د. عوض السليمان
دون سابق إنذار، تناقلت وكالات الأنباء العالمية، أخبار الوساطة التركية بين سورية والكيان الصهيوني، وتأكدت تلك الأخبار بسرعة عندما تناقلتها الصحف السورية الرسمية وشبه الرسمية ، ثم لم يعد يرقى إليها شك بعد تصريحات السيد وليد المعلم وزير الخارجية السورية وكذلك وزير الإعلام، ثم الرئيس السوري نفسه.
تابعت مقالات كثيرة تطرقت إلى هذه الموضوع، وقد عبر كثير منها عن دهشته لبدء هذه المفاوضات، وألمح بعضها أن أحداً لم يكن يتوقع ذلك البتة.
الحقيقة أن هذا الخبر، ما أدهشني ولا فاجأني، وكنت متأكداً، أن هذه المفاوضات ستبدأ اليوم أو غداً، وكان دليلنا على ذلك كلمات الرئيس السوري التي أكدت في أكثر من مرة أن الأشهر القادمة، ستحمل تغييرات هامة واستراتيجية على المنطقة وأن هذا الوضع لن يستمر على حاله. وأذكر وقتها أن كثيراً من المحللين السياسيين ذهب للحديث عن احتمالات حرب بين سورية والكيان الصهيوني، وتحدثت الصحف وأعمدة الرأي عن صيف ساخن وتحركات جيوش، وأشياء لا أصل لها. بينما كان الفهم الصحيح، يوجب علينا أن ندرك أن محادثات السلام على وشك أن تبدأ.
من يستطيع أن ينكر حق سورية في استعادة أرضها، كما أننا لا ننكر حق أي دولة في ذلك، عربية كانت أم أجنبية. ولكننا، نريد أن نذكر القيادة السياسة في سورية أن تحذر من هذا العدو اللئيم الذي لا ولن يرقب في مؤمن إلّاً ولا ذمّة. والله تعالى يقول” ودّ اللذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة”.
نحن لا نريد لسورية التي تعلن أنها في جانب المقاومة وخلفها، أن تقع فيما وقعت فيه مصر، فمصر كانت أم الدول العربية وكبيرتها، وهي اليوم لا تستطيع أن تحرك جندياً ولا شرطياً إلا بإذن الصهاينة، بل إنها لا تستطيع أن تعترض على اعتداءات الصهاينة المتكررة ضد الفلاحين المصريين على الحدود الفلسطينية. ولست هنا في صدد شرح الإهانات والتحجيم الذي تعرضت له مصر والأردن بسبب اتفاقات السلام تلك، الشيء الذي لا نريده أن يتكرر على المسار السوري.
الشعب العربي، معظمه إن لم نقل كله، يكره الصهاينة ومستعد للوقوف ضدهم، بل إن الشعوب مستعدة للجهاد والمقاومة حتى تحرير الأرض العربية كاملة، وأعتقد أنها مستعدة في سبيل ذلك لبذل الغالي والرخيص. وقد تعودنا أن نسمع من سوريا عبارات المقاومة والوقوف مع الحقوق العربية ورفض الهيمنة الصهيونية على المنطقة. ولهذه الأسباب لا بد أن يدرك المفاوض السوري أن عليه عبئاً ثقيلاً في مثل هذه المحادثات، فالجولان أرض سورية لا بد أن تعود إلى سورية ولن تكون يوماً هبة من المحتل ولهذا فليس للقيادة الإرهابية في الكيان الصهيوني أن تضع الشروط المسبقة، وتأمر وتنهى وكأنها ستمن على دمشق بإعادة الجولان. وعلى المفاوض السوري ألا ينسى لحظة واحدة، أن إعادة الجولان لسورية يجب ألا يقابل بتنازلات سورية أيا كانت، فليس لأن السارق أعاد لنا ممتلكاتنا سنعطيه نصفها.
وإذ أقول هذا فلأنني قرأت هذا الصباح أخباراً عن محادثات حول تقسيم المياه بين الجانبين، فهل يعني هذا أننا سنكافأ المجرم على جريمته بإعطائه كلأنا ومائنا؟
الأخطر من ذلك والذي أعتقد أن القيادة السورية تدركه جيداً، هو مشكلة الاعتراف بالعدو اعترافاً كاملاً وتبادل السفارات معه وإعطائه شرعية مطلقة، وبدء عميلة تطبيع معه.
فالشعب العربي كله بما فيه المصري الذي فرض عليه التطبيع لم يطبع حتى الآن، ولن تجني هذه الأمة شيئاً من التطبيع مع الإرهابيين الذين احتلوا بلادنا وشردوا أهلنا. ولهذا فإنني أخشى على الحكومة السورية أن تخسر التفاف كثير من الفئات الجماهيرية حولها.
فمجازر الصهاينة المتكررة في فلسطين، ومذابح الأمريكان في العراق وأفغانستان، جعلت الدماء تغلي في رأس كل عربي، ولا أظن أن كثيرا من هؤلاء مستعد، أن يطبع مع العدو ويصاحب الصهاينة ويستضيفهم في سوق الحميدية أو في الصالحية.
ولهاذ فإننا نعتقد أن المحادثات مع الصهاينة يجب أن تكون حول استعادة الجولان بوصفه أرض سورية مغتصبة بطريقة غير شرعية، وليس بوصفه تنازلاً صهيويناً مقابل تنازلات سورية قد تصل، لا سمح الله، إلى التطبيع أو تقاسم الحقوق.
لا بأس بإعادة الجولان سلماً أو حرباً، لكن يجب أن تكون هذه الخطوة مجرد بداية لتهيئة الظروف وتقوية الجانب العربي، للاستعداد لاستعادة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف لا بديل عن ذلك لا بالجولان ولا بسيناء ولا بالضفة.
إنني أرجو، أن يدرك المفاوض السوري، أن الكيان الصهيوني لا يملك مقومات الدولة، وهو يعيش في آخر أيامه ولن تطول الحال قبل أن يزول من الوجود كلية، فهل تتنازل دولة موجودة عريقة كسورية لكيان لن يعيش إلا بضعة عقود على الأكثر.
إن الصهاينة اليوم يعانون من تبعات الانكسار الذي لحقهم في حرب تموز 2006، ويعانون من مقاومة المجاهدين في الداخل، ذلك الجهاد الذي لن يتوقف إلا بزوال الكيان الصهيوني، أضف إلى ذلك المشكلات التي تعصف بالقيادة الصهيونية والمتعلقة بالفساد. ثم يجب ألا نتجاهل انهزام المشروع الأمريكي في العراق على يد المقاومة الباسلة هناك، مما جعل الصهاينة يستشعرون أن مستقبل دولتهم في خطر، وأنهم أشد حاجة للسلام من الدول العربية. وإن الصهاينة ليدركون جيدا أن حرباً صغيرة وإن كسبوها ستؤدي إلى هجرة معاكسة وستفرغ هذا الكيان من ساكنيه. وليت أن المفاوض السوري يدرك أن الصهاينة اليوم هم في الموقف الأضعف وهم الذين يحتاجون تجنب الحرب وليست سورية، ولا حتى لبنان الصغير، فقد بلغ الغضب بالشعوب العربية مبلغه وإن انفجر فوداعاً لهذا الكيان.
فإذا انطلقت سورية في محادثاتها من هذه النظرية فلن تخسر، ويجب أن يعلم السوريون، وأظنهم يعلمون، أن مصداقية ممانعتهم ومقاومتهم على المحك، وأن كثيراً من المتابعين والمواطنين البسطاء عينهم على هذه المحادثات، وهم متأكدون أن سورية لن تفرط بالحقوق ولا المبادئ وأنها، وإن بدأت المفاوضات مع العدو، ستبقى مع المقاومة والممانعة ولن تتنازل عن ثوابتها المعروفة.
دكتوراه في الإعلام – فرنسا