قيل قديما: إنْ لم تكن في جادة الصواب، لا تكن على الأقل في خانة الخطأ “، من هنا ينطلق بعضنا في دعواه لإخراج وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، من بوتقة التناحر الحزبي، باتجاه التناغم الوطني ، دون المس بالمعتقدات والأفكار والانتماءات التي لا ينكرها أحد على الأخر، على قاعدة أن عودة أولوية التناقض الأساس مع المحتل إلى مكانها الطبيعي، يعني رفع الغشاوة عن أعين الساذجين، وإحياء الغيرة في قلوب الوطنيين، ليعلم شعبنا أن أمورنا العظام، ومشاكلنا الجسام، وقضايانا التي لا تجعل العين تنام، لم تزل على المقصلة معلقة من الأقدام. ولعل صورة الإعلام النمطي التي اختلفت في العقدين الماضيين، حيث أحدثت قفزات نوعية، أكدت بما لا يدع مجالا للشك على أهمية ودور الإعلام في صياغة الفكر الإنساني، ومدي أبعاد وأثار الخطاب الإعلامي على المسار السياسي، ما يشير إلى العلاقة الجدلية أحيانا والمتناغمة أحيانا أخرى ما بين الإعلام والسياسة على نحو لا يجعل أيا منهما أن ينجح دون الأخر، إذ أن السياسي العامل بلا خطاب إعلامي كالطائر بجناح واحد، والإعلامي الناجح هو من يستقرئ التاريخ والواقع فلا يسقط من حساباته العامل السياسي. إلا أن المتتبع للمشهد الإعلامي الفلسطيني ومحصلة تداعياته على الواقعين السياسي والاجتماعي، إنما يلحظ بلا أي عناء يذكر، إننا وعوضا عن توظيف الآلة الإعلامية توظيفا صحيحا وفاعلا، ذهبنا نوغل في ممارسة الرذيلة الحزبية على حساب دورنا الوظيفي للتأثر على الرأي العام نحو تشكيل وعي جماعي مساند وداعم للقضية الوطنية. إزاء هذه التناقضات والمواقف المتقلبة، وأمام حالة التضاد الوصفي، والتنافر الأيدلوجي، يخطئ من يشخص الحال على أنها مؤامرة من طرف واحد، وإنما هي عمل مُركب هدفه الأساس بث روح الفرقة وتعميق ثقافة التبعية وسيكولوجيا ” الأنا ” الأنانية، ضمن منظومة التطبيق الحرفي للسياسة الاستعمارية ” فرق تسد “. فما نصرفه من جهد ووقت وربما مال في حروبنا الحزبية، ونحن نبحث عن صيغ ومفردات لا هم لها سوى إدانة الشريك الوطني، إنما جعلنا جميعا أدوات في حروب قذرة، عوضا عن تجنيد قدراتنا في حرب مقدسة، لنكتشف أننا كنا ولازلنا أسوأ جنود لأعدل قضية. بيد أن الفجيعة الكبرى وفقا لمبدأ الثواب والعقاب أن بعض إعلاميينا المتحزبين، وفي ظل غياب أي أفق سياسي لمشروع التسوية، وتحت عباءة حصانة الحرية الفكرية، حيث لا توجد حصانة، أخذوا يلعبون دور القاتل والقتيل في نفس المسرحية، حينما استوطنوا كل تضاريس الاختلاف الواقع بين الفر قاء السياسيين، ما أوصل المشهد الإعلامي الوطني إلى الدرك الأسفل “أدركوا ذلك أم جهلوه.! خلاصة القول.. لقد آن لهؤلاء المتحزبين أن يدركوا، أنهم بذلك الخطاب المؤدلج، إنما يجنوا على قضيتنا العادلة في ذلك الزمن العاقر، حتى أصبحنا لا نستطيع قول ما نريد لدعم قضيتنا، قدر استطاعتنا قول ما يمكن أن يقال ضد شريكنا الوطني، وكأن الرغبة المفضوحة في إزاحة الأخر أغشت أبصارنا عن سطوة المحتل في معمعة فلسفة الولاء.. لا الأداء.
بقلم: أحمد زكارنة [email protected]
بقلم: أحمد زكارنة [email protected]