بقلم : صالح صلاح شبانة
طبعاً هذا مثل شعبي بدوي ويضرب في الذي يعتمد على الأحمق .
وأصل المثل أن زعيماً سافر واخذ معه عبداً له يُدعى (العبد مبارك). (مع الاعتبار يا إخوان (أننا جميعاً عبيداً لله)!!
وفي الرحلة وصلا إلى أرض مخيفة لا يؤمن المسير فيها ، واضطرا إلى المبيت فيها ، ريثما يأتي الصباح وتتلاشى الضباع وخفافيش الليل ، التي تجد في الظلام ضالتها .
سأل الزعيم ، أو الشيخ ( العبد مبارك ):
( ويش انت من الرجال يا مبارك ؟؟)
قال مبارك : أنا ذيبك يا هبابي !! ( أي أنا بقوة وشراسة الذئب يا حبيبي )
قال الشيخ : تقدر تحرس الفرس لو أنا نمت ؟
قال : أنا ذيبك يا هبابي !!
وأخذ الشيخ سِِنَةً من النوم ، وهي إغفاءة قصيرة أو ( تعسيلة ) على رأي الفلاحين أمثالي !! ،ثم أفاق وسال (العبد مبارك ):( إنت واعي يا ولد)؟؟
قال ( العبد مبارك ) : أنا واعي ، وبفكر كمان !!
اللهم اجعل تفكيره خير ، همس الشيخ لنفسه قبل أن يسأله :
وبتفكر في أيش يا أبوي ؟؟
قال وهو يشير إلى الشوك : بهذا الشوك !! مَنْ يُنْبته ويُبريه بهذا الشكل ؟
اطمأن الشيخ أن روحه وماله في أمان الله وبين يدي عبقري يفكر بأمر لم يخطر لفلاّح ولا لحضري ولا لبدوي ( منهم وغاد ) !! فعاود الإغفاءة !!
وبعد هنيهة (مصغر هنية ) أفاق الشيخ وسأل ( العبد مبارك ):
بعدك صاحي يا ولد ؟ فرد عليه ( العبد مبارك ) ،
صاحي وبفكر كمان يا هَبّابي !!
سأله : وبتفكر بأيش يا ( عبد مبارك ) ؟؟
قال :بالبعر كيف بتدَوَّر في بطون الحلال وبنزل كله بحجم واحد !!
ورغم أن الشيخ أحس بالغبن وود لو صفع ( العبد مبارك) كذا صفعة على ركلة على شقعة ، ولكن النوم سلطان ، فعض على نواجذه ، وباعها بالصلاة على النبي ، وعاود النوم لهنيهة أخرى …..!!
ولما أفاق للمرة الثالثة ، ووجد العبد ( مبارك ) لا زال مستغرقاً بالتفكير العميق ، سأله هذه المرة والقلق يعصف
بماذا تفكر يا عبدي المخلص الأمين يا (مبارك ) ؟؟
قال : بهذا الخرج ، وبك ، كيف أستطيع حملكما معا !! وإن حملتك وتركت الخرج يسرقه اللصوص ، و إن حملت الخرج وتركتك أكلتك الضباع !!
ولما سأله عن الفرس التي تحمله هو والخرج أجاب أن اللصوص ( أيدهم الله بنصره ) سرقوا الفرس أثناء ما كان يُفكر بالشوك !!
فما كان من الشيخ إلا أن قال له :
إني حكمت عليك بالجوع والإهانة وتعب البال وذل السؤال وان ( تقاحط مثل الحمير ، وتعاقط مثل البغال ) ، إنني أيها العبد اللئيم أمنحك الحرية ، لتشقى في هذه الدنيا ، ولا ينالك من هذا الإستقلال إلا البهدلة وضرب النعال !! فاذهب وأنت حُر!!
وهكذا تحرر ( العبد مبارك ) وصار له عربان يدينون له بالطاعة والمذلة مادام الجيب ملآن ، وإن تنحنح أو (…) بالتمرد والعصيان !!!!!
الحكاية تعبيرية كما نرى سمحت لنفسي الخاطئة ببعض الإيحاءات الخاصة ، لأني زعمت أن هناك كلام بين السطور كان يجب أن يُقال قبل أن يطلع الصباح على شهرزاد وشهريار ، ويسقط الكلام المباح !!
هل أضعنا الفرس لوحدها وعيون ( العبد مبارك ) ترقبها ، وهو بكل جرأة وبلاهة ووقاحة يفكر بالشوك كيف نبت وانبرى ، و بالبعر كيف تدور في بطون الماشية ونزل بحجم واحد من بطونها !! أليس مدهشا ويستحق من المفكر أن لا يقطع التفكير به ، حتى لو فقد الفرس ؟
حتى أكون أمينا بالنقل ، استعرت هذه الحكاية من كتاب قيّم للعلاّمة الراحل روكس بن زائد العزيزي ، والفرق بيننا انه عندما نقلها من البادية كانت البلاد وكان العباد بخير ، وعندما نقلتها أنا ( العبد الفقير إلى الله لا البلاد ولا العباد بخير )، فامتلأت بالرموز حتى ( بَقَّت الرموز من حلقها)!
و الشاطر يفهم ، فإما أن يمد ويقول خاطركم بالخاطر وإما ان يعد ويقول : حاضر يا أسيادي ، وألف حاضر !!
الداعي بالخير صالح صلاح شبانة