عندما قامت دولة الاحتلال بالهجوم على حزب الله في حرب تموز المدمرة كان بعض العربان وخاصة الحكام والقادة منهم كما وبعض القادة في لبنان يمنون النفس بأن يتلقى حزب الله ومن يقف إلى جانبه هزيمة نكراء، ولم تتردد بعض الدول العربية من شن هجوم على الحزب وإطلاق التوصيفات التي اعتقد بان الجميع لا زال يتذكر مفرداتها، كما أن الوزيرة الأميركية كونداليزا رايس لم تتردد في التبشير لشرق أوسط جديد وقد قيل في حينه بأن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل الاستمرار في الهجوم خاصة وأن بعضا من دول العربان باركوا الهجوم ولم يخجلوا لا من أنفسهم ولا من التاريخ ولا من شعوبهم التي كانت تقف بقضها وقضيضها مع حزب الله.
كانت النتيجة لكل هذا التآمر والهجوم الساحق الذي قامت به إسرائيل بشكل مجنون على لبنان وعلى كل شيء يمثل المقاومة والصمود، أن الجيش الإسرائيلي ذاق من الضربات ما لم يكن أبدا في حساباته، فلقد تم ضربه في البحر وفي الجو وفي ساحات القتال بشكل أذهله، وعدا عن ذلك كله فلقد استطاعت المقاومة اللبنانية أن تسدد الضربات الموجعة إلى الداخل الإسرائيلي وهذا ما كان سببا في بقاء سكان المدن الإسرائيلية الشمالية الذين غادر معظمهم إلى مناطق جنوب إسرائيل في الملاجئ.
لم يرق هذا الصمود الذي أبدته المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله لكل الذين تآمروا عليها، وكان أن بدأت المكائد -التي كانت تحاك في السر- يتم اللعب بها جهارا نهارا، وكشف المرتبطون بالأميركي والإسرائيلي عن ارتباطاتهم وانكشفت عوراتهم، فصار التآمر يتم بشكل مكشوف، وتم تجنيد كل وسائل الإعلام من اجل التحريض على المقاومة التي استطاعت أن تواجه كل ما يحاك بشكل عقلاني ودون أي محاولة منها لاستعمال سلاح المقاومة في الداخل، وظلت تحافظ على نظافة سلاحها، ولم يتوقف الطرف الآخر عن محاولاته حشر المقاومة في الزاوية إلى أن تم فبركة قصة الكاميرات وشبكة اتصالات حزب الله ومن ثم سيطرة حزب الله على العاصمة اللبنانية، ليبدأ بعدها صراخ العربان ضد حزب الله من جديد.
مناسبة هذا الذي اكتب أن بعض الأصدقاء طلبوا مني أن اعلق على المصالحة التي تمت بين الفرقاء في لبنان وما الذي اعتقده في هذا السياق، وهل استطاع العرب في نهاية المطاف أن يوحدوا صفوفهم وان يتمكنوا من حل واحدة من المعضلات في إحدى الدول العربية، وهل هذا يعني أن بإمكان العرب أن يتصرفوا بعيدا عن أميركا، وقد وصف بعض الأخوة أن ما حصل هو انتصارا للعرب في الدوحة على أميركا.
لا شك أنني أقرأ الموضوع قراءة مختلفة تماما، حيث لا اعتقد بان العرب انتصروا على أميركا في الدوحة، لا بل هم كانوا يتصرفون من خلال إملاء أميركي-إسرائيلي، ذلك أن ما حصل في بيروت وتلك السرعة التي استطاعت قوى المقاومة السيطرة فيها على العاصمة اللبنانية، اظهر للأميركي والإسرائيلي ولدول العربان بان كل الجعجعة وكل الأموال التي تم ضخها على قوى الموالاة وكل الحملات الإعلامية التي أريد من وراءها تشويه صورة المقاومة لم تكن بذي فائدة تذكر، وان القوى المقاومة لو أرادت أن تستولي على كامل لبنان وان تفعل ما تشاء في هذا البلد وان تطرد أو أن تسجن أو أن تحاكم من تشاء لفعلت، إلا أنها وبرغم شدة المؤامرة ظلت تحافظ على طهارة سلاحها وموقفها الذي عكس عقلية ملتزمة لا ترغب بالسيطرة على مقاليد الحكم وإنما تريد بعضا من حقها.
اعتقد بان المعادلة لو كانت معكوسة لما تعاملت قوى الموالاة بنفس الطهارة التي رأينا من المعارضة، خاصة وان لنا تجربة مع هذه الموالاة التي لم تتوان عن ذبح آلاف الفلسطينيين واللبنانيين في الحرب الأهلية وذلك عندما كانت لها يدا لم تكن هي الطولى في تلك الحرب، ولكن وعندما أصبح لها ذلك فهي وبقيادة سمير جعجع لم تتوان عن ذبح آلاف الفلسطينيين في صبرا وشايتلا. كما أننا نعتقد بان العرب لم يكونوا ليتدخلوا لو أن المعادلة كانت لصالح الموالاة، وهم لم يتدخلوا سوى من اجل إبقاء هذا البلد في فلك أميركا وإسرائيل وان لا يكون من بلدان – الممانعة- التي باتت بحسب فهمهم تتشكل من سوريا وإيران بالإضافة إلى حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة، كذلك من أجل حماية الموالاة ومن اجل ترسيخ التقسيمة الطائف
ية القائمة، والتي نعتقد بأنها غير عادلة في ظل الواقع الحالي والتي ربما كانت صالحة في وقت من الأوقات، إلا أنها لم تعد كذلك الآن، وأما وقد وافقت قوى المقاومة عليها فلا بد أن لها من الحسابات ما لا نعرفه وربما لديها من المبررات التي أيضا لا نعرف.
ية القائمة، والتي نعتقد بأنها غير عادلة في ظل الواقع الحالي والتي ربما كانت صالحة في وقت من الأوقات، إلا أنها لم تعد كذلك الآن، وأما وقد وافقت قوى المقاومة عليها فلا بد أن لها من الحسابات ما لا نعرفه وربما لديها من المبررات التي أيضا لا نعرف.
ما حصل لم يكن له علاقة بان العربان شبوا عن الطوق الأميركي، لا بل هو يرسخ تبعية العربان لأميركا وإلا ما الذي كان أو لا زال يمنعهم من شرب ( وجبة حليب سباع ) أخرى لعمل الشيء ذاته فيما يتعلق بالخلافات الفلسطينية الفلسطينية، إنها الحسابات الأميركية الإسرائيلية التي لا بد من التقيد بها في التعامل مع أي مسالة أو مشكلة، ولا يسمح للعربان بالذهاب ابعد مما يريد السيد الأميركي، وهنا لا أحاول الترويج بأننا نعيش ( قَدَراً أميركيا) بقدر ما أحاول أن أقول بان الذي حاول التآمر على لبنان خلال كل الفترة الماضية والذي لم يرفع إصبعا واحدا احتجاجا على حرب تموز وتدمير لبنان بما في ذلك الجامعة العربية، لا يمكن أن يكون قد خرج من جلده بشكل مفاجئ وصار يبحث عن صالح لبنان، بقدر ما صار يخشى أن يصبح لبنان بيد القوى الحية والمخلصة فيه خاصة بعد أن بدأت قوى الموالاة بالتنحي، وكان في رأس القائمة جنبلاط الذي سلم الراية لغريمه التاريخي ارسلان.
في المحصلة النهائية وبغض النظر عن كل الذي جرى فان ما حصل وبرغم محاولات تشويه المقاومة اللبنانية إلا أننا نستطيع أن نؤكد هنا أن ما حصل هو انتصار لحزب الله والمقاومة والقوى التي تلتف حوله، وان حزب الله الذي استطاع أن يخرج أقوى مما كان عليه بعد حرب تموز استطاع أن يحقق انتصارا آخر لكن سياسي ودبلوماسي هذه المرة وعلى المستوى الداخلي، وقد أقر بهذا الانتصار كل من الأميركي والإسرائيلي والدول العربية التي تدور في فلك السياسة الخارجية الأميركية، وهو بانتصاره هذا إنما أثبت بأن أميركا ليس قدر هذه الأمة.
بيت لحم