قام الرئيس بوش في آخر زيارة له للمنطقة بتحديد معالم الصراع الدائر بشكل أكثر وضوحاً، من خلال خطاباته النمطية المتكررة، صاحبة المضمون الواحد، التي تلاها من على منبر الدولة الصهيونية، و الدول العربية الأخرى التي قام بزيارتها، فكذب من جديد على نفسه و على العالم، حينما أشار أنه يسعى إلى نشر الديمقراطية و الحرية في الوسط العربي و في منطقة الشرق الأوسط، و أنه سعى و يسعى إلى نشر الديمقراطية و الحرية بكل المنطقة و لو بالقوة، و العمل العسكري، و طرح مثالاً يحتذى للديمقراطية و الحرية التي تتغنى بها أمريكا و تتباهى أنها نشرتها في أفغانستان و العراق، و ركز أن كل من العراق و أفغانستان قد تم تحريرهما و نشر ما يسمى الديمقراطية في كل منهما.
لكنه تناسى طرح أمثلة عملية واقعية تدل على مدى توغل الديمقراطية الأمريكية في كل من العراق و أفغانستان و خصوصاً العراق، فقد تناسى أن نتاج الديمقراطية الأمريكية في العراق، كانت مليون قتيل عراقي و مليون أرملة عراقية، و الكثير ممن فقدوا كلّ شيء جراء ديمقراطية بوش، التي يتغنى بها دوماً، مما أعاد العراق آلاف السنين للوراء.
و جعل بوش لنفسه الحقّ في الدفاع عن البشرية و عن الأقليات المتنوعة و المختلفة منذ القدم و لغاية الآن، متخذا ً من الدمار و الخراب الذي تقوم به قواته الوازع و الحقّ في ما يدعيه من إرادة تحرير الشعوب و خصوصا ً العربية و الإسلامية من قيد جماعات وصفها و غيره بأنها إرهابية.
كما جعل لنفسه الحق في الدفاع كما يقول عمّا أُرتكب من جرائم ضد اليهود و تناسى أن الجميع يعي تماماً أن مرجعيته الدينية الصهيونية تقر و تعترف بإيجاب قيام دولة إسرائيل و حدودها من الفرات إلى النيل، ليس بالضرورة جغرافيا، لتسيطر إسرائيل على المنطقة و لتسعى إلى تمكين نفسها بشكل أكبر مما هي عليه الآن.
فقد كانت كلماته على الدوام كمن يصبّ الزيت على النار، لا يريد لنار الفتنة أن تنطفئ في الوسط العربي .
و نستطيع أن نشاهد أمثلة كثيرة، من خلال خطابات بوش على مرّ فترة رئاسته تبين لنا مدى حقد السياسة الاستعمارية البشعة التي يشنها بوش و من معه على عالمنا.
فـ بعد أن تم إحباط محاولة تفجير طائرات في بريطانيا منذ عامين تقريباًًَ وبعد اتهام عدد من أبناء جلدتنا، خرج الرئيس الأمريكي لشاشات التلفزة العالمية و قال:
” إنها تذكرة قوية بأن هذه الأمة في حالة حرب مع الفاشيين الإسلاميين الذين يستخدمون أي سبيل لتدمير من يحبون الحرية منا، من اجل إيذاء أمتنا”.
و من خلال كلماته يتبين لنا مدى الكراهية و البغضاء و الحقد للعالمين الإسلامي و العربي و أن ما تقوم به أمريكا و دول الغرب من حروب بمفهوم القرن الواحد و العشرين ما هي إلا حروب حاقدة لها تأريخ و مضامين كثيرة، و من أجل تمكين إسرائيل في المنطقة بشكل أكبر مما هي عليه الآن.
لم يكن بيوم من الأيام العرب أو الإسلام السبب في أي فتنة أو حرب أو اقتتال، و لم نكن السبب في فتنة الحرب العالمية الأولى و لا الثانية و لا حتى العاشرة، فقد اكتوينا بحروب صليبية و صهيونية حاقدة فُرضت علينا في القديم و الحديث، فرضها علينا اليهود الصهاينة الذين نالوا من الحرق و الشتات و الإهانة في بلدان أوروبا.
و إذا كانت هنالك فتنة في العراق و السودان و دمار و ضياع في فلسطين و مذابح لأهل لبنان فمن المسؤول عنها؟ أدعياء الحضارة و الإنسانية و البشرية و الحرية و من يجري خلفهم من أصحاب الفكر و الهوى الغربي الولاء و الانتماء الصهيوني و ممن يعزفون على قيثارة الفتنة و الكراهية للإسلام و العروبة.
فمضمون زيارة بوش الأخيرة للمنطقة كانت واضحة وضوح الشمس، فما يحدث الآن من صراعات و حروب؛ ما هي إلا صراعات أزلية قديمة متجددة، تقودها الدكتاتورية المتجسدة في السياسة الأمريكية المتصهينة تجاه العالمين الإسلامي و العربي.