزاتها الجبارة سيوف ورماح في نعش التحالف الأمريكي – الصهيوني ابتداء من حل المشكلة الكردية وتأميم النفط العراقي وانتهاء بإعداد جيش جرار عقائدي قادر على المشاركة في أي واجب وطني أو قومي , واستطاع وبتفوق واضح أن يهزم الجيش الفارسي المعتدي خامس جيش في العالم وصد عدوانه على بلدنا العزيز .
إن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت حربها على العراق ونظام الحكم الوطني فيه منذ السنوات الأولى للثورة لأنها تدرك عمق مبادئها وعظمة مشروعها النهضوي القومي الذي تعمل على انجازه فافتعلت المشاكل والمعوقات التي تمنع أو تعيق تحقيقه والوصول إلى غاياته وما كانت تثيره الولايات المتحدة بين فترة وأخرى من حروب إنما كانت تقوم بها أنظمة التزمت بعمالتها لأمريكا فاعتدت على قطرنا وثورتنا بالنيابة عنها فكانت مشكلة الكويت آخر ذريعة سمحت الإدارة الأمريكية لنفسها من خلالها بالتدخل المباشر لضرب المشرع القومي النهضوي العربي في العراق .
والآن وبعد أكثر من خمس سنوات من عدوان الولايات المتحدة الأمريكية على العراق أدرك الشعب الأمريكي زيف ادعاءات حكومته التي كذبت عليه بعد أن تمرغت هيبة إدارة بلاده وجيشها كقوة أولى في العالم في وحل الهزيمة العراقية على أيدي الرجال الأسطورة , رجال المقاومة العراقية المجاهدين الأبطال وانتهت كل مناوراتها الخائبة إلى الفشل الذريع فلم يبقى أمامها إلا طريق واحد تأمل من خلاله الحفاظ على ماء وجهها والانسحاب من العراق قبل أن تنهار كولايات متحدة وقبل أن تتشرذم على اثر انهيار اقتصادها للخسائر البشرية والمادية الجسيمة التي تحل بها في العراق دون أن تنجز أي من أهداف عدوانها إلا ما تعلق بنزيف الدم العراقي , فلا ديمقراطية ولا امن ولا استقرار في الداخل فإذا كان سيء الذكر بريمر قد حل الجيش العراقي الوطني وحل بقرار عملائه تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي وكأنه شركة تابعة لحكومته فان النتائج جاءت عكسية بل اشد وطأة فإذا كانت الولايات المتحدة قبل إعلان قزمها الصغير بوش قد خسرت اقل من مائتين عنصر من جيشها فبعد ذلك الإعلان بلغت خسائرها البشرية أكثر من أربعة آلاف عنصر حسب إحصائياتهم الرسمية بمعنى أن الإمكانيات القتالية العراقية الوطنية قد أصبحت أكثر قدرة على المجابهة وصد العدوان , أما الحزب فقد تعافى بعد أن كانت الفترة الماضية بالنسبة لنا استراحة مقاتل فلم ينفرط عقدنا وازداد تماسكنا , فالهمة اكبر والعزيمة أقوى والإرادة البعثية أعظم والفعل الجسور اشد وأكثر باسا لان القواعد البعثية وجماهير الشعب أدركت المغزى الحقيقي للعدوان فازداد التفافها وتمسكها بقيادتها وإيمانها بعدالة القضية التي نناضل من اجلها فتضاعف حجم التضحيات من اجل الهدف السامي في تحرير قطرنا من دنس العدوان وعملائه , وهذا ما أدركه المواطن الأمريكي بعد أن عجزت إدارته عن إقناعه بغير ذلك .
لقد أيقنت كل أطراف العدوان أن البعث والعراق واحد فكل الشعب بعث والبعث كل الشعب ومن ينخرط في الأحزاب الوطنية الأخرى هم بشكل أو بأخر جزء من الحركة الوطنية البعثية العراقية بدلالة انخراط كل الفصائل المقاومة تحت لواء جبهة الجهاد والتحرير ومن يعمل بغير ذلك السياق فإنما هو عميل مأجور لصالح القوى غير الوطنية والمعادية للشعب العراقي .
لقد حاولت الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة التأثير على وحدة صف الحزب وتفتيت تنظيماته والاتصال بأطراف ضعيفة كانت تتستر بانتمائها للحزب لمصالح معينة فقدتها بعد العدوان غادرته الآن لغرض إظهار الحزب بغير صورته الحقيقية أمام المواطن العراقي أما بشكل مباشر أو غير مباشر فعلى امتداد عمر الاحتلال البغيض ظل القسم من رموزه يكرر محاولاته البائسة وخصوصا من أمثال أياد علاوي الذي يدرك جيدا صلابة موقف الحزب من جهوده ومن يقف خلفه دون جدوى أو حصيلة حقيقية يمكن أن ينتفع منها توصله إلى غاياته المشبوهة والمرفوضة أصلا من هذه المحاولات إلا في حالة واحدة هي انصياع الإدارة الأمريكية للثوابت الوطنية التي أعلنتها المقاومة الوطنية والقيادة العليا للجهاد والتحرير في ميثاقها ويدرك جيدا أن الحزب لا يمكن أن يلوث نضاله وتاريخه المشرف والتضحيات الكبيرة التي قدمها على درب الجهاد التي قدمها مناضليه بالقبول بالتصالح مع شراذم وعملاء خانوا وطنهم وأمتهم , وهم جميعا على يقين إن لا استقرار في العراق بدون حكم الحزب لأنه الأقدر والأجدر لذلك ولأنه يمثل النسبة الكبرى والغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي بكل أطيافه العرقية والمذهبية وبكل قومياته .
إن أياد علاوي ومن يقف خلفه بمحاولاته وتصريحاته تلك يعيد الكرة في محاولات خائبة لزعزعة صفوف الحزب وان نجح ” لا ساح الله ” فانه يسعى لإفراغ المقاومة من مضمونها ومحتواها الجهادي ومادتها المتجددة ومن غير المقبول بعثيا وشعبيا أن تهدر تلك التضحيات وحملات الاجتثاث والإقصاء وتجويع البعثيين وعوائلهم ولم ولن تمر دون معاقبة القائمين عليها والساعين إليها من عملاء وخونة.