حظي الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر طوال السنوات الماضية باحترام وتقدير غالبية أبناء الشعب الفلسطيني تقديرا لجهود يفترض انها تصب في مصلحة إنهاء معاناته .
الرجل القادم من زمن كامب ديفد بدا خلال الأشهر الماضية من خلال إصراره على اللقاء بقادة حماس كمن يمشي عكس التيار الأمر لكن الامر حمل في طياته اكثر من ذلك اذ ثمة كيمياء في العلاقة بينه وبين حماس كيف لا وهو الذي نصح الحركة قبل سنوات بدخول معترك الحياة السياسية وخوض الانتخابات فكان ما كان.وأصبحت حماس رقما صعبا وطرفا مهما ان لم يكن الطرف الاهم ..
اليوم يحاول كارتر إثبات صحة نظرايته ونبوءاته السياسية بنصيحة مختلفة وهذه المرة لاسرائيل مفادها ان عليها الجلوس الى طاولة المفاوضات مع حماس وحماس وحدها.
كارتر في غير لقاء مع قادة الحركة تحفظ على العمليات الاستشهادية ووصف مشعل موجها له الكلام بالقول انت شخصية عظيمة ذات ثقل دولي .. حماس بادرت مرة اخرى بالأخذ بنصيحة كارتر وأوقفت العمليات الاستشهادية قبل ان تستأنف لاحقا .
حماس تنظر لكارتر بعين ايجابية فهو رجل مخلص ونزيه ورجل سلام عالمي
لديه رغبة حقيقية بتهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وتحقيق حل عادل للفلسطينيين. ببساطة كارتر هو السياسي الغربي الأكثر تفهما لقضايا حماس وأيدلوجيتها.
فالرجل مقتنع بضرورة إقامة دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيلية منطلقا من رؤيته كمسيحي كاثوليكي مؤمن بتعايش الأديان في فلسطين وقد كتب كثيرا في هذا الصدد مثل كتابه “ارض ابراهيم” وهو يريد أن يتعايش الجميع سويا في فلسطين.
وعلى هذا الأساس يعمل الرجل بجد محاولا الوصول إلى مخرج .. اذ انه لم يتوان عن إعلان قبول حماس بأي اتفاق سلام نهائي يضمن دولة بحدود ال67 . والحركة بدورها لم تنف هذا الكلام الأمر الذي أعطى مصداقية إضافية للرجل.
كثيرون يصنفون كارتر بأنه ليبرالي واقعي يعترف بواقع اسمه حماس لا يلغيه ولا يؤجله ولا يتحاشاه وهو لا يتوقع تحقيق المعجزات لكنه يبحث في أوراق وملفات ومساحات لم يبحث فيها الآخرون .
وكثيرون أيضا ينتقدون الرجل الذي فتح باب التطبيع مع إسرائيل على مصراعيه في اتفاقية كامب ديفد معتبرين انه اليوم جعل من حماس لاعبا أساسيا وحقق أهداف محور” الشر” وثبت أقدام احد أهم أركانها في المجتمع الدولي وبالتالي عزز من أداوت إيران وحسن ظروفها السياسية . النقد لم يفت في عضد الرجل فالبعض اعتبر جولته جولة إراحة الضمير وآخرون قالوا انه جاء ليحقق ما لم يستطع تحقيقه إبان رئاسته.
الرجل كما يبدو لا يأبه بكل الانتقادات التي توجه له ويتعمد إطلاق توصيفات تثير غضب الإسرائيليين والأمريكيين على حد سواء من قبيل وصفه لحركة بأنها “عقلانية معقولة”.
بالعودة الى كيمياء العلاقة بين كارتر والفلسطينيين عموما نقول ان تعاطف الرجل مع الفلسطينييين بدا أكثر وضوحا خلال السنوات الأخيرة، فقد أصدر قبل أقل من عامين تصريحات ساخنة انتقد فيها بشدة جدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل في الضفة الغربية، واعتبر تدشينه تمهيدا لسياسة التفرقة العنصرية “الأبارتيد” التي اتبعتها الحكومة البيضاء في جنوب أفريقيا.
وقد زادت سخونة هذه التصريحات بعد صدور كتابه الأخير “فلسطين سلام لا نظام عنصري” الذي وجه فيه انتقادات لاذعة للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
الأمر قد يتجاوز شخص الرئيس الأمريكي بكثير والحقيقة الواقعة هي ان ثمة تحولات في علاقات حماس الدولية يبشر بنضجها السياسي وعقلانيتها وحنكتها السياسية رغم حداثة تجربتها السياسية عموما .
حماس أدركت منذ زمن أهمية العلاقات الدولية فتدرجت في استخدام هذه العصا السحرية كلقاء بعض قادتها مثلا بأحد مساعدي وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز، أثناء الانتفاضة.
كارتر إذا لا يتحرك من فراغ وجولته التي بدت وكأنها تسبب صداعا للساسة الامرييكن في البيت الأبيض ليست أكثر من قناة تفاوض غير رسمية تستند إلى حقيقة ان الإسلاميين عموما هم الواجهة المقبلة في العالم العربي ومن الضروري التفاوض معهم منذ اللحظة.