بدا العقيد قاسم عبد الوهاب مسترخيا وهو يقطع شوارع مليئة بالحفر في شاحنة صغيرة مدرعة، في الوقت الذي كانت اصوات الموسيقى العربية تصدح من مكبرات الصوت وازيز مكيفات الهواء التي كانت تعمل باعلى طاقاتها. وللمرة الاولى منذ ان قادت الولايات المتحدة غزو العراق في سنة 2003 ، ينتشر الجنود العراقيون في مدينة الصدر، وقد تمركزت العربات المسلحة الموشحة بالعلم العراقي في المراكز والزوايا الرئيسية في المنطقة، وقال عبد الوهاب متفاخراً :” انت ترى ان الجيش العراقي في كل مكان ولااحد يستهدفهم، ويسيطر الجيش العراقي على مدينة الصدر “. لكن الصور والمشاهد المنتشرة في المدينة تحكي قصة اخرى ، كما تقول صحيفة لوس انجلوس تايمز ، فصور الصدر وابيه في كل مكان ، واشارات بالتهديد والوعيد خُطت على الجدران تقول :” دولة الصدر : ممنوع الدخول على الاميركيين وقوات رئيس الوزراء نوري المالكي “.ولكن مقاتلي الصدر لم يتحدوا القوات العراقية حينما انتشروا في مدينة الصدر في الاسبوع الماضي بموجب اتفاق بين كبار القادة الشيعة انهى اسابيع من الاشتباكات المسلحة .
وقال ضباط عراقيون ان العديد من قادة الميليشيات تسللوا الى خارج مدينة الصدر حينما كان يتم اعداد اتفاق وقف اطلاق النار ودخول القوات الى مدينة الصدر. وتعاون البعض مع القوات العراقية كاشفين عن القنابل ومخابىء الاسلحة، والبعض الاخر كان يراقب وينتظر . وقال عبد الوهاب بايماءه من رأسه :” انظر الى هؤلاء الرجال ، انهم من جيش المهدي ” وكان يشير الى مجموعة يقفون مقطبي الجبين بين اثار دمار عدد من المحلات. وفي تقاطع اخر كان رجل مهيب الجانب بلباس ابيض وعمامة سواد يحاول ترتيب تدفق السيارات والعربات التي تجرها الحيوانات . وقال عبد الوهاب :” هذا الرجل هو من ابناء الحي وهو من المحتمل اكثر ولاء الى جيش المهدي منه الى الحكومة “. وكان بعض الجنود العراقيون ملثمون بمناديل بيضاء تغطي وجوههم خوفا من ان يتم التعرف عليهم وقتلهم .
وتفاخر احد الاحداث من المنطقة واسمه قاسم عطا بغضب قائلا :” جيش المهدي لازال يسيطر على المدينة، وهم في كل مكان “. ويتهم انصار الصدر رئيس الوزراء المالكي باستخدام القوة للتأثير على اشتراك التيار الصدري في الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في نهاية هذه السنة . وحاربت القوات الاميركية والعراقية جيش المهدي في الشهر الماضي في المواقع الجنوبية من مدينة الصدر واقامت حائط إسمنتيا عازلا طوله خمسة كيلومترات لمنع الميليشيات من استخدام مواقعهم واستهداف المنطقة الخضراء بالصواريخ وقنابل الهاون، لكن مقاتلي جيش المهدي مع ذلك، بقوا يسيطرون على ثلثي المنطقة، ويقومون بهجمات يومية ضد القوات التي تقوم بحماية الحائط. وبقيت القوات الاميركية والعراقية تتجاوب مع تلك الهجمات بالقصف الجوي والرد على مصادر النيران والعربات التي تحتمي بجدران المنازل وتطلق النار.
وتقول لوس انجلوس تايمز ان اكثر من الف شخص قتلوا في الاشتباكات العديد منهم من المدنيين الذين حشروا في تقاطع النيران المتقاتلة . وقال عبد الوهاب وهو يقود سيارته بين اكوم النفايات والخرائب التي تسبب بها القصف والقتال :” انظروا الى الدمار، لقد تسببوا هم انفسهم بحدوثه”.
ومعظم الشوارع في مدينة الصدر هادئة الان وتم افتتاح محلات جديدة وسط جبال من الخرائب والنفايات، ويتحدث السكان مع الجنود العراقيين في ظلال عرباتهم العسكرية.وكان من الحاسم استكمال النجاح بعد وقف اطلاق النار برغبة الجيش العراقي باستكمال الدخول الى بقية مناطق مدينة الصدر بدون استصحاب القوات الاميركية معه ولكن طائرات الهليكوبتر الاميركية بقيت تغطي سماء المنطقة باستمرار. وقال فيصل حسن احد طلاب الكلية المفصولين :” اذا جاء الاميركيون الى هنا فستحدث المتاعب “.
ويقول القادة العراقيون انهم سيحتاجون الى قوة النار الاميركية فقط اذا تعرضوا للهجمات، وقد مضت قواتهم بشكل حذر لتجنب استفزاز السكان القلقين والذين يبقى عددا كبيرا منهم مرتبطين بالصدر حتى مع نفاذ صبر بعض من مقاتليه. وقد تم اكتشاف عدد قليل من مخابئ الاسلحة ، ولكن الضباط يقولون بانهم يأخذون وقتهم قبل القيام بهجمات لاحتجاز بعض المقاتلين من جيش المهدي المسجلين على قوائم المطلوبين.
ويتركز هدف القوات العراقية الان على كسب الناس من خلال اصلاح الشبكات الكهربائية والخدمات الصحية وتقديم المساعدات الانسانية. وكانت المهمة في يوم الجمعة الماضية تقديم الطعام والماء الى واحدة من أسوء القطاعات، وخلال دقائق تجمع الرجال والنساء وتزاحموا على استلام اكياس الرز والعدس والسكر والشاي التي تم ايصالها .
< div dir="rtl" style="margin: 0in 0in 0pt; direction: rtl; unicode-bidi: embed">
وبعد بدء العودة قال العقيد عبد الوهاب بعد لحظات صمت :” هذا الاتفاق هو مؤقت، ومعظم جيش المهدي ليسوا سعداء به ، انهم يحتاجون الى الفوضى لكي يأخذوا الاموال من الناس “.
وبالرغم من ان التيار الصدري قد فاز بالولاء من خلال تقديمه الطعام والملجأ وبقية الخدمات في المنطقة التي كانت تفتقدها، فان بعض من مقاتلي الصدر كانوا يمولون انفسهم باغتصاب الاعمال المحلية وتهريب الوقود والخطف لقاء الفدية، والان فقد تنبأ عبد الوهاب بانهم سيعودون الى القتال. وقال :” الطريقة الوحيدة لاصلاح ذلك هي من خلال السلطة والقوة “.