د/ نصار عبدالله
ربما كان الكثيرون من القراء لا يعرفون مدى أهمية وخطورة أن توجد فى دولة معينة صناعة للقدور التى تتحمل
د/ نصار عبدالله
ربما كان الكثيرون من القراء لا يعرفون مدى أهمية وخطورة أن توجد فى دولة معينة صناعة للقدور التى تتحمل ضغوطا عالية جدا والتى تسمى تجاوزا بالمراجل البخارية رغم أن هذه التسمية تشير فقط إلى الإستخدام التقليدى للمراجل ، أما الإستخدام غير التقليدى فإنه يتمثل فى أن تلك القدور صالحة لأن تتحول وقت اللزوم إلى مراجل نووية بحيث يمكن أن تصبح فى المستقبل جزءا من وحدات مشروع نووى متكامل سواء كان ذلك المشروع موجها للأغراض السلمية أو لأى غرض آخر ، ولهذا السبب فإن وجود صناعة للمراجل فى أية دول من الدول هو واحد من الأسباب التى تدعو تلك الدولة إلى الإحساس بالفخر، والتى ـ فى الوقت ذاته ـ تدعو أعداءها إلى الإحساس بالقلق!! ، ومن هذا المنطلق ففى عصر التوهج القومى والوطنى لمصر صدرالقرار الجمهورى رقم 2460 لسنة 1962 بإنشاء مصنع شركة النصر للمراجل البخارية وأوعية الضغط بناحية منيل شيحة بمحافظة الجيزة حيث تم الإستيلاء على مساحة تقرب من 32فدانا ونصف .. على وجه التحديد 134243م (مائة وأربعة وثلاثون ألف ومائتان وثلاثة وأربعون مترا مربعا )، حصل أصحابها حينذاك على تعويض مالى رمزى هزيل لم يكن ليمثل بالنسبة للكثيرين منهم أى عزاء على الإطلاق ، ولكن العزاء الحقيقى الذى ربما اقتنع به بعضهم فعلا هو أن بلادهم سوف تخطو بذلك المشروع أولى خطوات اللحاق بركب العصر وأنهم سوف يثابون عليه رغم أنوفهم ـ أمام الله والوطن ، باعتبار أنهم أهم دافعى ضريبة هذا الإنجاز العظيم ، ومن ثم فإنهم بشكل أو بآخر شركاء فيه!! … وقد تم تنفيذ المشروع بالفعل وبدأ المصنع فى إنتاج المراجل ، والأهم من هذا أنه بدأ فى إنتاج أجيال من العمالة الفنية التى تعد فى مجالها عملة نادرة ، ومن المؤكد أنه حين بدأ فى إنتاج المراجل فقد بدأ فى الوقت ذاته فى إنتاج القلق لأعداء مصر : أمريكا وإسرائيل !!… غير أن هذا القلق لم يدم طويلا للأسف فمع دخول مصر إلى عصر الخصخصة كانت شركة المراجل من أولى الشركات التى تم نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص حيث تم بيعها إلى شركة بابكوك وويلكوكس التى يرأس مجلس إدارتها رجل أعمال مصرى اسمه خالد شتا .. والواقع أن انتقالها من القطاع العام المصرى إلى القطاع الخاص ـ المصرى أيضا ـ لم يكن ليمثل فى حد ذاته كارثة لو كان ذلك القطاع يسعى إلى النموضمن الإطار العام للأهداف القومية ،( أليس القطاع الخاص الأمريكى مثلا هو الذى يقوم بإنتاج سائر السلع الإستراتيجية بما فى ذلك المعدات الحربية؟؟)…الواقع أنه ما كان هناك أى مجال على الإطلاق لتوجيه أى لوم لشركة بابكوك وويلكوكس لو أنها قامت بتحديث الآلات وتطوير المعدات والمنشآت وتحسين الأحوال المعيشية للعمال المهرة الذين هم أثمن من الآلات والمعدات، لكن الكارثة الحقيقية تتمثل فى أن تلك الشركة لم تقم بأى إحلال أو تحديث حقيقى للمعدات بل على العكس من ذلك تحولت معدات المصنع على يديها إلى ما يشبه الخردة!! ، وقامت من ثم بتشريد جزء كبير من العمال الذين لم تعد أمامهم فرصة للعمل!!، وطبقا لما ورد فى بيان منسوب إلى اللجنة النقابية للعاملين بشركة المراجل ( وصلتنى بالإيميل صورة منه ) طبقا لذلك البيان فإن الأخطر من ذلك كله أن السيد خالد شتا رئيس مجلس الإدارة قد قام ببيع الأرض التى يقع عليها مصنع المراجل إلى شركة سياحية اسمها شركة الخلود للتنمية العقارية تمهيدا لتحويلها إلى منتجع سياحى وتشريد من تبقى من العمال !!!ولا شك أن أول من سيخطرون على الذهن إزاء كل ما حدث وما يحدث فى شركة المراجل هم الملاك الأصليون للأرض أو ورثتهم الشرعيون ، أولئك الذين نزعت ملكيتهم عام 1962 نزعا مشروطا بشرط معين: وهو إقامة مصنع ثقيل للمراجل كفيل بوضع مصرعلى خريطة العصر، ولم تنزع أراضيهم منهم لكى تباع بعد ذلك أرضا خالية إلى آل شتا ومن بعدهم إلى آل ساويرس ـ كما يتردد حاليا ـ إذ لو حدث هذا فإن أصحابها الأصليين أو ورثتهم هم أحق الناس بالثمن بعد خصم قيمة التعويض الذى صرفته الدولة فى أيام الزعيم الوطنى العظيم عبدالناصر ( هذا إذا وافقوا على بيع أرضهم أصلا!!) .. بعد هذا أو قبل هذا تأتى حقوق عمال المراجل الذين هم رأس مال إنسانى ثمين لا يجوز التفريط فيه أو إهداره بأى حال من الأحوال بعد كل ما أنفقته مصر فى تدريبهم وتأهليهم لكى يساهموا فى وضعها على خريطة العصر ، ….وفى النهاية أو فى البداية يأتى حق المواطن المصرى الذى لا يملك إلا أن يشعر بالحسرة وهو يرى قلعة من قلاع صناعاته الوطنية تنهار وتتهاوى أمام ناظريه ، سواء كان هذا التهاوى لحساب فئة تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من الربح دون النظر إلى اعتبار، أوكان هذا لمجرد طمأنة قلب أمريكا وإسرائيل.