توقع تقرير أعدته مؤسسة “ميريل لنش” المالية العالمية أن يكون تطرق التقرير الأخير للمصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى أوضاع العملات الخليجية وتأثرها بتراجع الدولار إشارة من واشنطن إلى عواصم المنطقة بموافقتها على تعديل سياساتها النقدية بإعادة تقييم عملاتها أو فك الارتباط بالدولار.
وتوقع التقرير أن تبدأ قطر والإمارات العربية المتحدة بتنفيذ ذلك خلال أشهر، بينما ستنتظر السعودية حتى 2009.
ورد خبراء بالإشارة إلى أن القرار في هذا الإطار “سياسي” بالدرجة الأولى، وأن الأنباء عن وقف خفض الفائدة بأمريكا إيجابية للخليج، مستبعدين فك الارتباط، دون إهمال احتمال إعادة التقييم.
وجاء في التقرير أن الولايات المتحدة كانت ترفض الموافقة على قيام دول الخليج بفك ارتباط عملاتها عن الدولار، بسبب النتائج السلبية المتوقعة جراء ذلك خلال مرحلة ضعف العملة الخضراء، وأن اطمئنان واشنطن إلى وضع الدولار حالياً سمح لها بمنح تلك الدول “الضوء الأخضر” للتصرف بما يعني سياستها المالية.
وأعرب تقرير ميريل لنش عن “اعتقاده” بأن الولايات المتحدة بدأت برفع الحواجز السياسية التي كانت تحول دون تصرف دول الخليج بسياساتها النقدية.
وأضاف: “إذا كانت الولايات المتحدة لا تمانع بأن تقوم دول الخليج بإعادة تقييم عملاتها، فسيؤدي هذا - على المستوى الدبلوماسي – إلى تسهيل قيام تلك الدول لاحقاً بفك الارتباط تماماً.”
وارتكزت تحليلات المؤسسة المالية على تقرير الاحتياطي الفيدرالي الذي خصص حيزاً للعملات الخليجية – وخاصة السعودية - للمرة الأولى في تاريخ تقاريره المماثلة، معتبرة أن ذلك يمثل إشارة ضمنية منه إلى وضع تلك العملات، وموافقته على تحركها بعيداً عن الدولار.
وقّدّرت ميريل لنش أن تراجع العقبات الخارجية أمام تعديل أسعار الصرف سيفتح الباب أمام بروز العراقيل الداخلية، وفي مقدمتها ضغط ميزان المدفوعات وتكاليف الفوائد المرتبطة بالدولار، لكن الضغوطات على تلك الدول ستستمر حتى تقوم بتقوية عملاتها.
وأورد التقرير، الذي حمل عنوان “ضوء أخضر أميركي لمجلس التعاون الخليجي” أنه من المحتمل أن تربط الإمارات وقطر عملاتها بسلة عملات في الشهور القادمة، وأن ترتفع عملة كل منهما بنسبة 5 في المائة قبل نهاية العام.
لكن التقرير أشار في الوقت ذاته إلى أنه من غير المرجح أن تسير السعودية على هذا النهج قبل حلول أواخر العام القادم.
من جهته، قال خالد مصري، الشريك في مصرف “رسملة” الاستثماري لموقع CNN بالعربية إن ملف العملات “مفتوح وسيظل مثار تفاعل وتداول” في المنطقة، وذلك يعود إلى واقع أن الاقتصاد الخليجي يعيش دورة اقتصادية منفصلة عن الولايات المتحدة جراء المستويات المرتفعة من السيولة فيه، ووجود التضخم الكبير.
ورأى المصري أن المعطيات الواردة في التقرير صحيحة على المستوى الفني، غير أنه اعتبر القرارات المتصلة بوضع العملة في الخليج “سياسية.”
وتابع الخبير الاقتصادي قائلا: “الولايات المتحدة ألمحت إلى وقف خفض الفائدة، وهذا أمر إيجابي للخليج، ولكن هناك جانب سياسي في الموضوع. فمن مصلحة الخليج، من وجهة نظري، إبقاء الربط مع إعادة تقييم العملة، وهذا ما أتوقعه، وقد أصدرت قطر الاثنين بياناً أكدت فيه إصرارها على مواصلة ربط عملاتها بالدولار.”
ولدى سؤاله عن التأثير الذي قد يحدثه هذا التقرير وسواه على المضاربات بالعملة في المنطقة، أشار المصري إلى إن “حركة ما” سُجلت في سوق دبي الاثنين، لكن ذلك قد لا يكون مرتبطاً بهذه التطورات بصورة مباشرة، وإن كان قد توقع حركة مماثلة على المستوى القصير.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقع الأسبوع الماضي أن تنجح دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مواصلة النمو، رغم الأزمة العالمية، داعياً إلى ضرورة احتواء الضغوط التضخمية التي رجح أنها الخطر الأكبر على اقتصاديات المنطقة.
وقال محسن خان، مدير الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، إن التضخم في الخليج ناجم بشكل رئيسي عن ارتفاع أسعار العقارات وإيجارات المساكن، مشيراً إلى أن الربط بالدولار لم يؤثر كثيراً على التضخم، وأن فك هذا الارتباط أو تعديل أسعار الصرف سيكون له عواقب صعبة.
وكشف خان أن شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الذي انتشرت خلاله شائعات حول احتمال قيام الإمارات برفع قيمة الدرهم شهدت دخول 50 إلى 60 مليار دولار إلى أسواقها، بما يعادل ثلث الناتج المحلي، وذلك بهدف الاستفادة من المضاربة.
ولفت إلى أن هذا الأمر كان ليضر بالاقتصاد الإماراتي، ويفتح شهية المضاربين على الضغط لإجراء تعديل صرف جديد، مستبعداً أن تقدم الدول الخليجية على فك الارتباط، باعتبار أن ذلك سيضر باحتياطياتها من الدولار وبعوائدها من النفط، وقد تبلغ خسائرها 400 مليار دولار.