هل يتصور البعض بأن الصراع القائم في تحديد هوية شرق أوسط جديد ممكن وفي القريب؟
هل أن هدف أمريكا في تحقيق استراتيجيتها في الشرق الأوسط يأتي من خلال إيران؟
هل أن المباحثات السورية الإسرائيلية الأخيرة حدثت بموافقة إيرانية؟
من حق المراقب طرح أي سؤال، فالأسئلة مشروعة كما يقال، لكن العبرة في الأجوبة. وكل طرف حسب ميوله يعطي جواب أو تبرير لموقفٍ ما نظراً لدوافع أو ميولاً لجهة وما أكثر الأسباب. لكن العالم تغير، وتغيرت معه الأسلوب السياسي وأسلوب التصدي. ولا أضن أن سوريا الحليفة لإيران يمكنها الإقدام على خطوة التطبيع مع إسرائيل دون التشاور مع القيادات الإيرانية، ولا تقدم على مثل هذه الفعلة دون الحصول على تعهدات مسبقة، ولسوريا يعد انتصار كبير لو أنها استرجعت الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل دون حربٍ أو نزاع أو صرف ليرة، بل قد تحصل على دولارات لا حصر لعددها في مراحل مستقبلية.
ولإيران هموم كثيرة تتمنى لها الحلول دون تعرضها لضربات الصواريخ الأمريكية وهجوم طائراتها…وإن هددت بمحو إسرائيل فقد هدد من قبل الآخرين فأصبحوا في خبر كان وأخواتها. فلإيران مشاكل مع دول الخليج مثل الجزر الثلاثة، ومشاكل مع العراق وإقليم الشيعة في الجنوب ومشاكل مع أمريكا بسبب المفاعل النووي.
نفوذ إيران في محيط الشرق الأوسط الجديد يشكل الهلال الشيعي الذي لم يرضى عن المصطلح الكثيرين وأنا منهم لا لسبب عدم وجوده بل للمصطلح الطائفي بحد ذاته، لكن تخوف الدول من المد الشيعي له جذور كما تخوفوا منذ نشوء الثورة الإسلامية في إيران من مصطلح تصدير الثورة. وساهمت جميع الأطراف لقمع الانتفاضة الشعبانية بعد رفع العراقيين صور تشير لذلك الخطر عليهم. فإيران حكمت وأسست نفوذاً ملحوظاً في سوريا ولبنان والعراق ومن غير الممكن نكران هذا وإن تظاهر بعض السياسيين العراقيين لتقلباته والبدء في التقارب العربي ورشوة (موسى) بـ خمسة ملايين من الدولارات الأمريكية لتصحيح وجهة الحكومة العراقية بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية. فيبقى سياسيون عراقيون في قمة صناعة القرار إيرانيو الضمير (وضنهم شيعيو المذهب والتوجه) ومع هؤلاء يؤيدهم جماهيرهم المنظمة بطريقة محكمة تتدخل فيها أوامر تربط بالباري عز وجل لكن بتفويض إنساني أهمها ولاية الفقيه والمراجع الكبيرة…فيدخل الحلال والحرام والمستحب والأحوط وجوباً ومواضيع لها علاقة بالفتوى وأتباع أهل البيت والدين القديم الحديث.
لهذا كله بات أمراً يتفهم مغزاه ومعناه الأمريكان ومن يساندهم من الموالين للطرفين (اللاعبين على الحبلين). لذلك قد يكون أن قرار الولايات المتحدة التنازل بعض الشيء عن جزئيات إستراتيجيتهم الشرق الأوسطية الجديدة من أجل تقصير الفترة الزمنية وبذلك يقللون الخسائر المادية والبشرية.
وهنا يمكن القول بأن إيران وأمريكا وإسرائيل في حالة تفاوض من نوع ضخم ونهائي لجميع الأزمات وبالخصوص تثبيت الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية لوضع ليس بعدها أزمات. ولكي يحققوا هذا الأمر وهذا كان مسعى جميع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين يجب عليهم إرضاء الطرف الإيراني والذي يدخل في ضمنه الطرف السوري. إيران ليس لها هم إلا الاكتفاء الذاتي لضمان بقاء شكل الحكم كما هو عليه دون التدخلات الأجنبية. وأن جميع المقولات المهددة للسلم الإقليمي والعالمي على حسب الوصف هي مجرد أوراق تفاوضية تزال بمجرد حصولها على تعهدات دولية محكمة.
فإيران تتعهد بعدم استخدام المفاعل النووي لأغراض حربية، وسوف توافق على إشراف دولي وبالتحديد إشراف أمريكي، وهي مستعدة لسحب التهديد بمحو إسرائيل وعدم التدخل في الشأن العراقي الداخلي مقابل حصة معقولة في الحفاظ على نفوذها في المنطقة، أو على الأقل الحفاظ على سلامة مؤيديها لكي تستعملهم أوراق تفاوضية مستقبلية إن حدث خلل من الطرف الأمريكي أو الإسرائيلي, أو تعرض لهجوم عراقي كما حدث في السابق.
موقف الدول العربية من هذه السياسة التي بدأت خيوطها تتحرك من خلال التهدئة اللبنانية والتحرك السوري الإسرائيلي بتعاون تركيا هو سمعاً وطاعة أمريكا، لكن لا يكن على أساس الكراسي التي حكمنها منذ عهد طويل لأننا سوف نورثها كما هو معروف لأولادنا وأحفادنا وهذا أمرٌ من الله تعالى.
من الطبيعي أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تبرر ويبرر معها الكثيرون أننا نعيش في زمن العولمة وتبادل المصالح والتعاون العالمي لتوزيع مصادر الطاقة والسيطرة على الفقر والنمو السكاني ومخاطر البيئة وما إلى ذلك من أمور تبدو في غاية الأهمية لسكان الكرة الأرضية لكي يعيشوا بسلام…وتكاثر مستمر أو يأتي يوم لابد من تحديد النسل لأن الموارد الطبيعية وخصوصاً الغذاء لا يكفي لسد حاجات الإنسان…والدول الصناعية لا يمكنها الحفاظ على رفاهية شعوبها دون الإنتاج المستمر فيكون للحرب ذريعة…ويكون لسيطرة دول على شعوب أمرٌ لا مفر منه.
هل أصبح العالم في يد أمريكا وإيران وإسرائيل؟
هل النظام الدولي الجديد ذا القطب الواحد في طريق إيجاد قطب آخر مشاكس؟
هل نشهد أعوام سلام دائم، لمواجهة الكوارث الطبيعية ونقص المواد؟
المخلص
عباس النوري
[email protected]
2008-05-23