د. مصطفى رجب
منذ دأب الإعلام على وصف حكومتنا بأنها حكومة ” ذكية ” تسكن في قرية رومانسية أسموها القرية ” الذكية ” ، وبرعي ابن خالتي متشائم جدا جدا لأن وعيه تفتح مبكرا على مقولة لرمسيس أفندي كاتب المجلس كان يرددها على المقهى كما لو كانت من تراث آبائه وملكه الشخصي ، إذ كان دائما يردد [ إذا زاد الشيئ عن حده انقلب إلى ضده ] ، وعلى الرغم من أن برعي ابن خالتي لا يعرف القراءة والكتابة ، وتعلم – على كَبَر – كيف يوقّع فرارا من حمل ( ختم ) ثقيل ، فإنه يمارس السياسة ، ويتعاطى الثقافة ، وأحيانا يرتكب الإفتاء في الشؤون العامة فيبدو كما لو كان متعلما ، وبخاصة أنه – أحيانا –يتقمص شخصيات معروفة مثل مصطفى الفقي وحسن صقر ومحمد على ابراهيم ، وسعد الحريري .
كانت جلستنا الأسبوعية على مقهى السعادة مخصصة هذا الأسبوع لمناقشة تقرير لجنة تقصي حقائق ألّفناها من يوم صدور قرار العلاوة لبحث الآثار الجانبية للعلاوة على رواد المقهى ، وفيما نحن نهمّ بالاستماع لتقرير اللجنة الذي سيلقيه الأستاذ عبد الرحمن على مسامعنا قبل أن يلقيه في الترعة المجاورة ، فاجأنا برعي – وفي يده عدد جريدة «المصري اليوم» الصادر يوم 22/٥/٢٠٠٨ بأنه – أي برعي – يرى أن الحكومة في خطر !! لماذا يا عم برعي ؟ فنظر إلينا في استغراب ودهشة كما لو كنا قطيعا من أغنامه ، وقال : اقرأوا المنشور اليوم يا أفندية آخر زمن . !!
قرأ بطيخ المنشور : [ علمت «المصري اليوم» أن الحكومة تدرس توزيع الخبز علي البطاقات التموينية عقب إصدار بطاقات جديدة للمواطنين، الذين لا يمتلكون بطاقات في المرحلة الحالية.
أكدت مصادر مطلعة أنه ستتم إضافة خانة جديدة في البطاقة يطلق عليها «الخبز»، تسجل بها الكوبونات التي يحصل عليها المواطنون من تاجر التموين شهريا، والتي سيتم توزيعها طبقًا لعدد الأفراد المسجلين بالبطاقة. وقالت المصادر إن المطابع الأميرية هي الجهة المعنية بطبع الكوبونات حتي يصعب تزويرها أو تعديلها، وسيكون مدونًا بها اليوم والشهر والسنة، ولا يجوز صرفها إلا في الأيام المحددة لها. وأكدت المصادر أن الكوبونات سيتم تحصيلها من أصحاب المخابز، علي أن تعتمدها الإدارات التموينية ومديريات التموين في المحافظات لمراجعة إنتاج المخابز للخبز. وأضافت المصادر أن نصيب الفرد من رغيف الخبز ٣ أرغفة يوميا أن . وقالت المصادر إن هناك اتجاهًا من جانب الحكومة لإلغاء دعم الدقيق لأصحاب المخابز، علي أن يحصلوا عليه بسعر السوق، مشيرة إلي أن الحكومة سوف تسدد لأصحاب المخابز تكلفة ما بعــد إنتـــاج رغيف فئة ٥ قروش، وتحصل كوبونات بيع الخبز. ]
انتهت القراءة فانتفض برعي صارخا مولولا : يا عااااااااااااااالم : [ إذا زاد الشيئ عن حده انقلب إلى ضده ] ارحمونا من هذه الذكاوة ، الشعب المصري شعب بسيط ، متواضع ، حياته من آلاف السنين أساسها المحبة والألفة والتلاحم والتراحم وفوق هذا كله وقبل هذا كله : البساطة ، أي مصري – مثقفا كان أو غير مثقف – حين يطلب الطعام عبر عنه بكلمة واحدة بسيطة [ لقمة ] ، وهؤلاء السادة حوّلوا حياة الناس إلى جحيم ، بتغاضيهم عن السبب الحقيقي لأزمة الغذاء وه فشل سياستهم الزراعية والصناعية والتسويقية ، وأخذوا يغرقون الناس في تفاصيل صغيرة كأن الشعب فيران تجارب يلهون بها .
بحق دين النبي – صرخ موهوب أفندي – أريد من أعرق حشاش في العالم أن يفهمني كيف تتحول (لقمة ) العيش إلى اثني عشر إجراءً معقدا :
– 1- إصدار بطاقات جديدة للمواطنين
– 2- إضافة خانة جديدة في البطاقة يطلق عليها «الخبز»،
– 3- كوبونات يحصل عليها المواطنون من تاجر التموين شهريا
– 4 – يتم توزيعها طبقًا لعدد الأفراد المسجلين بالبطاقة
– 5 – المطابع الأميرية هي الجهة المعنية بطبع الكوبونات
– 6 – حتي يصعب تزويرها أو تعديلها،
– 7 – يكون مدونًا بها اليوم والشهر والسنة
– 8 – لا يجوز صرفها إلا في الأيام المحددة لها
– 9 – الكوبونات سيتم تحصيلها من أصحاب المخابز
– 10- علي أن تعتمدها الإدارات التموينية ومديريات التموين في المحافظات
– 11- نصيب الفرد من رغيف الخبز ٣ أرغفة
– 12- نظام الكوبونات سيقضي علي بيع الدقيق وطوابير الخبز
ما هذه ( الذكاوة ) ؟ ما هذه القسوة ؟ ما هذا الإذلال ؟ تصايح مستمعو ما نشر بالجريدة قائلين :
-الحكومة لم تخصص كوبونا برغيف زيادة لأب يزور بيت ابنته المتزوجة بعيدا عن منطقة سكنه ؟ ،
– الحكومة لم تخصص كوبونا برغيف زيادة لأخ يزور أخته ؟
– الحكومة لم تخصص كوبونا برغيف زيادة لضيف طارئ !!
- الحكومة لم تخصص كوبونا برغيف زيادة للتصدق به على سائل يسأل بطرق الأبواب لأن أبوابهم هم لا يجرؤ على المرور حولها – فضلا عن طرقها – الجن الأزرق نفسه !!
- الحكومة لم تخصص كوبونا برغيف زيادة لإنسان سمين لا يشبعه رغيف واحد !! ، - الحكومة لم تخصص كوبونا برغيف زيادة يعوّض سوء استهلاك الصبية للخبز ، -الحكومة لم تخصص كوبونا برغيف زيادة لأم عجوز أرملة يكفلها ابن لها أو بنت لها وهي غير مسجلة في بطاقته أو بطاقتها ، ولا لأب عجوز أرمل يعوله ابن له أو بنت .
- الحكومة لم تخصص كوبونا برغيف زيادة تحوطا من مجيئ بعض الخبز تالفا أو معطوبا ،
- الحكومة لم تخصص كوبونا برغيف زيادة تعويضا لرغيف قد يسرقه لص في الطريق مما خصص للأسرة .
طلب أبو الدهب من الجميع الإنصات طوعا أو كرها ليضيف بهدوء شديد : والحكومة – فوق هذا – تتنكر لما تنادي به من آليات السوق وحرية الاقتصاد ، فهي تفرض طبع كوبوناتها على المطابع الأميرية ولا تطرحها في مناقصة ، وتبرر هذا التصرف الأهوج – الذي سيعطل المطابع الأميرية عن طبع كتب المدارس – بأنه [حتي يصعب تزويرها أو تعديلها، ] وكأن بقية مطابع مصر ( وأغلبها أفخم وأحدث من المطابع الأميرية ) لصوص متخصصون في التزوير والتعديل !!!! ومن أجل ماذا ؟ من أجل رغيف خبز ؟
وهذه ( الدراما ) كلها : إضافة الخانات – وتغيير البطاقات – وطبع الكوبونات – ومراجعة البيانات – وتحديد مواقيت الصرف – وجمع الكوبونات بعد ذلك ….إلخ .
كل هذه الدراما كم ستتكلف من ملايين الجنيهات ؟ وكم سيؤلف لها من مجالس عليا ومجالس وسطى ومجالس إقليمية ومجالس دنيا ؟ وكم سيؤلف لها من لجان تجتمع وتنفض ، ولجان تنبثق من لجان ، ولجان تتابع اللجان ؟ وكم سينفق على الطبع والنشر والتأليف والإخراج والتنفيذ من ملايين ؟
قال موهوب أفندي وقد ألقى بشيشته بعنف ففقأت عين زبون طارئ تبين فيما بعد أنه مخبر تحت التدريب :
” لن نطلب من الحكومة الذكية أن تعامل الناس كبشر لا كفيران تجارب تجرب فيهم عبقريتها وذكاوتها ، ولا نطلب منها أن تراعي ما تطنطن به دونما وعي بحقيقة معناه وهو ( البعد الاجتماعي ) – أكاد أحلف طلاق تلاتة أن الحكومة فاكرة البعد الاجتماعي ده مضاد حيوي !!! – ولا تعرف حقيقته ، لأن البعد الاجتماعي هو : كبار السن المعولون بلا بطاقات ، الضيوف ، السائلون ، إلى آخر ما سبق ذكره ، ولكننا نطلب من الله تعالى إما أن يأخذنا نحن ، حتى تستريح الحكومة من صداعنا ، أو أن يأخذ بيد الحكومة فيلقي بها في قاع المحيط قريبا من سمك القرش حتى تعيش في جو أشد هدوءا فيتجدد لها عقلها وتسترد ذكاءها لأن مقولة برعي [ إذا زاد الشيئ عن حده انقلب إلى ضده ] تحققت فعلا في هذه الحاكومة ( بلغة إخوانا أهل السودان ) !!
===============